كتاب أولية العقل – نقد أطروحات الإسلام السياسي لـ عادل ضاهر
عنوان الكتاب: أولية العقل – نقد أطروحات الإسلام السياسي
المؤلف: عادل ضاهر
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: دار أمواج
الطبعة: الأولى 2001 م
عدد الصفحات: 415
حول الكتاب:
“يعود بنا العمل الحالي إلى معالجة قضايا سبق وعالجناها في دراسات عديدة وعلى مدى عقد من الزمن في سياق دفاعنا عن الموقف العلماني وتفنيدنا للأطروحات الأساسية المشتركة بين الحركات الممثلة للإسلام السياسي. ولكن من النافل القول إن قضايا من النوع الذي يثيره تسييس دين سماوي كالإسلام على درجة عالية من التعقيد ولا يمكن الإحاطة بجميع جوانبها بسهولة، وإن الخوض فيها لا يمكن أن يقف عند الحدوج التي أوصلتنا إليها دراساتنا السابقة. ولذلك شعرنا بالحاجة إلى المزيد من البحث في هذه القضايا على مستوى فلسفي، ألا وهو المستوى الذي يعنينا، وما زالت في طورها الأول في إنتاجنا الفكري، إضافة إلى نسبة عالية جدا من هذا الإنتاج المعني بهذه القضايا لا تولي أهمية تذكر لجوانبها الفلسفية. كذلك ثمة مسألة جد هامة لها علاقة وثيقة بهذه القضايا ما زالت تحتاج إلى الكثير من البحث والاستقصاء، وأعني بها مسألة أولية العقل ، لما لحقها من إهمال حتى في دراسات المؤلف الحالي التي تصدى فيها للحركات اللاعلمانية التي جعلت أسبقية النقل على العقل مبدأها الأساسي. إن هذه المسألة بالذات هي التي دفعتنا للعمل على تأليف هذا الكتاب ولأن نعالج من جديد بعض القضايا الجوهرية التي يثيرها تسييس الإسلام، انطلاقا من تسويغنا لأطروحة أولية العقل.في كلامنا على الإسلام السياسي، في العمل الحالي، لا نريد أن نهيئ للقارئ أن الإسلام السياسي كل متجانس. ثمة حركات إسلامية كثيرة تحولت إلى أحزاب أو شبه أحزاب، كحركة الإخوان، وحركة النهضة التي أسسها راشد الغنوشي في تونس ، والجماعة الإسلامية في باكستان، وجماعة التوحيد في مصر ، والحركة الإسلامية في الأردن، والخمينية في إيران، وغيرها. وهذه الحركات متنوعة في مشروعاتها السياسية، وإن كان ما يوحد بينها أكثر، وعلى الأرجح، أهم مما يباعد بينها. لن نعنى هنا إلا بشكل هامشي جدا بما يباعد بين هذه الحركات، بل إن اهتمامنا سينصب بشكل أساسي على الأطروحات المشتركة بين معظمها والتي تثير أسئلة فلسفية. ألخص هذه الأطروحات في خمس :أولا، النقل ذو أسبقية على العقل،ثانيا، الإسلام دين ودولة،ثالثا، لا يمكن للإنسان أن يتدبر شؤون دنياه بدون توجيه إلهي،رابعا، لا اجتهاد في موضع النص،خامسا، لا تعارض بين قيام دولة إسلامية والديمقراطية في بعض جوانبها.يشكك بعضهم ، وأنا منهم، في مشروعية إسناد الأطروحة الخامسة إلى الإسلاميين. لا شك أن بينهم من يؤيد هذه الأطروحة ظاهريا، خصوصا في إصرارهم على أن نظام الشورى هو المعادل الإسلامي للنظام الديمقراطي. راشد الغنوشي ، كما سنرى في الفصل الأخير ، هو أكثر المدافعين عن القيم الديمقراطية، بين الإسلاميين ، وعن قدرة النظام الإسلامي المزمع إقامته على استيعابها. ولكن المشككين يعتقدون أن الغنوشي أو سواه من الإسلاميين لا يفعلون أكثر من إعطاء ولاء كلامي كاذب للقيم الديمقراطية. ولكن، مع ذلك، سأترك هذه الشكوك جانبا وافترض لغرض هذا الكتاب أنهم يتبنون فعلا الأطروحة الخامسة.من الجدير بالملاحظة أن ظاهرة تسييس الدين ليست مقتصرة على العالم الإسلامي، كما هو شائع بين العامة عندنا وعند سوانا. ثمة حركات أصولية غير إسلامية ناشطة سياسيا في أنحاء مختلفة من هذه المعمورة. من هذه الحركات الحركة التي يمثلها ما يعرف بـ (( اليمين الديني )) Religious Right في الولايات المتحدة، وحركتا حريديم وغوش إيمونيوم في إسرائيل، والحركة الهندوسية في الهند الساعية إلى إقامة (( رامراجا ))، أي إقامة الدولة على أساس تعاليم الإله رام. حتى البوذية، على الأقل في سري لانكا، لم تسلم من ظاهرة تسييس الدين.ولا عجب أن نكتشف أن ثمة الكثير مما هو مشترك بين هذه الحركات الأصولية والإسلام السياسي. في الواقع، إذا اقتصرنا في فهمنا للأطروحات الأربع الأولى من الأطروحات الخمس المشتركة بين الإسلاميين على فحواها الأساسي، مجردا من أي إشارة إلى الإسلام، سنجد أن هذه الأطروحات مشتركة بين الإسلام السياسي ، من جهة، والحركات الأصولية المذكورة، ( باستثناء الحركة المرتبطة بالبوذية في سري لانكا)، من جهة ثانية. إن هذا واضح من كون السمة الأبرز لهذه الحركات هي السمة المتمثلة بلجوء أتباعها إلى اعتبارات دينية خالصة لتسويغ اتخاذ مواقف معينة من القضايا العامة ولاختيار مسار معين في المجال السياسي . وهذا يفترض ربطهم بين الدين والسياسة ربطا ضروريا، نظرا لأنهم، كالإسلاميين، لا يجدون بديلا عن الاعتبارات الدينية أساسا لمواقفهم من القضايا السياسية. وإذا أضفنا الآن أن الاعتبارات أو المسوغات الدينية التي يتم اللجوء إليها يفترض أن تكون متضمنة في نصوص مقدسة مرجعها السماء أو العناية الإلهية، إذن لا بد أن نجد، في هذه الحالة، لدى كل حركة من هذه الحركات الأصولية غير الإسلامية نظيرا لكل أطروحة من الأطروحات الأربع المعنية الخاصة بالإسلام السياسي.“