| |

كتاب الحق العربي في الاختلاف الفلسفي لـ د.طه عبد الرحمن

حول الكتاب
إنه من المعلوم أنه ليس في شِعَبِ المعرفة الإنسانية واحدة اختلف فيها أصحابها اختلاف الفلاسفة في شعبتهم؛ فما أن يدّعي أحدهم دعوى حتى يقوم إليه من يعترض وعليها، وما أن يسلك في فكره طريقاً حتى يبرز من يعارضه بطريق غيرها، وما أن يقيم بناء نظريته على قواعد معينة، حتى يأتي من بعده من يتولى هدم هذا البناء من أساسه، وما زالت الدعاوي المتعارضة والمسالك المتضاربة والنظريات المتنازعة تستبد بالممارسة الفلسفية كلها، حتى عدّ بعضهم هذا الاختلاف بين المشتغلين بالفلسفة مثلبة في باب المعرفة لا تعد لها مثلبة، استهزأ منها البعض أو استنكرها البعض الآخر، فإذا جاز أن يقدم الاختلاف الشديد بين الفلاسفة المتعاطين للنموذج الفلسفي الغربي، فلم لا يجوز أن يبلغ هذا الاختلاف الفلسفي الغاية في الاشتداد، حتى أنه لا ينفع معه إلا قطع الصلة بهذا النموذج والدخول في إنشاء نموذج فلسفي يضاهيه! ولعل هذا هو وضع المتفلسف العربي الذي يرى أن ثقافته القومية تكتسب من الصفات الإيجابية الخاصة ما يستوجب أن تتميز فلسفتها عن فلسفة الغير تميُّز ثقافته عن ثقافة هذا الغير، والذي يعلم على وجه القطع أيضاً أن القدرة على الإبداع الفلسفي لا يمكن أن ترد على الثقافة القومية من خارجها، وإنما لا بد من أن تنبعث من داخلها.
وبناءً على ذلك فإنه لا بد من الاجتهاد في إنشاء فلسفة خاصة بنا نحن العرب تختلف عن فلسفة أولئك الذين يسعون بشتى الدعاوى إلى أن يحولوا بيننا وبين ممارستنا لحريتنا الفكرية؛ ولا ريب أن أقرب الطرق التي توصل إلى إبداع هذه الفلسفة هو النظر في هذه الدعاوى التي يأتي في مطلعها القول بأن الفلسفة معرفة عقلية تشمل الجميع، أفراداً كانوا أو أقواماً؛ أي أن الفلسفة معرفة ونية. وهذه المقولة تغيب أو تلغي حقيقة وهي تتمحور في حقل كل قوم في الاختلاف الفلسفي-بدءاً منا نحن العرب الذين نعترف بهذا الحق لغيرنا، مما جعلنا نؤمن بحاجة الأقوام جميعاً إلى دخولها في علاقات حوارية بعضها مع بعض، فالاختلاف يوجب الحوار، والحوار إنما هو تواصل السؤال، فيكون، مثله، هو الخاصية الأولى للفلسفة، وعلى هذا، فالحوارية بين الفلسفات القومية المختلفة لا تقل دلالة على التفلسف من الحوارية داخل الفلسفة القومية الواحدة.

من هذا المنطلق تأتي دراسة الباحث حول الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، وقد أفرد الفصل الأول من الكتاب لبيان حقيقة هذا الاتصال بين الحوار والاختلاف، على اعتبار أن هذا الاتصال هو الشرط الذي بوجوده توجد للعرب المشروعية في فتح باب الحوار بصدد حقهم في الاختلاف الفلسفي، وتولّت الفصول الباقية التأسيس لهذا الاختلاف والتمثيل عليه والاستنباط منه، فأقام الباحث في الفصل الثاني الدليل على أن الفلسفة تأخذ بأسباب قومية صريحة كما اجتهد في وضع مفهوم جديد للقومية، وكذا استخرج خطط خطابية ثلاث تنفع في حفظ خصوصية الفلسفة العربية كما تدفع عنها آفات “التفريق = هيمنة الفلسفة اليونانية على الفكر العربي القديم” و”التخريب” و”التهديد”، وهي: “المقاومة” و”التقويم” و”الإقامة”، فخصص الباحث الفصلين الثالث والرابع، لتطبيق خطة التقويم على سوء الترجمة الذي ساد في النقول العربية للفلسفة، كما خصص الفصل السادس والأخير لخطة الإقامة، وهي تتولى الارتقاء بالمعاني الطبيعية إلى رتبة المفاهيم الفلسفية؛ ولإبراز عمل هذه الخطة على أبلغ وجه حاول الباحث تطبيقها على أكثر المعاني تغلغلاً في تداولنا العربي الراهن، ألا وهو معنى “الانتفاضة” أما الخاتمة التي توَّجت هذه الفصول فقد اختصت بالرد المفصّل على شبهة شنيعة يجوز أن ترد على الدعوة إلى بناء فضاء فلسفي قومي؛ وهي أن هذه الدعوة تفضي إلى إنكار المقوّمات الإسلامية لهذا الفضاء.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *