|

كتاب ابن الرومي الشاعر المجدد لـ د. ركان الصفدي

 
b59ac 72
كتاب ابن الرومي الشاعر المجدد

عنوان الكتاب: ابن الرومي الشاعر المجدد

 

المؤلف: د. ركان الصفدي


المترجم / المحقق: غير موجود


الناشر: الهيئة العامة السورية للكتاب


الطبعة: 2012 م


عدد الصفحات: 360

حول الكتاب

كان ابن الرومي شاعراً كبيراً، متنوع الأغراض، فسيح الشعر، ثري الروح، متفرد الصوت الشعري. وكان التفوق الفني هاجسه الدائم، لأنه رد أمثل على وضعه الاجتماعي الذي يتناقض مع مكانته الشعرية، ومحاولة جادة لتبوّؤ المكانة اللائقة في عالم الشعر، ولا يتم ذلك إلا بالتفرد والتميز، ولذلك كان “التجديد” في شعره راية لفنه يطوف بها في شعاب “عبقر”.
 
  وعلى الرغم من أهمية ابن الرومي، فإنه لم ينل حظه من البحث لأسباب مختلفة، بعضها يتعلق بشخصيته الغريبة غير المحببة لمعاصريه، إذ كان ابن الرومي ناري اللسان، سريع الغضب والانقلاب. وبعضها يتعلق بظروفه الاجتماعية، فقد كان بعيداً عن بلاطات الخلفاء، يعيش بين عامة الشعب، يتلمس نبض حياتهم. وبعضها يعود إلى أن شعره لم يكن على شاكلة شعر أبي تمام الذي شغل الناس، ولا على نمط شعر البحتري، النقيض الفني لأبي تمام عند النقاد، وكان الصراع بين أنصار الشاعرين محتدماً، فلم يأبهوا لتيار ثالث هو تيار ابن الرومي، التيار الذي يحاول هذا البحث الكشف عن عناصره وسماته وخصائصه.
 
  إن شعر ابن الرومي يثير جملة من القضايا الفنية، من خلال شبكة من العلاقات تنظم الحياة الداخلية لقصيدته، فالقارئ لشعره يحس دوماً بأنه أمام لحظة فنية متألقة، فهو ملاحق دوماً بفعاليات جمالية تثير فيه الانفعالات والمتعة الفنية، وتشحذ ذهنه بالتساؤل والمهارة العقلية، فيغدو شعر ابن الرومي عالماً خصيباً بالجدة والابتكار، ممرعاً بلغة تجسد روحه وفكره، وخيال يرسم حلمه ورؤيته للحياة.
 
  وشعر ابن الرومي مشرع على الحياة بكل ما تزخر به من حركة وصخب وحزن وفرح ونعمى وبؤس، وهذه السمة كانت من الدوافع المهمة للتجديد في شعره، فقد عانق الحياة المتجددة الموارة بالحركة وانتمى إليها، فكان متجدداً مثلها متدفقاً كتدفق حياة بغداد مدينة العلم والثقافة والحضارة. ولأن ابن الرومي كان لاصقاً بالحياة كان شعره واضحاً سهلاً، لم يتهمه أحد بالغموض، وهذا ما يميز التجديد عنده من التجديد عند أبي تمام، وربما كانت هذه السهولة في شعره قد حجبت رؤية مظاهر التجديد فيه، وهنا يطرح شعر ابن الرومي قضية نقدية على قدر كبير من الأهمية، وهي أن الغموض ليس شرطاً لازماً للحداثة والتجديد. ولم تكن السهولة في شعر ابن الرومي مألوفة أو بسيطة، وإنما كانت نتاجاً لفاعلية فنية عالية المستوى، وهذا يقودنا إلى القول إن التطور والتجديد في شعر ابن الرومي يمتاز بأنه كان حياة القصيدة، في حين كان التجديد عند أبي تمام هدف القصيدة.
 
  وقد كان ابن الرومي ذا رسالة إبداعية واضحة، واعياً لصنعته الفنية، يبوح بأسرارها أحياناً، ويكشف مواطن الجمال فيها أحياناً أخر، يتجلى ذلك في مدحه لقصيدته ووصف فعلها الساحر في خواتيم قصائده، كما يتجلى مثلاً في هجائه للبحتري وغيره من الشعراء، إذ نراه يتحول إلى ناقد فني، له نظريته النقدية الواضحة، وهذه ميزة فريدة يتمتع بها ابن الرومي لا نكاد نجد لها مثيلاً في الشمول عند غيره من الشعراء.
 
  ومن هذه الأهمية التي يشغلها ابن الرومي في الحركة الشعرية، استمدت هذه الدراسة مسوغاتها ودوافعها، فقد أرادت أن تقدم شاعراً كان أحد أعلام التجديد في الشعر العباسي، تتلمذ على أبي تمام، ولكنه لم يلبث أن اختط طريقاً أخرى، سعت الدراسة إلى تحديد معالم هذه الطريق وكشف خباياها.
 
  وكانت المادة الشعرية التي احتواها ديوان ابن الرومي غزيرة جداً (نحو ثلاثين ألف بيت) ومتشعبة في موضوعاتها ودلالاتها ووظائفها ومستوياتها، ومن أجل الإحاطة بها والوصول إلى تصور شامل عن كل جانب من جوانب البحث، اعتمدنا أسلوب الإحصاء وتحليل النتائج الإحصائية ودراستها واستنباط الأحكام وتعميمها.
 
  وقد اعتمد البحث على مناهج نقدية متعددة في تحليل النصوص والظواهر، اتساقاً مع متطلبات البحث الأكاديمي، فهذه الدراسة هي في الأصل بحث أعد لنيل درجة الماجستير من جامعة دمشق، نوقش في العام ١٩٩١ ونال درجة الامتياز(*)، وقد قمنا ببعض التعديلات الطفيفة هنا وهناك، وخففنا الكثير من الأحكام اليقينية التي يتسم بها روح الشباب المتوثب، وأبقينا على المناهج التي اعتمدت، على الرغم من تغير موقفنا من بعضها بعد ما يقرب من عقدين، لأنه لا يمكن إغفال دور أي منهج علمي حتى لو تجاوزه الزمن، ما دمنا لا ندعي منهجاً متكاملاً بديلاً، لقصور ذاتي أولاً، ولأن أياً من المناهج الحديثة لم يكن كافياً وحده لتفسير الظواهر الأدبية والثقافية مهما ادعى أصحابه ذلك. فالمنهج التاريخي الاجتماعي أضاء لنا التأثير المتبادل بين إبداع ابن الرومي وواقعه الاجتماعي والسياسي، ومنهج التحليل النفسي فسر بعض الظواهر في شخصيته وأثرها في شعره، والمنهج البِنَوي حلل الظواهر الفنية في شعره، كذلك أسهم في اكتناه رؤيته للوجود والفن.
 
  وشغل البحث أربعة أبواب، جاء الباب الأول (ابن الرومي وعصره) في ثلاثة فصول، تحدث الأول عن (حياة ابن الرومي) وألقى الضوء على أسرته وولادته وأصدقائه وخصومه وتلاميذه ومكانته وشهرته ووفاته وديوانه. وكان الفصل الثاني في (المكونات النفسية والفكرية والثقافية عند ابن الرومي)، وهي العناصر المؤثرة في التطور والتجديد في شعره، لأن شعره كان صورة صادقة لروحه المعذب الناقم، ولثقافته الثرة الخصبة المتنوعة. وكان الفصل الثالث في (موقف ابن الرومي السياسي والاجتماعي)، تناولنا فيه موقفه من الخلافة العباسية والمعارضة الممثلة في ثورة يحيى بن عمر وثورة الزنج مبنياً على تشيعه وعلى تكوينه النفسي ونزعته الحضارية.
 
