العلوم السياسية | 2006 | ابن رشد | الفكر | الفلسفة | الفلسفة القديمة والوسيطة والشرقية | عبد القادر عرفة | مركز الكتاب للنشر
كتاب المدينة والسياسة لـ د. عبد القادر عرفة
كتاب المدينة والسياسة : دراسة في ( الضروري في السياسة) لابن رشدالمؤلف : عبد القادر عرفة اللغة : العربية دار النشر : مركز الكتاب للنشر سنة النشر : 2006 عدد الصفحات : 370 نوع الملف : مصور |
وصف الكتاب
قبل أن نُمهد للموضوع يجدر بنا أن نوضح نقطة منهجية ، فالمدخل النظري الذي يعقب التمهيد مباشرة يُعتبر هو مفتاح الدراسة . وعلى هذا الأساس سيكون التمهيد مجرد مولج و توطئة سريعة للموضوع.
لقد كان التفكير السّياسي على مر تاريخه يحتل الصدارة ، نتيجة علاقته بحياة الأفراد والجماعات ، وارتباطه من جهة أخرى بالسلطة وأنظمة الحكم . و لقد اتسّم التفكير في كثير من الأحيان بالنزوع اليوتوبي ، فتشكلت عبر الأزمنة المعرفية كثير من نماذج المدن الفاضلة، كانت أشهرها جمهورية أفلاطون .
1 – إشكاليات البحث
لقد حافظت جمهورية أفلاطون على خصوصياتها الفكرية ، وأضحت موضوعا للبحث والدراسة في كل عصر ، ومن هذه الخاصية جاء شرح ابن رشد لكتاب السّياسة لأفلاطون. ونحن إذ اخترناه كموضوع للدراسة نريد منه إثارة الإشكاليات التالية : هل هو شرح وتلخيص فقط ؟؟ أم خطاب يحمل إبداعا وجدّة ؟؟ ولما اختار ابن رشد أفلاطون بالذّات ؟؟ وهلا فعلا كان ابن رشد يحمل مشروعا سياسيا ؟؟ وهل نكبته التَّاريخية نكبة سياسية؟؟
ومن جهة أخرى : هل الغزالي هو المقصود بالنّقد و التَّهجم أم ابن تومرت ومذهب الدولة الموحدية ؟؟ وهل استطاع ابن رشد أن يستفيد من الدّرس الباجوي وقبله الفارابي؟؟
وهل يمكن القول بكل موضوعية أن ابن رشد أبدع خطابا سياسيا بالرغم من كونه في مقام الشرح والتلخيص.؟؟
ولعل أهم إشكالية على الخصوص : ماذا يمكن أن نستفيد من ابن رشد ؟؟ وهل يمكن أن يكون ابن رشد مَعلم التنوير أم هو مجرد أغلوطة ووهم تحوّل بفعل النّكبة والغرب إلى أسطورة القرن؟؟..
إن الهدف من دراسة كتاب الضروري في السّياسة هو تحليل أفكار ابن رشد وتوضيح مواقفه في الكثير من قضايا عصره، ومعرفة كيف تعامل العقل السياسي الإسلامي مع السّياسة خارج الأحكام السلطانية. و لهذه العلّة بالذات ، توجب علينا أن نستعمل منهج التَّحليل النقدي ، وأن نعمد في كثير من الأحيان إلى منهج التحليل النفسي خاصة ما يتعلق باللاّشعور السِّياسي. كما استعملنا المنهج المقارن لمقارنة أفكار ابن رشد السياسية مع غيره من علماء عصره ، كالفارابي وابن باجة و ابن طفيل.
2 – هيكل البحث
وبناء على ما سبق فإن البحث توزّع من حيث هيكله العام على ما يلي:
1- مدخل نظري: يُعتبر مولج الدّراسة ، ودليل القارئ على أهم النقاط الرئيسة في مضمون البحث. تعرضنا فيه بالتّحليل والنقد لعلاقة كتاب الضروري في السياسة ببيئة ابن رشد. وكان الغرض من المدخل النظري تحليل تداعيات السؤال السّياسي وعلاقته بالمكان والزّمان . كما حاولنا تحليل محنة ابن رشد السِّياسية ، و تبيان الأبعاد والخلفيات الحقيقية التي تقبع خارج النّص التاريخي . ثم تحدثنا عن ظاهرة الترجمة العبرية للنصوص العربية ، محاولين تبيان أسبابها ونتائجها ، ثم تحليل ظاهرة الأقليات والإبداع في العالم الإسلامي.
إن المدخل النظري يعطي للسُّؤال السِّياسي عند ابن رشد وجوده وأبعاده ، وقدمنا ذلك من خلال أهم الافتراضات التي تنبلج من تداعيات السؤال السياسي.
الفصل الأول: خصصناه لشبكة المفاهيم المرتبطة بالموضوع ارتباطا مباشرا ، وحددنا ثلاثة مفاهيم رئيسة : 1-المدينة بوصفها مهد السِّياسة وموضعها الأول. 2- السياسة باعتبارها هي التي تعطي الخصوصية لمسائل تدبير الجماعة. 3- العلم المدني بوصفه هو الحقل الذي يحوي المفهومين السّابقين تحت إطار الحكمة العملية. والغرض من الدراسة الجينيالوجية للمفاهيم هو محاولة البحث عن مواطن التأصيل الإسلامي ، ورصد مجالات إبداع المفاهيم في تراثنا العربي.
2- الفصل الثاني: خُصِص لتحليل الخطاب الرشدي في مجال السّياسة المدنية .
في المبحث الأول تحدثنا عن ابن رشد ومحنة السؤال السياسي، بوصفه يمثل إحدى مظاهر قلق العبارة الرشدية في مجال القول السّياسي. أما المبحث الثاني يتعرض للمدينة الفاضلة عند ابن رشد من حيث طبيعتها ، وتطورها من منطق الاستحالة والامتناع إلى منطق الإمكان ، مع تحليل شروط الحاكم. أما المبحث الثالث فاختُص بتحليل ظاهرة اجتماع البيوتات في العالم الإسلامي ، والبحث عن الآليات التي توجهه نحو اجتماع العقل والحكمة العملية.
3- الفصل الثالث : بما أن الفصل الثالث يتطرق للمدينة الفاضلة من منظور الممكن، فإن الفصل الحالي يتطرق إلى النظرية التربوية ومضادات المدينة الفاضلة. وعليه كان المبحث الأول يتجه صوب تحليل مطلب التغيير السّياسي وإشكالية فهم المدن المضادة. والمبحث الثاني تطرقنا فيه للنظرية التربوية في المشروع الرشدي ، وجاء المبحث الثالث ليحلل البرنامج التربوي الرشدي من حيث المراحل و الكيّفيات.
4- الفصل الرابع: مضمون الضروي في السّياسة تفرد ببعض القضايا الرئيسة ، والتي حظيت أكثر من غيرها بالمناقشة والتّحليل ، كقضية المرأة والحرب. لذا كان المبحث الأول حول إشكالية المرأة في الخطاب الرشدي . أما المبحث الثاني تطرقنا فيه إلى رؤية ابن رشد ومجاوزته لأفلاطون وواقع عصره . والمبحث الثالث اتجه صوب تحليل إشكالية الحرب في الخطاب الرشدي.
الفصل الخامس : يدور حول ابن رشد الراهن والمستقبل ، و خُصص الفصل لدراسة قضيتين رئيستين ، الأولى حول علاقة المتن الرشدي بأرسطو من خلال جدلية الحضور والغياب . والثانية قضية استدعاء ابن رشد في راهننا، إن تحليل ظاهرة عودة ابن رشد في الفكر العربي المعاصر ، تستدعي معرفة خلفياتها أولا.( الوهم – ابن رشد الأسطورة – ابن رشد الأغلوطة – ابن رشد والتوظيف الإيديولوجي.)
3 – الدّراسات السابقة
ولم يطلع العرب على تلخيص أو جوامع السياسة لابن رشد إلا في حدود 1952 حين صدرت أول ترجمة له بالإنجليزية و الأخرى عام 1982 . إلا أن ابن رشد ظل مجهولا، ولم يبدد هذا الجهل سوى العمل الذي قام به على الخصوص أ. أحمد شحلان الذي ترجم النص الرشدي من العبرية سنة 1998، على عكس ترجمة حسن مجيد العبيدي وفاطمة كاظم الذّهبي. ولم يشهد الفكر العربي المعاصر دراسات حول نظريته ابن رشد السّياسية ، اللّهم إلا تلك المقالات التي صدرت على النّحو التالي:
1- 1962 : إرقن روزنتال / أراء ابن رشد السّياسية- مجلة البينة . ( المغرب)
2- ماجد فخري ( ابن رشد وأفلاطون ) مقال ذُكر في دائر المعارف للبستاني.
3 – 1972: عبد الرحمان بدوي / عرض باقتضاب المقالات الثلاث – التي قدم من خلالها ابن رشد جوامع السياسة لأفلاطون – في كتابه (Histoire de la philosophie en Islam) (مرجع مستعمل).
4- 1974: محمد عمارة ( مسلمون ثوار) قدم دراسة عن بعض الجوانب السياسية عند ابن رشد ( ص69/105).
5- 1978: قدم أ. عمار طالي مداخلة قيمة ، شرح فيها نظرية ابن رشد السياسية ، واعتبرها كثير من الدّارسين من بين أحسن المدخلات في الموضوع ( النظرية السّياسية لدى ابن رشد ) قُدمت في أعمال ملتقى ابن رشد بالجزائر سنة 1978.( م. مستعمل )
6-1988: علي زيعور ( الحكمة العملية أو الأخلاق والسِّياسة التعاملية ) تحدث عن الجانب السياسي عند ابن رشد ( ص 427-473).
7-1995/ 2000: الجابري ( المثقفون / مقدمة الضروري في السياسة / العقل الأخلاقي ) تحدث في كثير من المباحث عن شرح ابن رشد لكتاب السياسة لأفلاطون، وحاول جاهدا أن يعطى قراءات جديدة خاصة في مجال نكبة ابن رشد والمرأة. وتعتبر مقدمته التحليلية لكتاب الضروري في السياسة مرجعية هامة للباحثين. ( م. مستعملة )
8- 2000: منى أبو زيد ( المدينة الفاضلة عند ابن رشد ) قدمت عرضا لأهم ما جاء في كتاب تلخيص السياسة لابن رشد معتمدة على ترجمة حسن المجيد العبيدي. ( م. مستعمل)
9- أما على المستوى البحث الجامعي ، فقدمت مؤخرا رسالة حول (الفلسفة السياسية عند ابن رشد السياسية ) من طرف باحث يمني ( محمد جعفر بن الشيخ) غير منشورة .
لكن رغم ذلك بقي النّص الرشدي في مجال السّياسة يشكو نقصا ، وعلى حد تعبير أ.صالح مصباح : ” تشكو المسائل السياسية عند ابن رشد إهمالا شديدا لدى الباحثين في الرشديات،إذ لا تتجاوز الدراسات الهامة في هذا القسم من المتن الرشدي أصابع اليد الواحدة .” ([1])
إن هذا النقص هو الذي دفعنا إلى محاولة قراءة المتن السياسي الرشدي ، محاولين عدم إعادة تكرير ما كتب حتى في تلك الدراسات القليلة.
4 – آفاق الدراسة
كان أكبر حافز على اختيار ابن رشد مقولة استقالة العقل العربي للجابري ، التي دفعتنا إلى محاولة تفنيدها من خلال دراسة نص ظل مجهول لابن رشد زمنا طويلا .
فلقد تبيّن أن الحكم على التراث يُبنى في كثير من الأحيان على قراءات إيديولوجية، تحاول أن تتعامل معه كنص مهجور ، وذاكرة تراثية. لقد اقر الجابري كما سنرى لاحقا أن العقل العربي رفض استقالته مع الضروري في السّياسة لابن رشد. لكن ما الذي دعاه آخر الأمر أن يراجع أحكامه ؟؟
إن هذه الدراسة ليس الهدف منها ابن رشد في حد ذاته ، فهو أقرب ما يكون في واقعنا المعاصر إلى أغلوطة أو أسطورة ، لكن الغاية منه توضيح قدرة المفكر الإسلامي في العصور السابقة على النفاذ في متون نصوص الآخر. ومن ناحية ثانية فالغاية الأكيدة هي محاولة قراءة التراث بعيدا عن التراث ، نقصد استحضاره لكي نفكر من خلاله.
والغرض الثالث إجراء مقاربة بين ما كُتب في القديم وبين ما يكتب اليوم في مجال السياسية. ودراسة ابن رشد لا تعني دراسة نص مهجور فقد أبعاد زمنه الثلاثة ، بل قراءته جعلتنا ندرك أن الإشكالية الجوهرية في تاريخ الفكر السياسي المعاصر تكمن في السؤال التالي:هل يمكن اعتبار كل ممارسة للسلطة سياسة ؟؟
إن هذا السؤال يحيل مباشرة إلى القول أن كل ممارسة للسلطة ليست بالضرورة سياسة، ومنه لا يمكن اعتبار السياسة هي علم السلطة فقط ، رغم كون النظريات المعاصرة تحاول أن تحصر السياسة في علم السلطة ، إن التداخل الموجود بين مفهوم السلطة وعلم السياسة المعاصر لا يمكن من خلاله الجزم أن علم السياسية هو علم السلطة. ليس ضد المنطق القول أن كل تعريف للسياسية هو قتل لها، ذلك أن أي تعريف لها هو مجرد وصف لجانب من جوانبها رئيسة. والعلة تكمن أن كل فرد يمتلك فكرة عن السّياسة حتى و لو كانت متطرفة وغير واقعية ، والسبب في ذلك أن السِّياسة تعتبر أقرب المسائل إلى حياته، ولنأخذ زمرة من الآراء الإيجابية حول السِّياسة مثل: ” السياسة خدمة الآخرين”، ” فن إدارة شؤون الرعية”،” فن تنظيم العلاقات”، ” فن منع الشر” ، ” فن توزيع الخيرات”…
ولننظر لها من جانب آخر: ” السِّياسة هي فن المخادعة”،” فن الكذب”، ” فن سلب المكاسب”، ” فن تضليل الرأي العام”،” أكذوبة التاريخ”،” لعبة اللصوص”، ” حلبة صراع الانتهازيين”،” فن ما لا يقال” …
إن السّياسة عصية عن التعريف لارتباطها بحياة الإنسان اليومية ، وعلاقتها المباشرة بالمصالح والمنافع، وعليه فحتى تلك الرؤى الأكثر تطرفا وسوداوية عنها تحمل جزءا من الحقيقة ، وتُعبر في كثير من المواقف عن رؤى متقدمة عن عصرها.
نحن نعترف أن الدولة لم تصبح هي الإطار الأوحد للتنظيم الراقي، كما أنها لم تبق الموضوع الرئيسي للعلوم السياسية خاصة ونحن نلاحظ ظهور مفاهيم جديدة عن الدولة، وتراجع كثير من المفاهيم الحديثة كالدولة القطرية،الدولة القومية، الدولة الأمة،…لكن رغم ذلك لا يمكن توجيه السياسة وحصرها في جزء من أركان الدولة.
إن السلطة تظهر في كل تنظيم سواء أكان إراديا أو غير إرادي، بل يمكن الجزم أنها توجد بالقوة والفعل في الجماعات الصغرى أكثر منه في الجماعات الكبرى .
إن السلطة تُمارس كطقوس في القبائل الاستوائية و كسلوك يومي أكثر مما تمارس في بلد منظم تنظيما سياسيا كأمريكا، إن سلطة كاهن قبيلة في أدغال إفريقية تفصح عن كيانها الفعلي أكثر من سلطة دولة غربية .
إن هذه المقاربة تجعلنا لحد ما ندرك لما حاول فلاسفة الإسلام بحث مسائل السلطة والسياسة في العلم المدني و ليس في باب الآداب السلطانية.
وفي الأخير هل يمكن القول : أن الضروري في السّياسة تجاوز حدود الشرح والتلخيص إلى حدود التحول والإبداع ؟؟ وهل المدينة الرشدية تدخله إلى عالم اليوتوبيات؟؟
لقد كان التفكير السّياسي على مر تاريخه يحتل الصدارة ، نتيجة علاقته بحياة الأفراد والجماعات ، وارتباطه من جهة أخرى بالسلطة وأنظمة الحكم . و لقد اتسّم التفكير في كثير من الأحيان بالنزوع اليوتوبي ، فتشكلت عبر الأزمنة المعرفية كثير من نماذج المدن الفاضلة، كانت أشهرها جمهورية أفلاطون .
1 – إشكاليات البحث
لقد حافظت جمهورية أفلاطون على خصوصياتها الفكرية ، وأضحت موضوعا للبحث والدراسة في كل عصر ، ومن هذه الخاصية جاء شرح ابن رشد لكتاب السّياسة لأفلاطون. ونحن إذ اخترناه كموضوع للدراسة نريد منه إثارة الإشكاليات التالية : هل هو شرح وتلخيص فقط ؟؟ أم خطاب يحمل إبداعا وجدّة ؟؟ ولما اختار ابن رشد أفلاطون بالذّات ؟؟ وهلا فعلا كان ابن رشد يحمل مشروعا سياسيا ؟؟ وهل نكبته التَّاريخية نكبة سياسية؟؟
ومن جهة أخرى : هل الغزالي هو المقصود بالنّقد و التَّهجم أم ابن تومرت ومذهب الدولة الموحدية ؟؟ وهل استطاع ابن رشد أن يستفيد من الدّرس الباجوي وقبله الفارابي؟؟
وهل يمكن القول بكل موضوعية أن ابن رشد أبدع خطابا سياسيا بالرغم من كونه في مقام الشرح والتلخيص.؟؟
ولعل أهم إشكالية على الخصوص : ماذا يمكن أن نستفيد من ابن رشد ؟؟ وهل يمكن أن يكون ابن رشد مَعلم التنوير أم هو مجرد أغلوطة ووهم تحوّل بفعل النّكبة والغرب إلى أسطورة القرن؟؟..
إن الهدف من دراسة كتاب الضروري في السّياسة هو تحليل أفكار ابن رشد وتوضيح مواقفه في الكثير من قضايا عصره، ومعرفة كيف تعامل العقل السياسي الإسلامي مع السّياسة خارج الأحكام السلطانية. و لهذه العلّة بالذات ، توجب علينا أن نستعمل منهج التَّحليل النقدي ، وأن نعمد في كثير من الأحيان إلى منهج التحليل النفسي خاصة ما يتعلق باللاّشعور السِّياسي. كما استعملنا المنهج المقارن لمقارنة أفكار ابن رشد السياسية مع غيره من علماء عصره ، كالفارابي وابن باجة و ابن طفيل.
2 – هيكل البحث
وبناء على ما سبق فإن البحث توزّع من حيث هيكله العام على ما يلي:
1- مدخل نظري: يُعتبر مولج الدّراسة ، ودليل القارئ على أهم النقاط الرئيسة في مضمون البحث. تعرضنا فيه بالتّحليل والنقد لعلاقة كتاب الضروري في السياسة ببيئة ابن رشد. وكان الغرض من المدخل النظري تحليل تداعيات السؤال السّياسي وعلاقته بالمكان والزّمان . كما حاولنا تحليل محنة ابن رشد السِّياسية ، و تبيان الأبعاد والخلفيات الحقيقية التي تقبع خارج النّص التاريخي . ثم تحدثنا عن ظاهرة الترجمة العبرية للنصوص العربية ، محاولين تبيان أسبابها ونتائجها ، ثم تحليل ظاهرة الأقليات والإبداع في العالم الإسلامي.
إن المدخل النظري يعطي للسُّؤال السِّياسي عند ابن رشد وجوده وأبعاده ، وقدمنا ذلك من خلال أهم الافتراضات التي تنبلج من تداعيات السؤال السياسي.
الفصل الأول: خصصناه لشبكة المفاهيم المرتبطة بالموضوع ارتباطا مباشرا ، وحددنا ثلاثة مفاهيم رئيسة : 1-المدينة بوصفها مهد السِّياسة وموضعها الأول. 2- السياسة باعتبارها هي التي تعطي الخصوصية لمسائل تدبير الجماعة. 3- العلم المدني بوصفه هو الحقل الذي يحوي المفهومين السّابقين تحت إطار الحكمة العملية. والغرض من الدراسة الجينيالوجية للمفاهيم هو محاولة البحث عن مواطن التأصيل الإسلامي ، ورصد مجالات إبداع المفاهيم في تراثنا العربي.
2- الفصل الثاني: خُصِص لتحليل الخطاب الرشدي في مجال السّياسة المدنية .
في المبحث الأول تحدثنا عن ابن رشد ومحنة السؤال السياسي، بوصفه يمثل إحدى مظاهر قلق العبارة الرشدية في مجال القول السّياسي. أما المبحث الثاني يتعرض للمدينة الفاضلة عند ابن رشد من حيث طبيعتها ، وتطورها من منطق الاستحالة والامتناع إلى منطق الإمكان ، مع تحليل شروط الحاكم. أما المبحث الثالث فاختُص بتحليل ظاهرة اجتماع البيوتات في العالم الإسلامي ، والبحث عن الآليات التي توجهه نحو اجتماع العقل والحكمة العملية.
3- الفصل الثالث : بما أن الفصل الثالث يتطرق للمدينة الفاضلة من منظور الممكن، فإن الفصل الحالي يتطرق إلى النظرية التربوية ومضادات المدينة الفاضلة. وعليه كان المبحث الأول يتجه صوب تحليل مطلب التغيير السّياسي وإشكالية فهم المدن المضادة. والمبحث الثاني تطرقنا فيه للنظرية التربوية في المشروع الرشدي ، وجاء المبحث الثالث ليحلل البرنامج التربوي الرشدي من حيث المراحل و الكيّفيات.
4- الفصل الرابع: مضمون الضروي في السّياسة تفرد ببعض القضايا الرئيسة ، والتي حظيت أكثر من غيرها بالمناقشة والتّحليل ، كقضية المرأة والحرب. لذا كان المبحث الأول حول إشكالية المرأة في الخطاب الرشدي . أما المبحث الثاني تطرقنا فيه إلى رؤية ابن رشد ومجاوزته لأفلاطون وواقع عصره . والمبحث الثالث اتجه صوب تحليل إشكالية الحرب في الخطاب الرشدي.
الفصل الخامس : يدور حول ابن رشد الراهن والمستقبل ، و خُصص الفصل لدراسة قضيتين رئيستين ، الأولى حول علاقة المتن الرشدي بأرسطو من خلال جدلية الحضور والغياب . والثانية قضية استدعاء ابن رشد في راهننا، إن تحليل ظاهرة عودة ابن رشد في الفكر العربي المعاصر ، تستدعي معرفة خلفياتها أولا.( الوهم – ابن رشد الأسطورة – ابن رشد الأغلوطة – ابن رشد والتوظيف الإيديولوجي.)
3 – الدّراسات السابقة
ولم يطلع العرب على تلخيص أو جوامع السياسة لابن رشد إلا في حدود 1952 حين صدرت أول ترجمة له بالإنجليزية و الأخرى عام 1982 . إلا أن ابن رشد ظل مجهولا، ولم يبدد هذا الجهل سوى العمل الذي قام به على الخصوص أ. أحمد شحلان الذي ترجم النص الرشدي من العبرية سنة 1998، على عكس ترجمة حسن مجيد العبيدي وفاطمة كاظم الذّهبي. ولم يشهد الفكر العربي المعاصر دراسات حول نظريته ابن رشد السّياسية ، اللّهم إلا تلك المقالات التي صدرت على النّحو التالي:
1- 1962 : إرقن روزنتال / أراء ابن رشد السّياسية- مجلة البينة . ( المغرب)
2- ماجد فخري ( ابن رشد وأفلاطون ) مقال ذُكر في دائر المعارف للبستاني.
3 – 1972: عبد الرحمان بدوي / عرض باقتضاب المقالات الثلاث – التي قدم من خلالها ابن رشد جوامع السياسة لأفلاطون – في كتابه (Histoire de la philosophie en Islam) (مرجع مستعمل).
4- 1974: محمد عمارة ( مسلمون ثوار) قدم دراسة عن بعض الجوانب السياسية عند ابن رشد ( ص69/105).
5- 1978: قدم أ. عمار طالي مداخلة قيمة ، شرح فيها نظرية ابن رشد السياسية ، واعتبرها كثير من الدّارسين من بين أحسن المدخلات في الموضوع ( النظرية السّياسية لدى ابن رشد ) قُدمت في أعمال ملتقى ابن رشد بالجزائر سنة 1978.( م. مستعمل )
6-1988: علي زيعور ( الحكمة العملية أو الأخلاق والسِّياسة التعاملية ) تحدث عن الجانب السياسي عند ابن رشد ( ص 427-473).
7-1995/ 2000: الجابري ( المثقفون / مقدمة الضروري في السياسة / العقل الأخلاقي ) تحدث في كثير من المباحث عن شرح ابن رشد لكتاب السياسة لأفلاطون، وحاول جاهدا أن يعطى قراءات جديدة خاصة في مجال نكبة ابن رشد والمرأة. وتعتبر مقدمته التحليلية لكتاب الضروري في السياسة مرجعية هامة للباحثين. ( م. مستعملة )
8- 2000: منى أبو زيد ( المدينة الفاضلة عند ابن رشد ) قدمت عرضا لأهم ما جاء في كتاب تلخيص السياسة لابن رشد معتمدة على ترجمة حسن المجيد العبيدي. ( م. مستعمل)
9- أما على المستوى البحث الجامعي ، فقدمت مؤخرا رسالة حول (الفلسفة السياسية عند ابن رشد السياسية ) من طرف باحث يمني ( محمد جعفر بن الشيخ) غير منشورة .
لكن رغم ذلك بقي النّص الرشدي في مجال السّياسة يشكو نقصا ، وعلى حد تعبير أ.صالح مصباح : ” تشكو المسائل السياسية عند ابن رشد إهمالا شديدا لدى الباحثين في الرشديات،إذ لا تتجاوز الدراسات الهامة في هذا القسم من المتن الرشدي أصابع اليد الواحدة .” ([1])
إن هذا النقص هو الذي دفعنا إلى محاولة قراءة المتن السياسي الرشدي ، محاولين عدم إعادة تكرير ما كتب حتى في تلك الدراسات القليلة.
4 – آفاق الدراسة
كان أكبر حافز على اختيار ابن رشد مقولة استقالة العقل العربي للجابري ، التي دفعتنا إلى محاولة تفنيدها من خلال دراسة نص ظل مجهول لابن رشد زمنا طويلا .
فلقد تبيّن أن الحكم على التراث يُبنى في كثير من الأحيان على قراءات إيديولوجية، تحاول أن تتعامل معه كنص مهجور ، وذاكرة تراثية. لقد اقر الجابري كما سنرى لاحقا أن العقل العربي رفض استقالته مع الضروري في السّياسة لابن رشد. لكن ما الذي دعاه آخر الأمر أن يراجع أحكامه ؟؟
إن هذه الدراسة ليس الهدف منها ابن رشد في حد ذاته ، فهو أقرب ما يكون في واقعنا المعاصر إلى أغلوطة أو أسطورة ، لكن الغاية منه توضيح قدرة المفكر الإسلامي في العصور السابقة على النفاذ في متون نصوص الآخر. ومن ناحية ثانية فالغاية الأكيدة هي محاولة قراءة التراث بعيدا عن التراث ، نقصد استحضاره لكي نفكر من خلاله.
والغرض الثالث إجراء مقاربة بين ما كُتب في القديم وبين ما يكتب اليوم في مجال السياسية. ودراسة ابن رشد لا تعني دراسة نص مهجور فقد أبعاد زمنه الثلاثة ، بل قراءته جعلتنا ندرك أن الإشكالية الجوهرية في تاريخ الفكر السياسي المعاصر تكمن في السؤال التالي:هل يمكن اعتبار كل ممارسة للسلطة سياسة ؟؟
إن هذا السؤال يحيل مباشرة إلى القول أن كل ممارسة للسلطة ليست بالضرورة سياسة، ومنه لا يمكن اعتبار السياسة هي علم السلطة فقط ، رغم كون النظريات المعاصرة تحاول أن تحصر السياسة في علم السلطة ، إن التداخل الموجود بين مفهوم السلطة وعلم السياسة المعاصر لا يمكن من خلاله الجزم أن علم السياسية هو علم السلطة. ليس ضد المنطق القول أن كل تعريف للسياسية هو قتل لها، ذلك أن أي تعريف لها هو مجرد وصف لجانب من جوانبها رئيسة. والعلة تكمن أن كل فرد يمتلك فكرة عن السّياسة حتى و لو كانت متطرفة وغير واقعية ، والسبب في ذلك أن السِّياسة تعتبر أقرب المسائل إلى حياته، ولنأخذ زمرة من الآراء الإيجابية حول السِّياسة مثل: ” السياسة خدمة الآخرين”، ” فن إدارة شؤون الرعية”،” فن تنظيم العلاقات”، ” فن منع الشر” ، ” فن توزيع الخيرات”…
ولننظر لها من جانب آخر: ” السِّياسة هي فن المخادعة”،” فن الكذب”، ” فن سلب المكاسب”، ” فن تضليل الرأي العام”،” أكذوبة التاريخ”،” لعبة اللصوص”، ” حلبة صراع الانتهازيين”،” فن ما لا يقال” …
إن السّياسة عصية عن التعريف لارتباطها بحياة الإنسان اليومية ، وعلاقتها المباشرة بالمصالح والمنافع، وعليه فحتى تلك الرؤى الأكثر تطرفا وسوداوية عنها تحمل جزءا من الحقيقة ، وتُعبر في كثير من المواقف عن رؤى متقدمة عن عصرها.
نحن نعترف أن الدولة لم تصبح هي الإطار الأوحد للتنظيم الراقي، كما أنها لم تبق الموضوع الرئيسي للعلوم السياسية خاصة ونحن نلاحظ ظهور مفاهيم جديدة عن الدولة، وتراجع كثير من المفاهيم الحديثة كالدولة القطرية،الدولة القومية، الدولة الأمة،…لكن رغم ذلك لا يمكن توجيه السياسة وحصرها في جزء من أركان الدولة.
إن السلطة تظهر في كل تنظيم سواء أكان إراديا أو غير إرادي، بل يمكن الجزم أنها توجد بالقوة والفعل في الجماعات الصغرى أكثر منه في الجماعات الكبرى .
إن السلطة تُمارس كطقوس في القبائل الاستوائية و كسلوك يومي أكثر مما تمارس في بلد منظم تنظيما سياسيا كأمريكا، إن سلطة كاهن قبيلة في أدغال إفريقية تفصح عن كيانها الفعلي أكثر من سلطة دولة غربية .
إن هذه المقاربة تجعلنا لحد ما ندرك لما حاول فلاسفة الإسلام بحث مسائل السلطة والسياسة في العلم المدني و ليس في باب الآداب السلطانية.
وفي الأخير هل يمكن القول : أن الضروري في السّياسة تجاوز حدود الشرح والتلخيص إلى حدود التحول والإبداع ؟؟ وهل المدينة الرشدية تدخله إلى عالم اليوتوبيات؟؟
شكرا لكم
تحية خالصة
لم تأخذوا الإذن مني لنشر الكتاب إلكترونيا ….. ولكن أنا موافق …
شكرا لكم على ذلك جعله الله في ميزان حسناتكم