| | |

كتاب صيف كلنكسر الأخير – رواية لـ هيرمان هيسه

وصف الكتاب

“طمأنها قائلاً: “لا ليست هدية، لا بالتأكيد، تذكار فحسب، حتى لا تنسيني”… قالت: “لن أنساك”… و”هل ستأتي مرة أخرى؟”، فغشّاه الحزن، وقبل على مهل كلتا عينيها وقال: “سآتي مرة أخرى”، وقف لحظة دون حراك منصتاً لقبقابها الخشبي يطقطق نزولاً، على المرج في الأسفل، وخلال الغابة، يطقطق على الأرض، على الصخر، على أوراق الشجر، وعلى الجذور؛ والآن قد ذهبت.

كانت الغابة سوداء إزاء الليل، والريح تمسّ وجه الأرض اللامرئية مسّاً حنوناً، كان لشيء ما، ربما الفطر، أو ربما سرخس ذابل رائحة الخريف النفّاذة، لم يستطع كلنكسر أن يقرر الذهاب إلى البيت، فما كان جدوى تسلق الجبل في هذا الوقت، والدخول إلى الغرفة مع كلّ الصور؟ فتمدّد على العشب ونظر إلى النجوم وأخيراً نام، وظلّ نائماً حتى أيقظته في ساعة متأخرة من الليل صرخة حيوان أو عصفة ريح أو برودة الندى؛ حينها تسلق بإتجاه كاستانيتا، فوجد بيته، بابه، غرفته، وكانت هناك رسائل وزهور؛ لقد مرّ بعض الأصدقاء.

وعلى الرغم من تعبه فقد أطاع عادته القديمة المترسخة كل ليلة؛ في أن يفكّ كل عدّته وينظر إلى تخطيطات النهار على ضوء المصباح، تلك التي تصور أعماق الغابة كانت جيدة، والنباتات والصخور في الظلّ المرتّشى بالضوء شعّت هادة ونفيسة مثل حجرة كنز.

لقد كانت فكرة سارة أنه رسم بالأصفر الكرومي، والبرتقال والأزرق، فحسب وترك الأخضر الكرومي، فبقي يدرس الصفحة مدة طويلة؛ ولكن لِمَ؟…

لِمَ كانت هذه الصفحات ملطّخة بالألوان؟… لِمَ كل الكدح، وكلّ العرق، وكل التوق القصير الشديد النشوان للإبداع؟ أكان ثمّة خلاص؟ أكان ثمّة سكينة؟… أكان ثمة سلام؟… حالما نضا ثيابه غاص منهمكاً في فراشه، وأطفأ المصباح متلمساً النوم، وهو ينشد لنفسه مترنماً بهدوء بأشعار توفو، قريباً تندب الريح… عند قبري الداكن…

يقدم هيسه في قصته هذه محنة الإنسان المعاصر، محنة مبدع تهيمن عليه فكرة الزوال ولا يعينه إبداعه على النجاة من قدره المحتوم: (اشرب نخبك أيتها الأشياء الرائعة في العالم! أنا الأكثر إيماناً، والأكثر حزناً، الذي يعاني خشية الموت أكثر منكن جميعاً…

وإلى هذا، فإن كلنكسر رسام مبدع يعشق الحياة ومباهجها، وتسكنه فكرة الميلاد والموت، النشوة والتفسخ: (كانت لوحة ألوانه الصغيرة سلواه، وبرجه، وترسانته، وكتاب صلواته، ومدفعه، منها أطلق النار على الموت الشرير)، ويحاول أن يخلّد الحياة بالإبداع وبتحدّي الزوال: (لقد أطلقت النار على الموت بالألوان).

كلنكسر فنان مبدع تحيطه الخصوبة، فهو في حوار مع المنجم، يقول إنه ولد في الثاني من تموز، فيقول له المنجم: (الخصوبة تحيطك مثل غيمة توشك أن تنهمر)؛ إن تموز هنا، رمز للخصوبة، ورمز للحياة كذلك: (احترق تموز، وسيحترق آب، وفجأة تثلجنا الروح العظيمة).

يقدم هيسه للقارئ في عمله هذا بيئة إيطالية بأسماء أماكنها وجوهاً، ويضمن الحوار مفردات إيطالية، وعلى الرغم من أن أسماء المناطق، وهميّة، إلا أن بعضها حقيقية لكنها ليست في إيطاليا، مثل جبل أتوس الذي يقع في اليونان، وجبل الزيتون الذي يقع في فلسطين.

يبث هيسه في ثنايا القصة تلميحات وإشارات تجعلها كثيرة المستويات، واسعة المدى، غزيرة الأفكار، فإضافة إلى هاجس الموت الذي يربض على تفكير الإنسان؛ هناك الحرص على القيم والجوهر الروحي للحياة: (مرحى أيها العالم القديم، احرص على أن لا تنهار)، ومن جهة أخرى، فإن كلنكسر رمز للإنسان الأوروبي المعاصر الذي يسكنه الخوف من المدينة والحضارة الأوروبية التي شارفت على النهاية، ويعيب عليها على أنها ظنت على مدى ألفي عام أنها عقل العالم… انقلبت مدينتها فصارت لا تعرف سوى ضم الدمار والحروب.

يبشر كلنكسر بإبتداء نهاية الغرب وولادة عصر جديد، إذ يقول للمنجم المجوسي: (إنك رسول لي من الشرق) إشارة إلى رحلة الكهنة المجوس إلى فلسطين ليشهدوا ولادة عيسى المسيح، وفي هذا دلالة على إنتهاء عصر وصل إلى حافة الإنهيار، وها هو يشهد ولادة عصر جديد، لقد خلدت أعماله أسطورة حياته وذلك الصحف الأخيرة منها خلوداً لا يقلّ عن ذلك قوّة.

ملف الكتاب   قناتنا على تيليجرام

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *