كتاب التأصيل الإسلامي لنظريات ابن خلدون لـ الدكتور عبد الحليم عويس
كتاب التأصيل الإسلامي لنظريات ابن خلدون |
عنوان الكتاب: التأصيل الإسلامي لنظريات ابن خلدون
المؤلف: الدكتور عبد الحليم عويس
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية – قطر
الطبعة: الأولى 1416 هـ / 1996 م
عدد الصفحات: 144
حجم الكتاب : 2.44 ميغا
حول الكتاب
فحضارة الإسلام المعتد بها، هي الصورة اليقظة الفكرية، والهمة الإنشائية، التي تولدت من حرارة إيمان المسلمين في الأجيال الأولى، فمكنتهم من أن يخرجوا عن المحيط الإقليمي، إلى المحيط العالمي، وأن يتناولوا المعارف كلها بداع من إيمانهم الديني، ولغاية تبدو في عظمة دينهم، يستباح الفداء فيها، والهلاك من أجلها، فطلبوا المعارف ونالوها، وجمعوا بين أطرافها وهضموها، وصنفوها وتحكموا فيها، فتطورت على أيديهم، وتواصلت وتقابست، وتـصل ما بينها وبين دينهم، فانطبعت بشخصيتهم، وتأثرت بأوضاعهم الفكرية الأساسية، التي هي أوضاع الفكر الدينية، التي انشأ الإسلام عليها أفكارهم، والسكينة الإيمانية، التي رتبت دعوة الإسلام عليها نفوسهم.هذه الحضارة هي التي ولدت ما ازدهر به التاريخ الإسلامي من المعارف، والآداب، والصنائع، والفنون، فكان المسلم الذي هو منشئ تلك الآثار الباهرة من الحضارة، سيدها ومعمرها بإيمانه القوي، وروحه المتقدة، وفكره المتوثب، وخلقه الطاهر، وسلوكه الأمين.فلما تحولت به الحال، عن تلك المعاني السامية، بقيت مظاهر الحضارة ومعالمها، ونشأت بعدها مظاهر ومعالم أخرى، ولكن المسلم لم يبق سيدها ومعمرها، وإن كانت تنشأ في أرضه، بيده وعن معرفته، لأنه أصبح أسيرها، وعامل فسادها وخرابها، لما فقد ما كان عنده من قوة الإيمان، والروح، والفكر، والخلق، والسلوك.هنا تبدو حقيقة مشكلة الحضارة الإسلامية، وهنا يبدو الموقف الحكيم، الذي وقفه منها ابن خلدون .. فالحضارة الإسلامية في عصر ابن خلدون، لم تكن صور عرض مشكلتها، كما كانت عند السيد جمال الدين الأفغاني، ولا الشيخ محمد عبده، ولا الأمير شكيب أرسلان، ولا الحكيم محمد إقبال، فهؤلاء وجدوا أمة مغلوبة، ومدنية مضروبة، ودولا زائلة، أو في حكم الزائلة، وأمة تتحرق على ما ترى عند غيرها من مظاهر القوة والسمو، فلا تستطيع أن تبلغ مبلغ الدنو منها، أو الزحف إليها.أما ابن خلدون فعلى ما أصاب الإسلام قبله من نكبات، أهمها سقوط بغداد، فإن الأمة لم تزل في الشعور بعظمتها، ودولها .. لم تزل ذات شوكة مخشية، ونسبة غيرها من الدول والأمم منها، لم تكن تبرز شيئا يحس به، مما ينال الأمة الإسلامية في شعورها، ويعقد في نفوسها عقد الشعور بالنقص والهضيمة، إلا أن عبرا من الأحداث يستخلصها الفكر الوقاد، وتلويحات دقيقة تشير إلى المستقبل المنتظر من ارتفاع الوضيع، وانحطاط الرفيع، لا يدرك مغزاها إلا من أوتي ما أوتيه ابن خلدون من بصر نافذ، هي التي قربت من ذلك النظر القوي الغريب، صور عرض المشكلة، فجلاها لنا بقلمه، قبل يومنا هذا بنحو من ستة قرون، كما نستجليها نحن الآن، وكما استجلاها عظماء الباحثين في المشكلة الإسلامية في هذا العصر، بل لعله استطاع أن يضع يده من بعيد، على مجالي تلك المشكلة، التي لما نضع نحن أيدينا عليها بصورة تامة واضحة.لقد تناول ابن خلدون – والكلام ما يزال الشيخ ابن عاشور، رحمه الله – هذه القضية، عن طريق الدولة والعمران، فبنى بحثه على ما هو معروف عند المسلمين، وسبقت به الأخبار النبوية، من انقلاب الخلافة إلى ملك، وقد كان الناس يعتبرون ذلك أصل فساد الدولة الإسلامية، وفساد الرعية تبعا لفساد رعاتها.