|

كتاب أسوار – رواية لـ محمد البساطي

حول الكتاب
“السجن غير بعيد عن البيت، أراه بسوره المتعرج عندما أكون فوق السطح أطعم الحمام، وأراقب الحركة في ساحته الواسعة. المساجين بملابسهم الزرقاء هنا وهناك، بحثاً عن دفء الشمس. ثلاثة أو أربعة بالملابس الحمراء، محكوم عليهم بالإعدام، يتحركون بين الآخرين أشبه برايات الحظر. يسحبون خلفهم مقاطف يجمعون بها ما تقذفه زوابع الهواء من أوراق أشجار وجرائد وكراسات مدارس. يتوقف صاحب البذلة الحمراء والمقطف بين قدميه، يرقبها تحلق في الفضاء، تبتعد وتقترب، تعبر السور، وتسقط أخيراً. حين تكون قطعة من جريدة يغروها، يتأملها من الوجه والظهر ثم يكورها ويرمي بها إلى المقطف، أحياناً تكون ورقة من مجلة، بها صورة ملونة، يمسحها بملابسه، يلقي عليها نظرة، ويضعها في جيبه، يكتشفها بعد قليل أثناء توقفه ويرمي بها إلى المقطف. لم يتجاوز عددهم يوماً الأربعة، ينقص فجأة. كنت أطعم الحمام وأعدّهم بنظراتي. حين أجد العدد الذي أعلم أنه ينقص واحداً أبحث عنه في الساحة، أعرف أنهم لا يتحملون البقاء في العنابر، ويستمر بحثي، وأقول إنهم لا بد أخذوه ليلة أمس. ولأن عملي في المعتقل فإن أخبار السجن لا تصلني في حينها. ويأتي وقت لا يكون هناك غير واحد منهم. كفي مغرودة بالحب للحمام الذي تجمع حولها في هديل خافت. أرقب اللون الأحمر وقد توقف مستنداً إلى جذع صفصافة يدخن سيجارة.
كانوا يصرفون له تعييناً مميزاً: قطعتي لحم بدلاً من واحدة، وحلوى وعلبة سجائر… لا أحد يصدر إليه الأوامر بعمل ما هو من تلقاء نفسه يبحث عن المقطف ويمضي به في الساحة. عادة، قبل إختفائه بيومين، يظهر واحد أو إثنان آخران، يقفان متجاورين في الطرف بعيداً عن زحمة المساجين. البيت ميري، في بلوك من أربعة متجاورين. كان لأبي من قبل، هو أيضاً من بنى برج الحمام، وعشّه فراخ فوق السطح. أترك إطعام الدواجن لإمرأتي، وأطعم الحمام بنفسي. يسمح لي ذلك بالنظر إلى مبنى السجن، يبدو مختلفاً عما أراه حين أكون في داخله، وكأنني ألمح شيئاً عابراً من نافذة قطار”. سرديات وقوافل ذكريات لحارس في معتقل إختزنت أعماقه من الأحزان ما يكفي لإضفاء طابع الكآبة والحزن على تلك المناخات الروائية. يخلف ذلك الحارس والده في ذاك العملا الذي تلاحق صاحبه بعد تقاعده آفة الضياع العقلي، فهاهو والده وبعد أن أحيل على التقاعد يصاب بآفة الخبل كما صاحباه من قبله.”

وجاء يوم أصابه الخبل… لحق بإثنين آخرين من الحراس المتقاعدين أيام قليلة بعد رحيلهم، وظهر الخبل على واحد من المتقاعدين الجدد “.يتناول الروائي قصة ذاك الحارس بشيء من الإسترسال الإنساني العذب ليكشف من خلال منولوج داخلي الآفات التي تعجم بها المعتقلات التي تدفن داخل أسوارها وبين جدرانها مأساة المعتقلين والحراس على السواء.

نبذة الناشر:
كان خبلهم ودوداً، غير خطر، تعتريهم نوبات من المرح الصاخب. فيندفعون ولا ينتبهون إلى ما حولهم. ساروا يوماً وراء امرأة زميل لهم كان أصغر منهم سناً ولا يزال في الخدمة. كانت في طريقها إلى بيت جارة في البلوك نفسه، تلبس جلباب بيت ضيقاً يبرز مؤخرتها الثقيلة. راحوا خلفها يحاكون مشيتها. مد واحد منهم يديه يوقف رجرجة المؤخرة، وتبعه الآخران. المرأة صرخت وهم صرخوا. خلعت فردة الشبشب وسعت لضربهم. وقفوا ساكتين ينظرون إليها. أمسك زوجها يدها المرفوعة، وقد جاء جرياً على صراخها، وزعق: حاتضربي مين يا بنت الكلب. سحبها بعنف من ذراعها وسط دهشة الواقفين، وكانوا على ما يبدو يتوقعون منه غير ذلك.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *