كتاب الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديث لـ محمد حمزة
كتاب الحديث النبوي ومكانته في الفكر الإسلامي الحديثالمؤلف : محمد حمزة اللغة : العربية دار النشر : المركز الثقافي العربي سنة النشر : 2005 عدد الصفحات : 372 نوع الملف : مصور |
ومن ناحية ثانية فإنه لم يحفّ الخلاف في الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً بأحد النصوص التي قدسها الضمير الإسلامي مثلما حفّ بنصوص الحديث النبوي، ذلك أن الحديث كان ملتبساً بالتاريخ فقد رافقه الخلاف منذ أن خضع للتناقل الشفهي في عهد الصحابة والتابعين ثم نما هذا الخلاف مع استشراء ظاهرة الوضع وظهور ملابسات عديدة أدت إلى الزيادة في الحديث بالانتحال ومع بحث الفرق الدينية والمدارس الفقهية المختلفة عن سند نقلي لآرائها، ولئن عدّ الحديث النبوي نصاً تأسيسياً يلي القرآن منزلة وحجة فإن هذه المنزلة لم يكن متفقاً عليها في العصر الإسلامي الأول ذلك أن الحديث النبوي خضع لسيرورة تاريخية معقدة تشكلت في ثنايا هذه المنزلة كما أن التراث الإسلامي يضمّ في طياته مواقف نقدية كثير رفضت حدية الحديث وطعنت في أمانة نقلته وأهملت الحديث في التشريع مناوية بأن يكون في القرآن غنى عن أحاديث وسنن يصعب التعرف على مدى صدقها، ولم يبدأ تأسيس منزلة السنة إلا مع الشافعي (ت 204هـ) حين عمل على حسم الصراع الفكري والديني وركز الأصول الفقهية في أربعة هي الكتاب والسنة والإجماع والقياس فخوّل له هذا الترتيب تثبيت مشروعة السنة بوصفها نصاً ثانياً لا يقل من حيث حجيته عن النص الأول أي القرآن. لهذه الأسباب مجتمعة عمد الباحث إلى تقديم هذه الدراسة التي اهتمت بموضوع الحديث النبوي ومنزلته في الفكر الإسلامي المعاصر.
أما عن حدود هذه الدراسة والمنهج النقدي الذي توخاه الباحث فقد شملت مصادرة أهم ما ألّف عن الحديث وعن علومه طيلة هذا القرن دون الاعتناء بمنزلة الحديث النبوي لدى رواد عصر النهضة الذين سبقوا عبده إدراكاً منه أن الحديث النبوي وبقية العلوم الإسلامية كانت مهملة ولم تتجاوز العناية بها جانب الحفظ والتكرار على النحو الذي سيبيّنه في ثنايا الدراسة، بالإضافة إلى أن أعلام النهضة من أمثال جمال الدين الأفغاني (ت 1879م) ورفاعة الطهطاوي (ت 1873م) اهتموا بمناخ إصلاحية أخرى غلب عليها الجانب الاجتماعي والسياسي. وقد قصر الباحث دراسته على رصد الفكر الإسلامي العربي دون غيره سعياً منه إلى تلمس التحولات الفكرية التي يعيشها العالم العربي، وكان البحث في الأساس متجهاً في بدايته إلى تحليل النتاج الفكري السني في مجال الحديث النبوي، إلا أن الباحث انتهى إلى استحالة الفصل بين الفكر السني والشيعي للتقاطع بينها في مجال النظرة إلى صحابة النبي وإلى مجاميع الحديث التي يعتمدها كل طرف منها، بالإضافة إلى تأثر بعض المفكرين المحدثين بمصادر شيعية قديمة ومعاصرة على حدّ سواء.
وانصبّ اهتمام الباحث على استجلاء منزلة الحديث النبوي في الفكر الإسلامي المعاصر، فلم يقتصر على الدراسات المهتمة بالقضايا المعرفية التي تثيرها علوم الحديث فحسب، بل هو بحث في كتابات وفي دراسات شتى عن موقع الحديث النبوي في العقل الإسلامي المعاصر وفي لا وعي هذا العقل، وعن مكامن “السلطة” التي يمثلها الحديث النبوي في بنية الفكر الديني.
وقد اقتضى هذا العمل من الباحث توخي منهج تحليلي لتفكيك الآراء الواردة في المؤلفات التي اهتمّ أصحابها بالحديث، ولفهم مقاصد المفكرين الذين اعتنى الباحث بآثارهم، باحثاً عن الفويرقات الصغيرة التي تميز موقفاً عن آخر وساعياً إلى الحفر في ركامات الشواهد النقلية التي قد تحجب مواقف المؤلفين الشخصية، وتطلب منه هذا المنهج أيضاً تجاوز القصور الذي لاحظه في بعض الآراء بالاستنجاد بدراسات مختلفة لاستكشاف المنطق الداخلي الذي بقي يحكم علم الحديث بصفة خاصة والعلوم الإسلامية بصفة أعمّ.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة في أصلها أطروحة قدمها الباحث بكلية الآداب بمنّوبة، جامعة تونس للحصول على دكتوراه الحلقة الثالثة.