| |

كتاب تدابير التاريخانية : الحاضرية وتجارب الزمان لـ فرانسوا هارنوغ

حول الكتاب
أن يوجد نظام الزمان، لا أحد يشك في ذلك، توجد نظم بالأحرى، تنوعت حسب الأمكنة والأزمنة، نظم هي من الإلحاح بحيث أننا نخضع لها من دون أن نقيها: من دون أن نريدها أو، نحن لا نريدها، من دون أن نعرفها أو مع معرتنا لها؛ نظراً إلى أنها تحصيل حاصل، نظمٌ نصطدم بها، إذ عملنا على معاكستها.
تبدو العلاقات التي يمارسها مجتمع مع الزمان في الحقيقة قابلة للنقاش قليلاً أو غير قابلة للتفاوض، في كلمة نظام نفهم على الفور التعاقب والقيادة: الأزمنة، بالجمع، تريد أولاً تريد؛ إنها تنتقم أيضاً، تقيم نظاماً كان قد قطع، تقوم بتحقيق العدالة، نظام الزمان يأتي على هذا النحو دفعة واحدة ليضيء تعبيراً كان من الوهلة الأولى غامضاً بعض الشيء: تدابير التاريخانية… وماذا عن تدبير التاريخانية ودلالية بالنسبة لحركة الزمان؟!…

إن دلالته لو كانت له دلالة محددة بصورة شديدة! فبوضعه مجرد أداة، لا يطمح تدبير التاريخانية إلى قول تاريخ العالم الماضي، وأقل منه أيضاً تاريخ العالم القادم، وبما أنه ليس كرونوزوفيا ولا خطاباً حول التاريخ، فإنه لا يفيد أيضاً في التشهير بالزمان الحاضر، أو في الحزن عليه، بل في إنارته في أفضل الأحوال.

ولقد تعلم المؤرخ الآن ألا يطالب بأيّ وجهة نظر مشرفة من علٍ، وهو ما لا يرغمه بأي حال العيش ورأسه في الرمال، أو في ملفات المحفوظات وحدها ملتزماً فترته، كما إنه لا يجهد أكثر في أن ينشط من جديد تاريخاً يحركه زمان فريد، منظم هو نفسه بإيقاع الحدث وحده، أو، على العكس، بتباطؤ المدة الطويلة أو شديدة الطول؛ لا مجال لحرمان الذات من كل مصادر الوضوح التي حملها الإعتراف بتعددية الزمان الإجتماعي.

من كل هذه الأزمنة المورّقة، المتداخلة، الحائرة، كلّ منها مع إيقاعه الخاص به، التي كان فرنان بروديل، وقد تابعه في ذلك كثيرة من الآخرين، مكتشفها المتحمس، لقد أغنت بصورة ملحوظة بتدقيقها وبتبعيدها إستمارة أسئلة العلوم الإجتماعية، وعلى فريضة تدبير التاريخانية وقد صيغت إنطلاقاً مما يعاصرنا.

أن تسمح ببسط إستفهام مؤرخ حول علاقتنا بالزمان، مؤرخ بمعنى أنه يتناول عدة أزمنة، بممارسته الذهاب والإياب بين الحاضر والماضي أو، وهو أفضل، المواضي شديدة الإبتعاد على وجه الإحتمال، سواء في الزمان أو في المكان، هذه الحركة هي خصوصيته الوحيدة.

بإنطلاقه، من مختلف تجارب الزمان، يريد تدبير التاريخانية أن يكون أداة كشفية، تساعد على الإدراك على نحو أفضل لا الزمان، كل الأزمنة أو كل شيء عن الزمان؛ بل بصورة رئيسة لحظات أزمنة الزمان، هنا وهناك، حين تفقد على وجه الدقة، تمفصلات الماضي والحاضر والمستقبل بداهتها.

أليست هذه أولاً “أزمة” الزمان؟ ستكون على هذا النحو طريقة أن تضاء من الداخل تقريباً تساؤلات اليوم حول الزمان، الموسومة بغرابة المقولات: هل نواجة ماضياً منسياً أم مذكوراً بوفرة مستقبلاً يكاد أن يختفي من الأفق أم قادماً منذراً، حاضراً لا يكف عن الإحتراق في الراهنية أو هو شبه ساكن، لا ينقطع؛ إن لم يكن خالداً؟ ستكون تلك أيضاً طريقة بإلقاء ضوء ما على السجالات العديدة، هنا وهناك، حول الذاكرة والتاريخ، والذاكرة ضد التاريخ، حول ما لا يكفي أبداً أو ما هو كثير أصلاً من التراث.

هكذا يحاول فرانسوا هارتوغ تحديد موقع تدابير التاريخانية كعلم من العلوم يطمح إلى وضع التجارب الإنسانية عبر التاريخ ضمن دائرة الزمان بأبعاده الثلاث وإلى ذلك فهو يقول: “والمقصود في ذلك جدلة جديدة بين تجارب الزمان وتواريخ هذه المرة (هذه الآونة) تتطور في حلظة أزمة الزمان والحاضر حاضر بصورة أكثر مباشرة، لكنه يديم طريقة الرؤية والفعل، والتقدم وهو ما صار طريقتي في العمل”.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *