كتاب العنقاء أو تاريخ حسن مفتاح لـ الدكتور لويس عوض
كتاب العنقاء أو تاريخ حسن مفتاح اللغة : العربية دار النشر : مكتبة مدبولي سنة النشر : 1987 عدد الصفحات : 443 نوع الملف : مصور |
حول الكتاب
لم أقصد أن أندد بالشيوعية ولا أن أنوه بانحلال الشيوعية وإنما كنت أحاول أن أرسم نماذج بشرية على الطبيعة. فحسن مفتاح وزملاؤه كان لهم وجود حقيقي، وقد عرفتهم واحدًا واحدًا، وربما وضعت رأس هذا على جسد ذاك أو قلب هذا مع عقل ذاك، ولكن الخامة التي استخدمتها كان لها وجود حقيقي، أعدت صياغتها في الحدود المباحة للفنان وبالأدوات المتيسرة له. كذلك لم أقصد أن أزين الشيوعية ولا أن أمجد الشيوعيين.
وإنما نظرت إليها لا كفكرة شريفة الغاية ونظرت إليهم لا كبشر شرفاء ولكن كبشر شرفاء الغايات، فأنا لست ممن يصمون كل مخالف في الرأي أو العقيدة أو المنهج بأنه خائن. ولو كنت أكتب عن حسن البنا بدلًا من حسن مفتاح لما تغيرت نظرتي إلى الأشياء. إنما المأساة الإنسانية عندي في الوسائل قبل أن تكون في الغايات. فكلنا يؤمن بالحرية وبالمساواة وبالإخاء وبالتقدم وبالسلام وبالعدالة إلخ… وكلنا يقتل في سبيل هذه الغايات. وما دمت أكتب عن “مأساة” الإنسان فأوليات الفن تقتضي بأن أجعل ارتفاعه وسقوطه يدعو إلى الأسى، والأسى مستحيل بغير تعاطف، والتعاطف مستحيل في عالم من الأنذال.
هذا هو الإحساس الدرامي الذي يجعلنا نرقى لمصرع سفاح مثل ماكبث ومجنون مثل عطيل وأحمق مثل الملك ليرو فاجر مثل أنطونيوس وبغي مثل كليوبترا وخائن مثل كريو لاتوس وسفيه مثل تيمون الاوثيني وضعيف مثل ريتشارد الثاني بل ولص مثل روسكو لينكوف أو جان فالجان ومومس مثل غادة الكاميليا وجبار صواني الفؤاد مثل هيتكلف. نحن في الفن لا ندين الإنسان ولكن ناسي لسقوط لأن فينا من البطل الخاطئ شيئًا كبيرًا..
وكل ما قاله أرسطو عن أخلاقية الفن لا يخرج عن هذا المعنى: كلنا بطل شامخ مثل حسن مفتاح بالفعل بالقوة وكلنا تنهشه الزبانية بعد السقوط ومن خلال القصاص يتم التطهير. هذه هي الدورة الأبدية في مأساة الإنسان البطل: الجريمة ثم العقاب ثم الغفران. نعم لا بد للجريمة من العقاب. وإلا لاختل ميزان العدالة الذي يحفظ الكون من الفساد، في الأرض وفي السماء. نعم لا بد من الغفران. وإلا لكان العقاب آلة جهنمية تحكم الكون بالنطع والسيف إلى أبد الآبدين باسم العدالة العمياء. مهما رفع القدر أو فساد المادة مسئولية السقوط عن الأحياء فلا بد من العقاب. ومهما وضعت الحرية أو الاختيار مسئولية السقوط على كاهل الأحياء فلا بد من الغفران بعد العقاب. هذه مأساة الإنسان البطل: إنه يحيا بالاختيار الأصغر داخل إطار من الجبر الأكبر. أما الإنسان الوغد فليست له مأساة.
وإنما نظرت إليها لا كفكرة شريفة الغاية ونظرت إليهم لا كبشر شرفاء ولكن كبشر شرفاء الغايات، فأنا لست ممن يصمون كل مخالف في الرأي أو العقيدة أو المنهج بأنه خائن. ولو كنت أكتب عن حسن البنا بدلًا من حسن مفتاح لما تغيرت نظرتي إلى الأشياء. إنما المأساة الإنسانية عندي في الوسائل قبل أن تكون في الغايات. فكلنا يؤمن بالحرية وبالمساواة وبالإخاء وبالتقدم وبالسلام وبالعدالة إلخ… وكلنا يقتل في سبيل هذه الغايات. وما دمت أكتب عن “مأساة” الإنسان فأوليات الفن تقتضي بأن أجعل ارتفاعه وسقوطه يدعو إلى الأسى، والأسى مستحيل بغير تعاطف، والتعاطف مستحيل في عالم من الأنذال.
هذا هو الإحساس الدرامي الذي يجعلنا نرقى لمصرع سفاح مثل ماكبث ومجنون مثل عطيل وأحمق مثل الملك ليرو فاجر مثل أنطونيوس وبغي مثل كليوبترا وخائن مثل كريو لاتوس وسفيه مثل تيمون الاوثيني وضعيف مثل ريتشارد الثاني بل ولص مثل روسكو لينكوف أو جان فالجان ومومس مثل غادة الكاميليا وجبار صواني الفؤاد مثل هيتكلف. نحن في الفن لا ندين الإنسان ولكن ناسي لسقوط لأن فينا من البطل الخاطئ شيئًا كبيرًا..
وكل ما قاله أرسطو عن أخلاقية الفن لا يخرج عن هذا المعنى: كلنا بطل شامخ مثل حسن مفتاح بالفعل بالقوة وكلنا تنهشه الزبانية بعد السقوط ومن خلال القصاص يتم التطهير. هذه هي الدورة الأبدية في مأساة الإنسان البطل: الجريمة ثم العقاب ثم الغفران. نعم لا بد للجريمة من العقاب. وإلا لاختل ميزان العدالة الذي يحفظ الكون من الفساد، في الأرض وفي السماء. نعم لا بد من الغفران. وإلا لكان العقاب آلة جهنمية تحكم الكون بالنطع والسيف إلى أبد الآبدين باسم العدالة العمياء. مهما رفع القدر أو فساد المادة مسئولية السقوط عن الأحياء فلا بد من العقاب. ومهما وضعت الحرية أو الاختيار مسئولية السقوط على كاهل الأحياء فلا بد من الغفران بعد العقاب. هذه مأساة الإنسان البطل: إنه يحيا بالاختيار الأصغر داخل إطار من الجبر الأكبر. أما الإنسان الوغد فليست له مأساة.