|

كتاب بندر شاه ضو البيت – رواية لـ الطيب صالح

حول الكتاب
“حزنا عليه كأننا فقدنا نعمة السمع والبصر لأنه عاش بيننا مثل الطيف ومضى مثل الحلم، عشرة مواسم لا غير، خمسة أعوام، بحساب السنين، عمل فيها ما لا يعمله الناس في العمر كله، خير الدنيا انهمر عليه كأنه يقول للشيء كن فيكون. كان يزرع محاصيل الشتاء في الصيف والشتاء يعمل على مدار العام لا يكل ولا يفتر، جلب شتل النخل أشكال وألوان من ديار المحس لحد بلاد الربا طلب، وعلّم الأرض تنبت التنباك، وعلمنا زراعة البرتقال والمزن. نحن بين الموسم والموسم نرتاح، هو يسافر مع قوافل الجمال، مرة إلى ديار الكبابيش، ومرة إلى بربر وسواكن، وأحياناً إلى غاية حدود مصر، ويرجع محمل بالثياب والعطور وألوان من الأواني والمآكل والمشارب ما عرفناها في ود حامد من قبل. هو يكبر ونحت معاه نكبر، كأن المولى جل وعلا أرسله إلينا لتحرك حياتنا ويمضي في حال سبيله، بنينا بيوت الجالوص بدل القش، ال كان عنده غرفة عمل ثلاثة، وال ما عنده حوش عمل حوش. الجامع بنيناه من جديد ووسعناه وفرشناه بالسجاد والبساط هدية من “ضو البيت”. وهو بنى فوق القلعة بيت داخل بيت وديوان وراديوان، وحوش في بطن حوش، سبحان الله، تراها من بعيد كأنها مدينة بحالها، بعدما كانت الأرض خراب مهجورة طرف البلد. فاطمة بنت جبر الدار بكت عليه الدموع الغزار بكاء الناقل على الفصيل. كما نتذكر ماذا حصل عند المغيب ذاك اليوم. عمي محمود قال إنه يذكر أنه لمح ضو البيت كأنه معلق بين السماء والأرض يحيط وهج أخضر. بعد ذلك لا بذكر إلا أنه وجد نفسه على الشاطئ كأنه يستيقظ من حلم، والناس يتصايحون ويجرون مشتتين ها هنا وها هنا، وقال حسب الرسول إنه يذكر وهو بين الموت والحياة أنه رأى ضو البيت وكأنه في قلب الشفق الأحمر، يبتعد ويبتعد ويبتعد، وفجأة امتدت يد مارد من حمرة الشفق وانتزعته وحذفت به فإذا هو على الشاطئ استيقظ فإذا العالم ظلام والدنيا تصرخ “ضو البيت”.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *