|

كتاب الفراشات والغيلان – رواية لـ عزالدين جلاوجي

 
24cda 1812
كتاب الفراشات والغيلان – رواية

عنوان الكتاب:  الفراشات والغيلان – رواية

 

المؤلف: عزالدين جلاوجي 


المترجم / المحقق: غير موجود


الناشر: دار المنتهى 


الطبعة: الرابعة 2015 م


عدد الصفحات: 81


حجم الكتاب : 0.9 ميغا

حول الكتاب

الفراشات والغيلان أول رواية كتبها المبدع الجزائري ” عزالدين جلاوجي ” ذي اللغة الروائية الرمزية، التي كل دال من دوالها يتحول إلى رمز منتج لدلالات تجذب المتلقي، وتأسره، وتزيد النص عمقا، وثراء، فتصير بذلك الرواية ليست نشرة أخبار مناسباتية، مؤقتة، وإنما إبداع خلاق، يعيد تأسيس العالم من جديد، بواسطة لغة خلاقة، لا تتكلم بلغة العبارة الشفافة، وإنما تتحدث بلغة الرمز، والإشارة التي تبعث في النفس لذة جمالية، وتثير في دواخلها أسباب الإبداع، وتكسر تلك القشرة السميكة التي تغشى عيون قلبها، لتندفع نحو إعادة كتابة النص كتابة ثانية، أ خراة، تقول مالم يقله النص، وتكشف مالم يكشفه، وتكمل الناص في رسم العالم الجديد، الروحاني، وتأسيسه على أرض الورق الطاهر .
مايميز الرواية – كما قلنا سابقا – براعة صاحبها في توظيفه تقنية الوصف، بمعنى أن الوصف في الرواية ليس مجرد نقل لأخبار فقط، بطريقة اعتباطية، تصير الوصف منفصلا عن العمل الروائي ككل، بل إن هذه الرواية بمثابة جسد حي، ينبض حياة دلالية، قد أجاد هذا المهندس الروائي في هندستها، وتشكيلها تشكيلا لغويا، يصير النص ورشة لإنتاج الدلالات، وجذب المتلقي، وإثارة تساؤلاته، وأسره داخل المتن الروائي الذي كلما يقرؤه يزداد عشقا، وهياما به، فيقرؤه عدة مرات، إشباعا للذة السؤال الحارق، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أن الرواية بناء جمالي، منتج للدلالة، وليست مجرد رصف للكلمات، ونقل للأخبار. 
الطفل ثيمة تشكل أساس النص، فالطفل هو السارد، المعبر عن معاناة أهل كوسوفا، والغريب في هذه الرواية أن الروائي يصور لنا الطفل وهو يخوض في مسائل الكبار، بالرغم من صغر سنه الذي لا يتجاوز ثلاث عشرة سنة، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على شدة معاناة هؤلاء الأطفال الذين حرمهم جنود الصرب المتوحشون من حقهم في اللعب، والدراسة، والتحليق بعيدا كالفراشات في سماء أحلام الطفولة، أليس هم من داسوا بأرجلهم البغيلة على لعبته في بداية العمل الروائي فداسوا بذلك على أحلام الطفولة، باعتبار أن اللعبة تمثل شخصا عزيزا على الطفل الذي يحولها شخصا ناطقا بقلبه البرىء، النابض حبا، وسلاما، وابداعا فطريا، وجمالا لاضفاف له، …
تبدأ الرواية بمطاردة هذا الطفل، وهو يحمل لعبته هاربا،خوفا على لعبته، أكثر من خوفه على نفسه، إنه بمعنى آخر خائف على طفولته ، وأحلامه الوردية من تدنيس جنود السرب، فاللعبة – عنده – ليست مجرد شيء جامد، إنها تنبض بكل دلالات الأحلام الطفولية، الجامحة، الراغبة دوما في البقاء، والاستمرار، والعيش في عالم كله هناء، وسلام ، …
تدخله أمه إلى المنزل بسرعة، ولكنه يريد الرجوع للوراء، إنقاذا للعبته، عائلته مقتولة أمامه، ولكنه يبقى يفكر في لعبته، إنه في كل وقت تطرق باب ذهنه تساؤلات حول مصير لعبته التي صيرها الروائي رمزا معبرا عن وحشية جنود الصرب التي تعجز اللغة العادية عن وصفها، ذلك أن تحطيم اللعبة هو تحطيم للطفل في حد ذاته، وذبح لأحلامه الوردية التي تشكل سر وجوده المبدع، الخلاق، وتشكيل لأطفال غير أسوياء … باعتبار أن الأطفال هم سنابل الأمل، ومشجب الأمنيات، … ولكن الروائي يصدمنا، ويكسر أفق توقعاتنا، ويغير بوصلة تفكيرنا، فيجعل صروف الدهر، وأهوالها لا تزيد هؤلاء الأطفال إلا صلابة، وقوة، والدليل على ذلك أن الطفل الذي يشكل محور الرواية لايقف من الأحداث موقع المتفرج، السلبي، وإنما يقف منها موقف المحلل، والمناقش، والمؤول تأويلا عميقا، ينزاح عن مظاهرها السطحية، موغلا في أغوارها، شأنه في ذلك شأن صديق دربه، ومدرسته عثمان، فهما الأمل في حد ذاته، بل هما الحلم المجسد، بل هما المستقبل المشرق، الواعد، فإن قتل جنود الصرب أهل كوسوفا، وغطوهم بالتراب، حجبا لجرائمهم، فإن هؤلاء القتلى في سقيهم لتراب أرضهم الطيبة بدمائهم الطاهرة يشكلون جذورا في الأعماق، أو بذورا ستتبت يوما وتزهر اطفالا صغارا في السن، ولكن قلوبهم كالرجال، وتفكيرهم أعمق كتفكير الكبار، فلا دمعة دائمة على الوجه مادامت الابتسامة ستشرق يوما معلنة انتصارها على غمام الشجون.
هكذا هي الرواية تمارسها تأثيرها على النفس بلغتها الجميلة، تشكل بلسما لكل قلب مكلوم، تزرع في النفس بذور التفاؤل، فتزهر محبة وسلاما على روابي قلب قد صيره القحط يوما أطلالا للأحزان والذكريات المؤلمة، وكل رواية لا تقلب بمشرط حروفها جراح القلب لينبت الزهر، أو تنحت من الصخر بيوتا عامرة راحة وسلاما، ليست برواية، ورواية الفراشات والغيلان قد راحت ترسم لنا معالم فلسفة التفاؤل، بكل دوالها الرامزة، فلم الأسى وجل الرموز الطبيعية مدرسة تعلمنا فن التفاؤل، أليست السماء الباكية مطرا تعبر عن مساندة الرب لقضيتهم العادلة ؟ أليس مساندة الرب دليل على أن هذه المعاناة مجرد امتحان يتلوه فلاح ؟ وهل الصرب بقوتهم العاتية يفوقون قوة الرب التي ليس لها مثيل ؟ أليست قبة المسجد الصامدة رغم الدمار الذي الحقه الصرب بالقرية، وهي مشرعة يديها، متضرعة لرب السماء، دليل على نصرة الرب، وثبات قلب الكوسوفي على قيمه ومبادئه ودينه، وهل الشعب الثابت على قيمه يهزم ؟ أليست قمم الجبال، وهي تحضن القرية تعبر عن نفس الكوسوفي الجامحة، المكابرة، التواقة لحياة المعالي ؟ أليست عمائم الثلوج التي تلوث قمم الجبال تعبر عن حياة السلام التي تنتظر قلوب الكوسوفييز الطاهرة النقية التاصعة بعد تضحيات جسام ؟ أليس حضن الخالة هو وطن قائم بذاته فيه يشعر الطفل بأن ليس هناك أحد مثله في هذا النعيم ؟ أليست ابتسامة الشيخ وحروفه العبقة تفاؤلا وحبا وسلاما ودفءا تختزل الوطن ؟ أليست ترحيبات الإخوان العرب بالكوسوفيين المهاجرين تشكل وزرا وكنفا ووطنا ؟ هو الوطن جذوره في أرض هي مهدنا ولحدنا، وزهوره يانعة مزهرة في حضن خالة وابتسامة شيخ وحلم طفل وموالاة أخ … فبالمحبة نبني عالما مثاليا جميلا نشعر فيه بدفء الأمان بعد أن افتقدناه في وطننا الحقيقي بسبب أعداء الإنسانية الذين دقق الروائي في نعتهم بالغيلان نعتا مركزا يختزل كل معاني الوحشية والهمجية … ولكنه في العنوان قد قدم الفراشات على الغيلان لأن الشر مهما طغى فإنه سيزول يوما ويفنى بقوة الخير الخالد، ولكن الغريب في العنوان أنه جمع بين شيئين متضادين بواسطة حرف العطف ” الواو ” بين الفراشات والغيلان في العنوان كما يرى الأكاديمي حسين فيلالي – رحمه الله – في دراسته للرواية الموسومة بخطاب الفعل / فعل المحو، المنشورة بكتاب ”
سلطان النص ”، وهو جمع في رأينا يعبر عن فلسفة الروائي في هذه الحياة التي يلخصها لنا في ثنائية ” دمعة وابتسامة ” تأثرا بجبران خليل جبران الذي جعلها عنوانا لأحد كتبه الأدبية .
 
 

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *