كتاب التمييز الموسوي أو ثمن التوحيدية لـ يان أسمان
عنوان الكتاب : | التمييز الموسوي أو ثمن التوحيدية |
المؤلف : | يان أسمان |
الناشر : | منشورات الجمل |
الطبعة : | 2006 |
الصفحات : | 253 |
المجلدات : | 1 |
الصيغة : | مصور |
وصف الكتاب |
يشكِّل كتاب التمييز الموسوي أو ثمن التوحيدية للباحث الألماني المتخصص في علم المصريات يان أسمانمساهمةً أساسيةً في قراءة الديانة اليهودية. يعرِّف أسمان التمييز الموسوي بأنه تمييز بين الحق والباطل في الدين، بين الإله الحقيقي والآلهة المزيفة، وبين العقيدة وعدم وجودها – مما يعني أن التمييز الموسوي هو، في الواقع، تمييز بين الأديان التوحيدية، أي التي لا تعترف بغير إله واحد فقط، وبين الأديان القديمة المتعددة الآلهة. بهذا المعنى يطاول التمييز الموسوي اليهوديةَ والمسيحيةَ والإسلامَ على حدٍّ سواء.
لكن الجديد في قراءة أسمان اعتباره أن أصل الحضارة الغربية مستمد، بالدرجة الأولى، من الحضارة الفرعونية المصرية التي وصلت إلى الغرب من طريق الحضارة اليهودية–المسيحية والحضارة الإغريقية. وهو يدلِّل على فكرته هذه بالإشارة إلى أن جوهر حضارة التوراة والإنجيل مقتبس من الحضارة المصرية، إذ يرى أن موسى رجل مصري نشأ وترعرع وتربَّى في أحضان الحضارة المصرية، وكانت ثقافته وحكمته مصريتين بالكامل. لم يكن موسى أول مَن نادى بالتوحيد؛ فقد سبقه إليه أخناتون، أحد فراعنة مصر، الذي أنكر جميع الإلهة، ماعدا الإله آتون، روح الشمس، الذي رمَزَ إليه بالقرص الشمسي.
يرصد الكاتب مسار تكوُّن التوحيدية من خلال التحول من الأديان الأولية إلى الأديان الثانوية: فالأديان الأولية قائمة على تعدد الإلهة، فيما تكونت الأديان الثانوية من طريق “الوحي” على أشلاء الأديان الأولية ومحاولة الانفصال عنها. ترتَّب على انتصار الأديان الثانوية قيامُ حضارات وأديان جديدة تشترك خصائصُها في التوحيد والكتب المُنزَلة. وقد نجمت عن انتصار التوحيدية مفاهيم وعقائد وممارسات تجاه الأديان الأخرى: إذ نشأت مقولة الحقيقة المطلقة الموحى بها، فباتت “حقيقة العقيدة” لا تُمس. اتخذت التوحيدية موقفًا معاديًا من الأديان الأخرى، فصنَّفتْها في دائرة الوثنية والكفر، ورأت أن ما تحويه من تعاليم زائفة وخرافات وسحر يقع كله في دائرة الباطل الذي لا مناص من محاربته ومطاردته.
وقد أثار هذا الموقف قضيةً سجالية حول مسألة القبول بالتعددية والتسامح. إذ رأى بعض النقاد أن موقف التوحيدية المعادي للأديان والآلهة الأخرى يفتقد عنصر التسامح والقبول بالآخر، فيما تتَّسم تعددية الأديان والآلهة بالرحابة وقبول التنوع في الحياة الاجتماعية والسياسية. بل إن بعض النقاد ذهب إلى أن التمييز الموسوي أسَّس لمعاداة السامية من خلال إشاعته الكراهية وعدم التسامح والانعزال عن سائر الأديان الأولية. ينطبق هذا الأمر على اليهودية ونظريتها حول “الشعب المختار” والاصطفائية التي قالت بها، كما ينطبق أيضًا على المسيحية والإسلام اللذين قام توسعُهما وانتشارُهما على استخدام القوة ضد الخارج.
يعتبر أسمان أن التوحيدية شكَّلت ثورةً في المفاهيم والقيم العالمية. وتتركز أبرز إنجازاتها في اللاهوت السياسي القائم على مثلث الأخلاق/العدالة/الحرية. وتجد الأخلاق ترجمتها في التوحيدية التوراتية من خلال الوصايا العشر، كما يولي الإنجيل أهمية كبرى لقضية العدالة بالإشارة أنه لا يمكن خدمة الله بالقرابين والضحايا، بل بإقامة العدالة وعمل الخير: “أريد رحمة، لا ذبيحة” (المسيح). أما قضية الحرية، فتحتل موقعها من خلال “سفر الخروج”، حيث يمثل خروج بني إسرائيل من مصر صراعًا بين العبودية والحرية: فالخروج قد تم من دار العبودية، والدخول توجَّه إلى دار الحرية. أما الحلف الذي عقده موسى مع ربِّه في جبل سيناء فهو تتويج للتحرر من الخنوع الإنساني. ويشير النقاد إلى أن إنجازات التوحيدية في ميدان الحق والعدالة تكمن في رفعهما إلى السماء ووضعهما في مصاف الحقيقة الدينية.
تتميز التوحيدية بالدعوة إلى تحطيم الصور ومنع عبادتها: إذ لا يجوز تصوير الإله البتة؛ ذلك أن الصور تقيم ترابطًا بين الإنسان والآلهة. ولذلك ترفضها التوحيدية انطلاقًا من رفض مذهب تعدد الإلهة – حتى إن الفيلسوف الألماني كانط وجد في تحريم الصور أهم ما في اليهودية، فذهب إلى القول:
ربما لا يوجد مكان أسمى في تشريع اليهودية غير الوصية القائلة: “لا تصنع لك منحوتًا ولا صورة شيء ممَّا في السماء من فوق، ولا ممَّا في الأرض من أسفل، ولا ممَّا في المياه من تحت الأرض.”
كما رأى فرويد في كتابه موسى والتوحيد أن تحريم الصور في اليهودية أهم اختراق وتقدم نحو الروحانية. ويجدر القول بأن الإسلام سار على نهج اليهودية في موضوع تحريم تصوير الله والأنبياء وحتى الصحابة.
تركت التوحيدية أثرًا واسعًا في العالم. وإذا كانت نقطة انطلاقتها التمييزَ الموسوي الذي أرسى أسُس الديانة اليهودية، فإن انتشارها الأوسع جاء لاحقًا عبر المسيحية والإسلام. ولا تتشارك هذه الأديان فقط في مسألة الاعتقاد بإله واحد، إنما بالكثير من الطقوس والعادات والتقاليد التي انتقلت من جيل إلى جيل، مما يؤكد تواصُل هذه الديانات في جوهر المبادئ والدعوة.
تساعد الدراسات التاريخية في تقديم قراءة علمية وعقلانية للدين، إذ تعيد إبراز الجوهر الروحي فيه، وتُبعِدُه عن القراءات الفئوية والمذهبية للطوائف التي تسعى إلى الهيمنة على الدين متقدمةً بمنظار مصالحها وعصبيتها ورفضها للآخر. لذا تحتاج المكتبة العربية إلى حفر منهجي في الترسانة الدينية التي حَجَرَت المؤسساتُ الدينية عليها ومنعت تعريضها للتفكيك لتعيين ما هو أساسي وما هو ثانوي في الدين. |