  وبعد أن اكتملت صورة ابن الرومي الإنسان الذي هيأته ظروفه الاجتماعية والنفسية والفكرية ليكون فناناً مجدداً، انتقل البحث إلى معالجة فنه الشعري، ليأتي الباب الثاني بعنوان “ابن الرومي بين التقليد والتجديد” في فصلين، أولهما “التجديد في الموضوعات التقليدية” كالمديح والعتاب، والرثاء، والهجاء، والغزل، ووصف الطبيعة، والزهد. أما الفصل الثاني فقد كان بعنوان “الموضوعات الجديدة”، وهي موضوعات ظهرت في العصر العباسي، وقد ابتكر ابن الرومي عدداً منها، كالمناظرات الشعرية، وفن رثاء المدن، والموضوعات الشعبية، غير أن أبرز موضوعاته الجديدة كان الهجاء الساخر الذي سميناه “السخرية السوداء”.
 
  واختص الباب الثالث بالتجديد في الشكل، فتعرض الفصل الأول منه (منهج القصيدة والوحدة العضوية في شعر ابن الرومي)، للإطار العام للقصيدة، ومقدمات القصائد، والوحدة الفنية العضوية. وتناول الفصل الثاني (الخيال والصورة في شعر ابن الرومي) طبيعة الخيال عنده ومنابعه وأثره، كذلك تناول الصورة الشعرية بنوعيها: الصورة العقلية والصورة الفنية، باسطاً البحث في بنية الصورة الفنية وأنماطها. أما الفصل الثالث (اللغة الشعرية عند ابن الرومي) فقد عالج السمات العامة للغته الشعرية، والعلاقات المجازية فيها، والتراكيب، والألفاظ، والعلاقات المعنوية والصوتية. وأما الفصل الرابع (الموسيقى الشعرية عند ابن الرومي) فبحث في الموسيقى الصوتية التي تشتمل على: البحور الشعرية، والقافية والروي، والترصيع، والتناغم الصوتي، والنبر. كذلك بحث في الموسيقى النفسية (الداخلية) وبيّن ارتباطها بعالم الشاعر النفسي وموضوعاته المختلفة.
 
  وكان الباب الرابع (رؤية ابن الرومي للوجود والفن) في فصلين: الأول (رؤية ابن الرومي للوجود) تناول رؤيته لكل من الإنسان، والطبيعة، والزمن، والخير والشر، والموت والوجود الإنساني. والثاني (رؤية ابن الرومي للفن) تناول رؤيته المنبعثة من مركزية الشاعر وعلاقاته بالمتلقي والشعر، وألمّ بعدد من القضايا التي تتصل بهذه الرؤية مثل: منابع الإلهام، وقضايا الإبداع، ووظيفة الشعر.
 
  وأجملت الخاتمة نتائج البحث، فأكدت ريادة ابن الرومي في عدد من القضايا الفنية.
 
  وبعد، فإن هذه الدراسة المتواضعة التي جاءت بعد دراسات خطيرة لأعلام الثقافة العربية، مثل العقاد والنويهي والمازني وإيليا حاوي وآخرين، لتشعرنا بالتقصير، على الرغم من تأميلنا أنها أضافت إلى ما سبق، بل بالورطة الحقيقية، لأن التصدي لدراسة شاعر باتساع ابن الرومي مخاطرة كبيرة، فكل زاوية في شعره عالم فسيح قياساً على غيره من الشعراء كماً وكيفاً، يحتاج إلى غوص وتعمق وإعمال أدوات بحث ودراسة. والتنكب عنه مخاطرة أكبر لأن في ذلك إهمالاً لأهم فعالية فنية شهدها القرن الثالث الهجري، هي شعر ابن الرومي، بغض النظر عن حكم معاصريه أو معاصرينا، لأن لابن الرومي لغته التي تكاد لا تشبه لغة غيره، والتي ستظل مثار تساؤلات نقدية عبر الآتي من الزمن. ومن هذا الإحساس وهذا الاقتناع، فإن هذه الدراسة ستفتح لنا قبل غيرنا أبواباً أخرى للعبور إلى عالم ابن الرومي الشعري، العالم الذي تورطنا فيه… تورطاً جميلاً!
 
 

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *