| | |

كتاب الخادم الأخرس و التشكيلة أو عرض الأزياء – مسرحية لـ هارولد بينتر

books4arab 1542988

كتاب الخادم الأخرس و التشكيلة أو عرض الأزياء – مسرحية


المؤلف                    : هارولد بينتر

اللغة                       : العربية

دار النشر                : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب

سنة النشر             : 1970

عدد الصفحات        : 193

نوع الملف              : مصور

وصف الكتاب
في خمسينيات القرن الماضي، كانت إنكلترا قد استيقظت من صدمة حضارية، تجسّدت بخروجها من الحرب العالمية الثانية، دون أن تعي كلياً أهمية العالم وتغيراته الثقافية التي نشأت بعد الحرب، بالرغم من انتصاراتها السياسية كمنظومة دولة. كانت ما تزال ترى بنفسها تلك الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، لكن واقع الأمر كان شيئاً مختلفاً. لقد عاشت انكلترا مرحلة ما بعد الحرب بنوع من التوهم والتعيّش على أنقاض التاريخ وروعته وقوته، لكن ظهرت في تلك الفترة فئة شبابية بدأت تدرك بالإحساس العميق مأساة انكلترا وترديها، فالثقافة المتعيّشة على شعرية شكسبير وتراجيديات مارلو وسخرية بن جونسون، لم تعد تواكب التحولات الضخمة في العالم، والكبرياء الإنكليزي بتاريخيته لم يعد قادراً على الاستمرار في النمط القديم، وما ساهم بتضخيم ذلك الأمر، هو نشوء عباقرة تحيط بإنكلترا وتصاعد حركات الفلاسفة والمفكرين والأدباء الثائرين ضد سقوط الإنسان. فمن مرحلة البحث عن المعنى البشري لأدباء الوجودية إلى عبثة بيكيت بعد الحرب إلى حيونة الإنسان عند بونسكو إلى السعي للتحرر لدى بريخت إلى قسوة الواقع عند ويليامز إلى امتهان الإنسان لدى ميلر، كانت أوروبا وأمريكا (بأدبائها وشعرائها ومسرحيها) القارتان الخارجتان من عمق معنى تهميشي تعانيان فعلياً من صعوبة بالغة في الاستمرار كنمط قديم، فكان الوعي الثقافي في بعض البلدان ماعدا إنكلترا، يتصاعد بسرعة خيالية ليأتي معبّراً عن الرفض القطعي لكل ما حملته الحرب للإنسان. لقد كانت تجربة العالم الغربي ثقافياً وبالأخص المسرح، تُنذر بعودة مسرحية لنمط ما بعد حداثي، مُسقطة فيه كل تجليات العمل المسرحي التقليدي، وانهيار لمفهوم السينما الوليد. كانت إنكلترا في تلك المرحلة تراقب بدهشة غامضة الأعمال الأكثر إبداعية وتحدياً فيما بينها، كانت تشاهد الصراعات النصوصية والأسلوبية لمفاهيم العمل المسرحي لدى الكتّاب الذين امتلكوا حظوة التدخل المنهجي في عمل المخرج، إنها مرحلة سيطرة النص بكل معنى الكلمة. تلك المراقبة الثقافية الإنكليزية لتفاقم صراعات الوعي في الأنماط الجديدة، كما جرت بين بريخت ويونسكو وخلافات التعبير عن المنهج الواحد بين سارتر وكامو ومنهجية التضاد بين أونيل وويليامز، كانت جميعها تنصب بهدوء في الدائرة الإنكليزية المتابعة للتطور الثقافي لأوروبا وأمريكا، دون معرفة منهجية للخلاص من نير الكلاسيك التاريخي لشكسبير ومارلو، فأتت محاولات خجولة وتجريبية كان من روادها “برنارد كوبس، جون آردن، أرنولد ويسكر، جون أوزيورن” وغيرهم آخرون، الذين ارتبطت أسمائهم بمسرح الرويال كورت، بمن فيهم هارولد بنتر. لكن بنتر كان الوحيد الذي فكر بطريقة مختلفة نسبياً لإنقاذ التاريخ المسرحي الإنكليزي، فأتت أعماله خلال أربعين عاماً لاحقة لتتوج إنكلترا مرة جديدة كثقافة مسرحية أسست لاستمرار ذلك الفن رغم التطور الهائل الذي تعرض له العالم فيما بعد وبالأخص مراحل تصاعد السينما والتلفزيون. في النص الذي كتبه بنتر وصدر عام 1961 “الخادم الأخرس The Dumb Waiter” رغم أسلوبيته التجديدية، فهو لا يخلو أبداً من التأثر العميق بأعمال غيره من الكتاب وبالأخص صاموئيل بيكيت، وإن كانت الحبكة الدرامية مختلفة كلياً، لكننا نرى في النص ذلك التوجس المخيف من علاقة الإنسان مع العالم الخارجي، والريبية إزاء كل فعل يقوم به، مع أنسنة للحوار والشخوص أكثر من عمل بيكيت “في انتظار غودو”. لقد ربط بنتر شخوصه وحواراتهم بعملية فعل ممارس نشاهده أثناء العرض، وهو فعل إنجازي يحمل تناقضات الشخوص في حبكتهم الدرامية، إنهم على علاقة مع كل شيء، يؤثرون ويتأثرون بطريقة بشرية وإن أتت في بعض أجزائها كوميدية، إنهم أكثر عقلانية في الخوف والبحث عن المعنى من شخصيات “في انتظار غودو” الذي جسدهم بيكيت في شخصيتي “استراغون وفلاديمير”، الذين قُدِّموا كشخصيات دراماتيكية وراديكالية في عملية بحثهم عن المعنى، لقد أخذوا معنى الوجود إلى أقصى حد ممكن، وأصبح من المستحيل إعادته مرة أخرى. لكن بنتر كان حذراً في تلك المسألة، وهنا تكمن فرادته رغم محاولته الاستقاء من بيكيت. فشخصياته “بن Ben و غس Gus” اللذان ينتظران أوامر ويلسون عن طريق الهاتف، ويمضيان الوقت في التشكيك والريبية الذاتية إزاء العالم، يتعاملان مع المحيط المادي بصورة واقعية ومتسائلة عن الهدف لانتظارهما دون تكرار للتساؤل كما نجده عن بيكيت. تلك الحالة أفردت للشخصيتين مساحة مستقلة للتفكير الحر، رغم البنية الدرامية الخاصة لكل منهما والتي استقاها بنتر من شخصيات بيكيت، فـ Gus أكثر هزلية وعفوية من Ben، و Ben أكثر انتباه وذكاء من Gus. تلك الثنائية التي اُفترضت في أغلب الأعمال بعد الحرب، ونشاهدها لدى كثيرين ما عدا بريخت، لم يستطع بنتر النجاة منها، إنها بمثابة ركيزة معرفية ضرورية للتعبير عن التشاؤم والاختلاف البشري في ذلك الوقت. لم يقتصر تأثر بنتر في عمله ببيكيت فقط، بل نشاهد في القسم الآخر من العرض، أثناء اكتشاف المصعد، وعلاقة الشخصيتين معه، نلاحظ تلك التراجيدية الاكتشافية مع توجسها من ذلك الجزء من الجدار، إنها العلاقة الأقرب للتراجيدية الأمريكية القاسية التي عمل عليها ويليامز وميلر في بلدان ما خلف البحار، في نصوصهما، لحظة الاكتشاف الجديد هي لحظة انهيار الإنسان ودخوله في دوامة من القسوة الحياتية التي لن يستطيع إليها حلاً، وهذا بالضبط ما نقرأه في عمل بنتر، داخل القسم الثاني من الخادم الأخرس. إنها مرحلة انتقال من العبث الحياتي والتفكير دون جدوى، والآلية التي يقومان بها في عملهما دون تساؤل مطوّل والانتظار لمخابرة ويلسون، تصبح بعد اكتشاف المصعد، مرحلة إنجاز وتحقيق رغبة العالم الخارجي دون فهم لما يقومان بذلك، رغم أنه ليس عملهما. إن ذلك الجمع بين مشابهات بيكيتية وويليامزية، خلق لدى بنتر النص المميز في مرحلة صعوده المسرحي. اللغة البسيطة والحدث الغامض والخوف من الخارج والتشكيك بالذات والواقع المجهول، إنها بالضبط ما كانت تحتاج إليه الثقافة الإنكليزية في ذلك العهد. بالعودة إلى الخادم الأخرس، نلاحظ تمحور شخصية Ben القلقة في ارتباطه بالجريدة التي هي منفذه الوحيد للتواصل مع الخارجي، معرفته بكل ما يجري، على الرغم أنها معرفة سطحية تتجسد في الجانب المأساوي الغبي للإنسان. إنها حوادث الموت بطرق غريبة وعنيفة، فالرجل السبعيني الذي يمر تحت سيارة ويموت ثم الفتاة ذات الثمانية أعوام التي تقتل القطة، هي محور المعرفة لـ Ben قبل أن يصبح انشغاله التدريجي بتفسير وقائع اللحظة التي يعيشها مع صديقه Gus. بينما تتمحور شخصية Gus العفوية حول الرغبة البشرية اليومية بالتعامل مع الأشياء، إنه لحوح اتجاه الشاي والبسكويت، وتصبح شخصيته أكثر قلقاً لعدم توفر الغاز ورائحة سريره الكريهة، إنه ينتظر دائماً التفسير العقلاني من Ben. على هذا المستوى تتصاعد الشخصيتين في بُعدهما البيكيتي لينتقلا إلى المستوى الويليامزي ويصبحا شبه عبيد اتجاه المصعد حيث يحاولان تنفيذ الأمور التي تأتي بأوراق لتحضير الطعام دون فهم واضح لطبيعة العالم الخارجي الذي يتواصل معهما، لكن يدلل بينتر إلى أن المصعد يرتبط بمطعم في الأسفل دون معرفة المطعم ما يجري في الغرفة العلوية أو من هم الأشخاص الماكثين فيها أو ما هي مهمتهم. ما أراده بنتر هو تقديم شخصيتيه على هذا المستوى فقط من الارتباك بالعلاقة الخارجية دون تفسير واضح أو حلول، وفي لحظة شعورهما باليأس ووصل المخابرة من ويلسون بتلقي التعليمات التي تُكشف بأن Ben و Gus ليسا سوى قاتلين مأجورين يقومان بعملهما دون أي تفكير، وهو ما يُعيدنا تدريجياً إلى لحظة البداية عند قراءة Ben للجريدة وبحثه عن الحوادث واندهاش Gus ببُعد ساخر، وهي علاقتها بفكرة الموت من حوادث عفوية دون شعورهما من قذارة ممارستهما القتل، ذلك التناقض البشري في المبدأ كان العملية الفاصلة في استقلالية نص بنتر عن مشابهاته البيكيتية والويليامزية، وهو ما حدد فعلياً أحد الخطوط الرئيسية لمسرح بنتر والمسرح الإنكليزي فيما بعد. ورغم مرور ستين عاماً على ظهور النص لأول مرة، يبقى الخادم الأخرس حاضراً وبقوة ليس على مستوى الفكر المختلف الذي صنعه بنتر برؤية العالم والإنسان كحالة قلقة، بل أيضاً بالإبداع التجديدي لفن المسرح العالمي.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *