الوجودية مذهب إنسانى
محاضرات سارتر هذه فى الوجودية ترجمت للعربية عدة مرات فمنهم من ترجمها الوجودية مذهب ومنهم من ترجمها منزع وسيان المعنى عندنا مع أنه عند من ترجمها منزع مختلف عن مذهب فهى فى رأيه ليست مذهب
فى هذا الكتاب يقسم سارتر الوجوديون لنوعين :
الأول الوجوديون المؤمنون وهو يقصد بهم المؤمنون بالنصرانية
الثانى الوجوديون الملحدون ويعتبر سارتر نفسه واحد منهم
مسألة وجود الله من عدمه:
من يراجع الكتاب لا يعرف هل سارتر منكر لله أو مؤمن به فالرجل فى العديد من النصوص ينكر وجود الله وفى العديد من النصوص يؤمن بوجود الله أو يطالب بوجوده
من أمثلة النصوص المنكرة لوجود الله ما يلى:
“إن الوجودية الملحدة التى أمثلها هى أكثر تماسكا فهى تعلن أنه إذا لم يكن الله موجودا فيوجد على الأقل كائن يكون الوجود لديه سابق للماهية كائن يوجد قبل أن يكون قابلا للتعريف وفق أى مفهوم ص31
وهو هنا يحذف وجود الله فيقول:
“ولكن إذا كنت قد حذفت الله الأب فلابد بالضرورة من كائن لابتكار القيم يجب أن نتعامل مع الأشياء كما هى ومن ناحية أخرى فالقول بأننا نحن الذين نبتكر القيم لا يعنى شيئا أخر سوى هذا الأمر ص79
واعتقاده هو أن الله غير موجود وهو قوله:
“وهذا لا يعنى أننا نعتقد أن الله موجود ص83
ولكنه فى النصوص التالية يقر بوجود الله الخالق فيقول:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
وهو يقول أن من المحال إلغاء وجود الله لأن هذا يعنى أنه لا توجد شريعة للصواب والخطأ أى الحق والباطل وهو قوله :
“تعتقد الوجودية على عكس ذلك أنه من العسير جدا إلغاء وجود الله دون أن ينجم عن ذلك زوال كل إمكانية لإيجاد قيم فى سماء عقلية فلن يكون هناك وجود قبلى للخير بما انه لم يعد هناك فكر لا متناه وكامل من شأنه أن بصوره ليس مكتوبا فى أى مكان أن الخير موجود وينبغى أن نكون شرفاء وينبغى ألا نكذب بما أننا فى عالم لا يوجد فيه إلا بشر فحسب ص41
ويكرر أن افتراض عدم وجود الله يعنى عدم وجود شريعة أى قيم أو أوامر فيقول:
“وقد كتب دستوفيسكى إذا كان الله غير موجود يصبح كل شىء مباح ………وإذا افترضنا من جهة أخرى أن الله غير موجود فإننا لن نجد أمامنا قيما أو أوامر تشرع تصرفاتنا ص42
هذا التناقض ليس أمرا خاصا بسارتر وحده ممن هم مشهورون بالإلحاد ولكنه خطأ يقع فيه كل الملحدين ممن كتبوا كتبا شهيرة فى الموضوع
الطبيعة الإنسانية:
ينكر سارتر وجود طبيعة إنسانية ما دام لا يوجد إله فيقول :
“وهكذا فلا وجود لطبيعة إنسانية بما أنه لا وجود لإله يمكنه تصورها لا يكون الإنسان فقط على نحو ما يتصوره عن نفسه كما يريد لن يكون الإنسان شيئا أخر سوى ما يصنعه بنفسه بعد هذه الوثبة نحو الوجود ذلك هو أول مبدأ للوجودية ص31
وبالطبع لو كان هناك إله فهم يؤمن بوجود طبيعة إنسانية ومن ثم فهو يكرر نفس المقولة فيؤكد عليها قائلا:
“نحن متفقون حول هذه النقطة لا توجد طبيعة إنسانية وبعبارة أخرى يتطور كل عصر تبعا لقوانين جدلية فالبشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية ص103
الوجود سابق على الماهية:
المقولة الأساسية عند سارتر فى الكتاب هو أن الوجود سابق على الماهية ومع هذا نجد الرجل يناقض نفسه فيها فمن النصوص الدالة على سبق الوجود للماهية:
وما يشتركون فيه ببساطة أنهم يعتبرون الوجود سابق على الماهية أو إن شئتم أنه ينبغى الانطلاق من الذاتية ص27
إن الوجودية الملحدة التى أمثلها هى أكثر تماسكا فهى تعلن أنه إذا لم يكن الله موجودا فيوجد على الأقل كائن يكون الوجود لديه سابق للماهية كائن يوجد قبل أن يكون قابلا للتعريف وفق أى مفهوم وأن هذا الكائن هو الإنسان أو الواقع الإنسانى كما يقول هيدغر ماذا يعنى أن الوجود سابق للماهية هذا يعنى أن الإنسان يوجد أولا يلتقى بالعالم وينبثق فيه ثم يعرف بعد ذلك ص31
ومع هذا يناقض نفسه فيقول أن الصنع سابق للوجود فى العبارة التالية:
“لدينا هاهنا إذن رؤية تقنية للعالم نقول ضمنها أن الصنع يسبق الوجود ص28
ويناقض نفسه فيجعل ماهية الإنسان سابقة لوجوده فيقول:
فإنسان الغابة وإنسان الطبيعة مثلهما كمثل البرجوازى خاضعان للتعريف نفسه ويمتلكان الخصائص الأساسية نفسها وهكذا تسبق ماهية الإنسان هنا أيضا هذا الوجود التاريخى الذى نلقاه فى الطبيعة ص30
السبب فى هذا التناقض هو أن سارتر تصور الله مثل الإنسان يفكر أولا ثم ينفذ وهو ما عبر عنه فى الفقرة التالية:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
الافتراض بتشابه صنع الله وصنع الإنسان هو من أوقع سارتر فى التناقض وجعله ضال عن الحقيقة وهى أن الله فكره أى قراره هو تنفيذه كما قال تعالى :
“إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون”
فالاعتقاد بتشابه الإله والمخلوق فى الصنع هو ضرب من الخبل وإن كان ناتجا من نصوص مثل ما فى العهد القديم فى سفر التكوين:
“نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”
فهنا تصور أى تفكير سابق وهو الصورة والشبه لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
مسئولية الإنسان:
يفسر سارتر مسئولية الإنسان عن ذاته بأنها المسئولية عن كل الناس فيقول:
“وهكذا إن أول مسعى للوجودية يتمثل فى جعل كل لإنسان متملكا لوجوده وتحميله المسئولية الكاملة عن وجوده وعندما نقول بأن الإنسان مسئول عن ذاته فإننا لا نريد القول بأن الإنسان مسئول عن فرديته الضيقة وإنما هو مسئول عن كل الناس ص33
هنا سارتر مخطىء فى تصوره عن مسئولية الإنسان فالإنسان مسئول عن نفسه فقط وليس مسئولا عن كل الناس وفى شرع الله الذى ينكره من مسئولية الإنسان عن نفسه أن يعامل الكل بالحق الذى أراده الله والخطأ هنا هو أنه لم يفرق بين المسئولية هم النفس من خلال العمل نفسه ثوابا وعقابا وبين المسئولية عن الغير وهى جزء من المسئولية النفسية ولكنها تتعلق بنفع الغير ونفع النفس معا فى نفس الوقت أو إضرارهما
وقد ضرب سارتر مثلا بان اختيار الإنسان لمسلك معين أى دين معين معناه أنه يلزم الإنسانية به فقال :
“وهكذا فإن مسئوليتنا أكبر بكثير مما نستطيع تقديره إذ تلزم الإنسانية كلها فإذا كنت عاملا وفضلت الانخراط فى نقابة مسيحية على أن أكون شيوعيا وكنت أريد من خلال هذا الانخراط أن أبين أن الحل الملائم للإنسان فى الواقع هو الخضوع وأن مملكة الإنسان ليست على الأرض فإننى لا ألزم نفسى فحسب بل أريد أن يكون خضوعى قدوة للجميع فيكون مسلكى بالنتيجة قد ألزم الإنسانية بأسرها ص34
التشريع :
سارتر فى كتابه أحس أن إلغاء وجود الله يعنى الفوضى فالبشر فى رأيه يتجهون نحو الوضاعة ومن ثم فهم بحاجة لتشريع صلب يقيهم الفوضى فقال :
” وتكشف التجربة عن كون الناس يتجهون دوما نحو الوضاعة بما يبرر الحاجة إلى هياكل صلبة نؤازرهم وإلا حصلت الفوضى ص24
وهو يكرر نفس المقولة وهو أن القيم أى الخير يزول بإلغاء وجود الله من نفوس الناس فيقول:
“تعتقد الوجودية على عكس ذلك أنه من العسير جدا إلغاء وجود الله دون أن ينجم عن ذلك زوال كل إمكانية لإيجاد قيم فى سماء عقلية فلن يكون هناك وجود قبلى للخير بما أنه لم يعد هناك فكر لا متناه وكامل من شأنه أن بصوره ليس مكتوبا فى أى مكان أن الخير موجود وينبغى أن نكون شرفاء وينبغى ألا نكذب بما أننا فى عالم لا يوجد فيه إلا بشر فحسب ص41
ويكرر نفس الكلام مستشهدا بدستوفيسكى قائلا:
“وقد كتب دستوفيسكى إذا كان الله غير موجود يصبح كل شىء مباح ………وإذا افترضنا من جهة أخرى أن الله غير موجود فإننا لن نجد أمامنا قيما أو أوامر تشرع تصرفاتنا ص42
ويناقض سارتر نفسه باختراعه حلا للذى جعله عسيرا وهو إلغاء وجود الله فى نفوس الناس وهو أن يبتكر الناس القيم فيقول:
“ولكن إذا كنت قد حذفت الله الأب فلابد بالضرورة من كائن لابتكار القيم يجب أن نتعامل مع الأشياء كما هى ومن ناحية أخرى فالقول بأننا نحن الذين نبتكر القيم لا يعنى شيئا أخر سوى هذا الأمر ص79
ويكرر نفس الكلام عن كون الإنسان هو المشرع لنفسه فيقول:
“يعلن الوجودى عن طواعية بأن الإنسان كائن قلق وهذا يعنى التالى أن الإنسان الذى بلتزم وينتبه إلى أنه ليس من يختار ما يكون عليه فقط وإنما يكون مشرعا يختار نفسه فى الوقت الذى يختار فيه الإنسانية برمتها لن يكون قادرا على الإفلات من الشعور بمسئولية تامة وعميقة ص35
وفى النهاية يبين سارتر المشكلة التى وقع فيها وهى أن الناس يشرعون لأنفسهم ومع هذا لن يجد الناس أنفسهم متفقين على تشريع ومن ثم سيعودون فى النهاية لفكرة وجود الله المشرع فيقول:
إنه يعلن على الأرجح حتى وإن كان الله موجودا فإن ذلك لن يغير شيئا هذه وجهة نظرنا وهذا لا يعنى أننا نعتقد أن الله موجود وإنما نعتبر أن المشكل ليس ذلك الذى يخص وجوده على الإنسان أن يوجد نفسه من جديد وبنفسه ويقنع نفسه أن لا شىء يمكن أن ينقذه من نفسه وقد يكون ذلك حجة صالحة على وجود الله ص83
ما قاله سارتر هو ما قول عليه العامة من الناس:
” يغنى ويرد على نفسه”
فالرجل أعادنا لنفس الكلام وهو أن لابد من وجود الله أى الكائن الأعلى فى رأيهم الذى يشرع للناس لأن الناس لو شرعوا لأنفسهم لن يتفقوا على قيم أى خير
خلق الإنسان:
رغم أن سارتر ينكر فى العديد من المواضع وجود الله وهو ما يعنى أنه لا يوجد خالق للخلق ومنهم الناس فإنه مع هذا يصر على أن الإنسان لم يخلق نفسه فيقول :
“وهذا ما أعبر عنه بالقول الإنسان محكوم عليه بالحرية محكوم عليه لأنه ليس هو من خلق نفسه “ص43
وهو يعبر عن ذلك بأن الإنسان لم يبدأ أى يخلق نفسه فيقول:
“فالإنسان يصنع نفسه إنه ليس ما هو بدءا إنه يصنع نفسه باختياره لأخلاقه ص71
وهذا يعنى أنه بعد أعلن عدم وجود خالق عاد وجعل هناك خالق لأن الإنسان لم يخلق نفسه وإنما خالقه هو الله
الإرادة:
الإرادة عن سارتر هى القرار الواعى فى قوله:
“ما نعنيه عادة بالإرادة هو القرار الواعى والذى هو بالنسبة للأغلبية منا لاحق لما صنعه من ذاته بنفسه ص32
وبالقطع هو كلام ناقص فالإرادة هى القرار سواء كان واعيا أو غير واعى وهى فى العبارة السابقة لاحقة للخلق فالخلق أى الصنع سابق عليها وهو ما يناقض كون الإرادة لاحقة للفهم أو ملازمة له فى قوله:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه ص29
القدر:
ينفى سارتر القدر أى علم الله المسبق بعمل الإنسان وهو ما يسمونه المستقبل المكتوب فى السماء فيقول:
“لكننا نقع فى الخطأ إذا فهمنا فقط من القول أن هذا المستقبل مكتوب فى السماء وأن الله يعلمه فهذا لن يكون البتة مستقبلا أما إذا عنينا من هذا القول أن أى إنسان يظهر يكون ثمت مستقبل عليه أن يصنعه مستقبل بكر ينتظره فعندئذ يكون اللفظ صحيحا ص44
وينفى وجود إله يقدر على أن يجعل العالم وممكناته متوافقا مع إرادة الإنسان فيقول:
“وانطلاقا من اللحظة التى تصبح فيها الممكنات التى اعتمدتها غير موظفة قطعيا فى عملى وجب على أن أهملها لأنه ما من إله أو تدبير باستطاعته أن يجعل العالم وممكناته متوافقا مع إرادتى ص52
وبالطبع سارتر كغيره من كثيرين لا يعرف أن القدر خفى لا يعلمه سوى الله والله لا يخبر أحد به ومن ثم فمقولة عدم التوافق التى يقول بها غير متحققة لكون هذا العلم خفى ومن ثم لا يمكن أن نعلن أننا عملنا غير إرادة الله المستقبلية لكوننا لا نعرفها
هذه هى النقطة التى أخطأ فيها من تكلموا عن نفى القدر والقرآن وضحها بقوله تعالى
“وما تشاءون إلا أن يشاء الله ”
فالمشيئتان متفقتان
الإنسان مشروع يعيشه على نحو ذاتى:
جعل سارتر الإنسان مشروع يعيشه على نحو ذاتى ليس قبله شىء ومع هذا ناقض نفسه بوجود قبل هو ما عزم الإنسان أن يكون عليه فقال:
“إن الإنسان هو قبل كل شىء مشروع يعيشه على نحو ذاتى عوض أن يكون زبدا أو قذارة أو قنبيطا لا شىء يوجد قبليا بالنسبة إلى هذا المشروع ولا شىء فى سماء المعقولات سيكون الإنسان قبل كل شىء ما عزم أن يكون عليه وليس ما رغب لأن يكون لأن ما نعنيه عادة بالإرادة هو القرار الواعى والذى هو بالنسبة للأغلبية منا لاحق لما صنعه من ذاته بنفسه ص32
فى الفقرة السابقة الإنسان قبل كل شىء ما عزم أن يكون عليه والعزم أى الإرادة ليست هى تصور الإنسان الذى يكونه فى قوله بالفقرة التالية:
“وهكذا فلا وجود لطبيعة إنسانية بما أنه لا وجود لإله يمكنه تصورها لا يكون الإنسان فقط على نحو ما يتصوره عن نفسه كما يريد لن يكون الإنسان شيئا أخر سوى ما يصنعه بنفسه بعد هذه الوثبة نحو الوجود ذلك هو أول مبدأ للوجودية ص31
فالتصور غير الإرادة
تشابه الخالق والمخلوق :
زعم سارتر تشابه الخالق والمخلوق فى الخلق المبنى على تفكير أولى ثم تنفيذ وهو قوله فى الفقرة التالية:
“وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
وهى مقولة لا يمكن أن تكون صحيحة فالخالق ليس كخلقه فى الصنع وهو الخلق فهو لا يفكر كما يفكر الناس ويتعبون أنفسهم حتى يتوصلوا للصحيح فالتفكير العلمى التجريبى يخطىء ويصحح والله ليس لديه خطأ وهو لا يعمل بنفس طريقة خلقه لكون واحد لا يتجزأ فنحن عندنا التفكير غير الإرادة بينما الكل فى الله واحد
المنزع الإنسانى:
وصف سارتر المنزع بالغموض فقال :
“إن هذا المنزع الإنسانى لهو غامض إذ بإمكان الكلب وحده ص80 أو الحصان أن يكون لديهما حكما إجماليا إن الإنسان ليعلنا أنه رائع وهذا ما لا يقدران عليه حسب معرفتى على الأقل ص81
وكيف يكون منزعا غامضا للناس وهو فى ذواتهم كما فى قوله فى الفقرة التالية:
“لا وجود لعوالم غير عالم الإنسان عالم الذاتية الإنسانية فرابطة التعالى هذه بما هى منشئه للإنسان لا بمعنى أن يكون فيها الله متعاليا وإنما بمعنى التجاوز ومنشئه للذاتية بالمعنى الذى يكون فيها الإنسان حاضرا على الدوام فى عالم إنسانى وليس منغلقا على ذاته هذا ما نسميه منزعا إنسانيا وجوديا منزعا إنسانيا لأننا نذكر الإنسان بأنه لا مشرع سواه وأنه فى الإهمال سيقرر بنفسه ما سيكونه هو منزع إنسانى لأننا نبين أن الإنسان سيتحقق بما هو إنسان على وجه الدقة لا بالعود على ذاته بل ببحثه الدائم عن هدف خارج ذاته هو هذا التحرر وهذا التحقق المخصوص ص82
العصر ما يتبعه البشر:
وضح سارتر أن البشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية فقال :
“نحن متفقون حول هذه النقطة لا توجد طبيعة إنسانية وبعبارة أخرى يتطور كل عصر تبعا لقوانين جدلية فالبشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية ص103
وهو كلام خاطىء فالناس يتبعون قوانين وليس زمنا هو العصر ومن يصنع القوانين عند سارتر فى مواضع عدة هم الناس فكيف يكون الناس يتبعون الزمن وهم من يشرعون القوانين المتبعة ؟
غاية الإنسان:
بين سارتر أن الإنسان ليس هو الغاية عند الإنسان الوجودى فقال:
“إن الإنسان الوجودى لا يجعل من الإنسان غاية إطلاقا لأنه دائما بصدد التحقق وليس لنا أن نعتقد فى وجود إنسانية يمكننا عبادتها ص81
والسؤال ما دام الإنسان ليس هو الغاية فلماذا هذا البحث وهذا الكلام عن وجوده وما يتعلق به ما دام ليس الغاية هو نفع الإنسان
الوجودية مذهب إنسانى
محاضرات سارتر هذه فى الوجودية ترجمت للعربية عدة مرات فمنهم من ترجمها الوجودية مذهب ومنهم من ترجمها منزع وسيان المعنى عندنا مع أنه عند من ترجمها منزع مختلف عن مذهب فهى فى رأيه ليست مذهب
فى هذا الكتاب يقسم سارتر الوجوديون لنوعين :
الأول الوجوديون المؤمنون وهو يقصد بهم المؤمنون بالنصرانية
الثانى الوجوديون الملحدون ويعتبر سارتر نفسه واحد منهم
مسألة وجود الله من عدمه:
من يراجع الكتاب لا يعرف هل سارتر منكر لله أو مؤمن به فالرجل فى العديد من النصوص ينكر وجود الله وفى العديد من النصوص يؤمن بوجود الله أو يطالب بوجوده
من أمثلة النصوص المنكرة لوجود الله ما يلى:
“إن الوجودية الملحدة التى أمثلها هى أكثر تماسكا فهى تعلن أنه إذا لم يكن الله موجودا فيوجد على الأقل كائن يكون الوجود لديه سابق للماهية كائن يوجد قبل أن يكون قابلا للتعريف وفق أى مفهوم ص31
وهو هنا يحذف وجود الله فيقول:
“ولكن إذا كنت قد حذفت الله الأب فلابد بالضرورة من كائن لابتكار القيم يجب أن نتعامل مع الأشياء كما هى ومن ناحية أخرى فالقول بأننا نحن الذين نبتكر القيم لا يعنى شيئا أخر سوى هذا الأمر ص79
واعتقاده هو أن الله غير موجود وهو قوله:
“وهذا لا يعنى أننا نعتقد أن الله موجود ص83
ولكنه فى النصوص التالية يقر بوجود الله الخالق فيقول:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
وهو يقول أن من المحال إلغاء وجود الله لأن هذا يعنى أنه لا توجد شريعة للصواب والخطأ أى الحق والباطل وهو قوله :
“تعتقد الوجودية على عكس ذلك أنه من العسير جدا إلغاء وجود الله دون أن ينجم عن ذلك زوال كل إمكانية لإيجاد قيم فى سماء عقلية فلن يكون هناك وجود قبلى للخير بما انه لم يعد هناك فكر لا متناه وكامل من شأنه أن بصوره ليس مكتوبا فى أى مكان أن الخير موجود وينبغى أن نكون شرفاء وينبغى ألا نكذب بما أننا فى عالم لا يوجد فيه إلا بشر فحسب ص41
ويكرر أن افتراض عدم وجود الله يعنى عدم وجود شريعة أى قيم أو أوامر فيقول:
“وقد كتب دستوفيسكى إذا كان الله غير موجود يصبح كل شىء مباح ………وإذا افترضنا من جهة أخرى أن الله غير موجود فإننا لن نجد أمامنا قيما أو أوامر تشرع تصرفاتنا ص42
هذا التناقض ليس أمرا خاصا بسارتر وحده ممن هم مشهورون بالإلحاد ولكنه خطأ يقع فيه كل الملحدين ممن كتبوا كتبا شهيرة فى الموضوع
الطبيعة الإنسانية:
ينكر سارتر وجود طبيعة إنسانية ما دام لا يوجد إله فيقول :
“وهكذا فلا وجود لطبيعة إنسانية بما أنه لا وجود لإله يمكنه تصورها لا يكون الإنسان فقط على نحو ما يتصوره عن نفسه كما يريد لن يكون الإنسان شيئا أخر سوى ما يصنعه بنفسه بعد هذه الوثبة نحو الوجود ذلك هو أول مبدأ للوجودية ص31
وبالطبع لو كان هناك إله فهم يؤمن بوجود طبيعة إنسانية ومن ثم فهو يكرر نفس المقولة فيؤكد عليها قائلا:
“نحن متفقون حول هذه النقطة لا توجد طبيعة إنسانية وبعبارة أخرى يتطور كل عصر تبعا لقوانين جدلية فالبشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية ص103
الوجود سابق على الماهية:
المقولة الأساسية عند سارتر فى الكتاب هو أن الوجود سابق على الماهية ومع هذا نجد الرجل يناقض نفسه فيها فمن النصوص الدالة على سبق الوجود للماهية:
وما يشتركون فيه ببساطة أنهم يعتبرون الوجود سابق على الماهية أو إن شئتم أنه ينبغى الانطلاق من الذاتية ص27
إن الوجودية الملحدة التى أمثلها هى أكثر تماسكا فهى تعلن أنه إذا لم يكن الله موجودا فيوجد على الأقل كائن يكون الوجود لديه سابق للماهية كائن يوجد قبل أن يكون قابلا للتعريف وفق أى مفهوم وأن هذا الكائن هو الإنسان أو الواقع الإنسانى كما يقول هيدغر ماذا يعنى أن الوجود سابق للماهية هذا يعنى أن الإنسان يوجد أولا يلتقى بالعالم وينبثق فيه ثم يعرف بعد ذلك ص31
ومع هذا يناقض نفسه فيقول أن الصنع سابق للوجود فى العبارة التالية:
“لدينا هاهنا إذن رؤية تقنية للعالم نقول ضمنها أن الصنع يسبق الوجود ص28
ويناقض نفسه فيجعل ماهية الإنسان سابقة لوجوده فيقول:
فإنسان الغابة وإنسان الطبيعة مثلهما كمثل البرجوازى خاضعان للتعريف نفسه ويمتلكان الخصائص الأساسية نفسها وهكذا تسبق ماهية الإنسان هنا أيضا هذا الوجود التاريخى الذى نلقاه فى الطبيعة ص30
السبب فى هذا التناقض هو أن سارتر تصور الله مثل الإنسان يفكر أولا ثم ينفذ وهو ما عبر عنه فى الفقرة التالية:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
الافتراض بتشابه صنع الله وصنع الإنسان هو من أوقع سارتر فى التناقض وجعله ضال عن الحقيقة وهى أن الله فكره أى قراره هو تنفيذه كما قال تعالى :
“إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون”
فالاعتقاد بتشابه الإله والمخلوق فى الصنع هو ضرب من الخبل وإن كان ناتجا من نصوص مثل ما فى العهد القديم فى سفر التكوين:
“نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا”
فهنا تصور أى تفكير سابق وهو الصورة والشبه لله تعالى عن ذلك علوا كبيرا
مسئولية الإنسان:
يفسر سارتر مسئولية الإنسان عن ذاته بأنها المسئولية عن كل الناس فيقول:
“وهكذا إن أول مسعى للوجودية يتمثل فى جعل كل لإنسان متملكا لوجوده وتحميله المسئولية الكاملة عن وجوده وعندما نقول بأن الإنسان مسئول عن ذاته فإننا لا نريد القول بأن الإنسان مسئول عن فرديته الضيقة وإنما هو مسئول عن كل الناس ص33
هنا سارتر مخطىء فى تصوره عن مسئولية الإنسان فالإنسان مسئول عن نفسه فقط وليس مسئولا عن كل الناس وفى شرع الله الذى ينكره من مسئولية الإنسان عن نفسه أن يعامل الكل بالحق الذى أراده الله والخطأ هنا هو أنه لم يفرق بين المسئولية هم النفس من خلال العمل نفسه ثوابا وعقابا وبين المسئولية عن الغير وهى جزء من المسئولية النفسية ولكنها تتعلق بنفع الغير ونفع النفس معا فى نفس الوقت أو إضرارهما
وقد ضرب سارتر مثلا بان اختيار الإنسان لمسلك معين أى دين معين معناه أنه يلزم الإنسانية به فقال :
“وهكذا فإن مسئوليتنا أكبر بكثير مما نستطيع تقديره إذ تلزم الإنسانية كلها فإذا كنت عاملا وفضلت الانخراط فى نقابة مسيحية على أن أكون شيوعيا وكنت أريد من خلال هذا الانخراط أن أبين أن الحل الملائم للإنسان فى الواقع هو الخضوع وأن مملكة الإنسان ليست على الأرض فإننى لا ألزم نفسى فحسب بل أريد أن يكون خضوعى قدوة للجميع فيكون مسلكى بالنتيجة قد ألزم الإنسانية بأسرها ص34
التشريع :
سارتر فى كتابه أحس أن إلغاء وجود الله يعنى الفوضى فالبشر فى رأيه يتجهون نحو الوضاعة ومن ثم فهم بحاجة لتشريع صلب يقيهم الفوضى فقال :
” وتكشف التجربة عن كون الناس يتجهون دوما نحو الوضاعة بما يبرر الحاجة إلى هياكل صلبة نؤازرهم وإلا حصلت الفوضى ص24
وهو يكرر نفس المقولة وهو أن القيم أى الخير يزول بإلغاء وجود الله من نفوس الناس فيقول:
“تعتقد الوجودية على عكس ذلك أنه من العسير جدا إلغاء وجود الله دون أن ينجم عن ذلك زوال كل إمكانية لإيجاد قيم فى سماء عقلية فلن يكون هناك وجود قبلى للخير بما أنه لم يعد هناك فكر لا متناه وكامل من شأنه أن بصوره ليس مكتوبا فى أى مكان أن الخير موجود وينبغى أن نكون شرفاء وينبغى ألا نكذب بما أننا فى عالم لا يوجد فيه إلا بشر فحسب ص41
ويكرر نفس الكلام مستشهدا بدستوفيسكى قائلا:
“وقد كتب دستوفيسكى إذا كان الله غير موجود يصبح كل شىء مباح ………وإذا افترضنا من جهة أخرى أن الله غير موجود فإننا لن نجد أمامنا قيما أو أوامر تشرع تصرفاتنا ص42
ويناقض سارتر نفسه باختراعه حلا للذى جعله عسيرا وهو إلغاء وجود الله فى نفوس الناس وهو أن يبتكر الناس القيم فيقول:
“ولكن إذا كنت قد حذفت الله الأب فلابد بالضرورة من كائن لابتكار القيم يجب أن نتعامل مع الأشياء كما هى ومن ناحية أخرى فالقول بأننا نحن الذين نبتكر القيم لا يعنى شيئا أخر سوى هذا الأمر ص79
ويكرر نفس الكلام عن كون الإنسان هو المشرع لنفسه فيقول:
“يعلن الوجودى عن طواعية بأن الإنسان كائن قلق وهذا يعنى التالى أن الإنسان الذى بلتزم وينتبه إلى أنه ليس من يختار ما يكون عليه فقط وإنما يكون مشرعا يختار نفسه فى الوقت الذى يختار فيه الإنسانية برمتها لن يكون قادرا على الإفلات من الشعور بمسئولية تامة وعميقة ص35
وفى النهاية يبين سارتر المشكلة التى وقع فيها وهى أن الناس يشرعون لأنفسهم ومع هذا لن يجد الناس أنفسهم متفقين على تشريع ومن ثم سيعودون فى النهاية لفكرة وجود الله المشرع فيقول:
إنه يعلن على الأرجح حتى وإن كان الله موجودا فإن ذلك لن يغير شيئا هذه وجهة نظرنا وهذا لا يعنى أننا نعتقد أن الله موجود وإنما نعتبر أن المشكل ليس ذلك الذى يخص وجوده على الإنسان أن يوجد نفسه من جديد وبنفسه ويقنع نفسه أن لا شىء يمكن أن ينقذه من نفسه وقد يكون ذلك حجة صالحة على وجود الله ص83
ما قاله سارتر هو ما قول عليه العامة من الناس:
” يغنى ويرد على نفسه”
فالرجل أعادنا لنفس الكلام وهو أن لابد من وجود الله أى الكائن الأعلى فى رأيهم الذى يشرع للناس لأن الناس لو شرعوا لأنفسهم لن يتفقوا على قيم أى خير
خلق الإنسان:
رغم أن سارتر ينكر فى العديد من المواضع وجود الله وهو ما يعنى أنه لا يوجد خالق للخلق ومنهم الناس فإنه مع هذا يصر على أن الإنسان لم يخلق نفسه فيقول :
“وهذا ما أعبر عنه بالقول الإنسان محكوم عليه بالحرية محكوم عليه لأنه ليس هو من خلق نفسه “ص43
وهو يعبر عن ذلك بأن الإنسان لم يبدأ أى يخلق نفسه فيقول:
“فالإنسان يصنع نفسه إنه ليس ما هو بدءا إنه يصنع نفسه باختياره لأخلاقه ص71
وهذا يعنى أنه بعد أعلن عدم وجود خالق عاد وجعل هناك خالق لأن الإنسان لم يخلق نفسه وإنما خالقه هو الله
الإرادة:
الإرادة عن سارتر هى القرار الواعى فى قوله:
“ما نعنيه عادة بالإرادة هو القرار الواعى والذى هو بالنسبة للأغلبية منا لاحق لما صنعه من ذاته بنفسه ص32
وبالقطع هو كلام ناقص فالإرادة هى القرار سواء كان واعيا أو غير واعى وهى فى العبارة السابقة لاحقة للخلق فالخلق أى الصنع سابق عليها وهو ما يناقض كون الإرادة لاحقة للفهم أو ملازمة له فى قوله:
“فإننا نقبل دائما بأن الإرادة تتبع إلى حد ما الفهم أو على الأقل تلازمه ص29
القدر:
ينفى سارتر القدر أى علم الله المسبق بعمل الإنسان وهو ما يسمونه المستقبل المكتوب فى السماء فيقول:
“لكننا نقع فى الخطأ إذا فهمنا فقط من القول أن هذا المستقبل مكتوب فى السماء وأن الله يعلمه فهذا لن يكون البتة مستقبلا أما إذا عنينا من هذا القول أن أى إنسان يظهر يكون ثمت مستقبل عليه أن يصنعه مستقبل بكر ينتظره فعندئذ يكون اللفظ صحيحا ص44
وينفى وجود إله يقدر على أن يجعل العالم وممكناته متوافقا مع إرادة الإنسان فيقول:
“وانطلاقا من اللحظة التى تصبح فيها الممكنات التى اعتمدتها غير موظفة قطعيا فى عملى وجب على أن أهملها لأنه ما من إله أو تدبير باستطاعته أن يجعل العالم وممكناته متوافقا مع إرادتى ص52
وبالطبع سارتر كغيره من كثيرين لا يعرف أن القدر خفى لا يعلمه سوى الله والله لا يخبر أحد به ومن ثم فمقولة عدم التوافق التى يقول بها غير متحققة لكون هذا العلم خفى ومن ثم لا يمكن أن نعلن أننا عملنا غير إرادة الله المستقبلية لكوننا لا نعرفها
هذه هى النقطة التى أخطأ فيها من تكلموا عن نفى القدر والقرآن وضحها بقوله تعالى
“وما تشاءون إلا أن يشاء الله ”
فالمشيئتان متفقتان
الإنسان مشروع يعيشه على نحو ذاتى:
جعل سارتر الإنسان مشروع يعيشه على نحو ذاتى ليس قبله شىء ومع هذا ناقض نفسه بوجود قبل هو ما عزم الإنسان أن يكون عليه فقال:
“إن الإنسان هو قبل كل شىء مشروع يعيشه على نحو ذاتى عوض أن يكون زبدا أو قذارة أو قنبيطا لا شىء يوجد قبليا بالنسبة إلى هذا المشروع ولا شىء فى سماء المعقولات سيكون الإنسان قبل كل شىء ما عزم أن يكون عليه وليس ما رغب لأن يكون لأن ما نعنيه عادة بالإرادة هو القرار الواعى والذى هو بالنسبة للأغلبية منا لاحق لما صنعه من ذاته بنفسه ص32
فى الفقرة السابقة الإنسان قبل كل شىء ما عزم أن يكون عليه والعزم أى الإرادة ليست هى تصور الإنسان الذى يكونه فى قوله بالفقرة التالية:
“وهكذا فلا وجود لطبيعة إنسانية بما أنه لا وجود لإله يمكنه تصورها لا يكون الإنسان فقط على نحو ما يتصوره عن نفسه كما يريد لن يكون الإنسان شيئا أخر سوى ما يصنعه بنفسه بعد هذه الوثبة نحو الوجود ذلك هو أول مبدأ للوجودية ص31
فالتصور غير الإرادة
تشابه الخالق والمخلوق :
زعم سارتر تشابه الخالق والمخلوق فى الخلق المبنى على تفكير أولى ثم تنفيذ وهو قوله فى الفقرة التالية:
“وأن الله عندما يخلق يعرف على وجه الدقة ما يخلق وهكذا فإن مفهوم الإنسان فى ذهن الله مماثل تماما لمفهوم قاطعة الورق فى ذهن الصناعى والله ينتج الإنسان تبعا لتقنيات وتصور تماما مثلما يصنع الحرفى قاطعة الورق طبقا لتعريف ما وتقنية ما فالإنسان الفرد إذن يحقق مفهوما معينا موجودا فى ذهن الإله ص29
وهى مقولة لا يمكن أن تكون صحيحة فالخالق ليس كخلقه فى الصنع وهو الخلق فهو لا يفكر كما يفكر الناس ويتعبون أنفسهم حتى يتوصلوا للصحيح فالتفكير العلمى التجريبى يخطىء ويصحح والله ليس لديه خطأ وهو لا يعمل بنفس طريقة خلقه لكون واحد لا يتجزأ فنحن عندنا التفكير غير الإرادة بينما الكل فى الله واحد
المنزع الإنسانى:
وصف سارتر المنزع بالغموض فقال :
“إن هذا المنزع الإنسانى لهو غامض إذ بإمكان الكلب وحده ص80 أو الحصان أن يكون لديهما حكما إجماليا إن الإنسان ليعلنا أنه رائع وهذا ما لا يقدران عليه حسب معرفتى على الأقل ص81
وكيف يكون منزعا غامضا للناس وهو فى ذواتهم كما فى قوله فى الفقرة التالية:
“لا وجود لعوالم غير عالم الإنسان عالم الذاتية الإنسانية فرابطة التعالى هذه بما هى منشئه للإنسان لا بمعنى أن يكون فيها الله متعاليا وإنما بمعنى التجاوز ومنشئه للذاتية بالمعنى الذى يكون فيها الإنسان حاضرا على الدوام فى عالم إنسانى وليس منغلقا على ذاته هذا ما نسميه منزعا إنسانيا وجوديا منزعا إنسانيا لأننا نذكر الإنسان بأنه لا مشرع سواه وأنه فى الإهمال سيقرر بنفسه ما سيكونه هو منزع إنسانى لأننا نبين أن الإنسان سيتحقق بما هو إنسان على وجه الدقة لا بالعود على ذاته بل ببحثه الدائم عن هدف خارج ذاته هو هذا التحرر وهذا التحقق المخصوص ص82
العصر ما يتبعه البشر:
وضح سارتر أن البشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية فقال :
“نحن متفقون حول هذه النقطة لا توجد طبيعة إنسانية وبعبارة أخرى يتطور كل عصر تبعا لقوانين جدلية فالبشر يتبعون عصرا لا طبيعة إنسانية ص103
وهو كلام خاطىء فالناس يتبعون قوانين وليس زمنا هو العصر ومن يصنع القوانين عند سارتر فى مواضع عدة هم الناس فكيف يكون الناس يتبعون الزمن وهم من يشرعون القوانين المتبعة ؟
غاية الإنسان:
بين سارتر أن الإنسان ليس هو الغاية عند الإنسان الوجودى فقال:
“إن الإنسان الوجودى لا يجعل من الإنسان غاية إطلاقا لأنه دائما بصدد التحقق وليس لنا أن نعتقد فى وجود إنسانية يمكننا عبادتها ص81
والسؤال ما دام الإنسان ليس هو الغاية فلماذا هذا البحث وهذا الكلام عن وجوده وما يتعلق به ما دام ليس الغاية هو نفع الإنسان