| | | | | |

كتاب ثورة العقل (مدرسة بغداد الإنعزالية – دراسة فلسفية) لـ عبد الستار الراوي

 

adfe3 1853عنوان الكتاب: ثورة العقل (مدرسة بغداد الإنعزالية – دراسة فلسفية) 

 

المؤلف: عبد الستار الراوي


المترجم / المحقق: غير موجود


الناشر: دار الخلود للتراث


الطبعة: الأولى 1427 هـ / 2006 م


عدد الصفحات: 323



حول الكتاب:

كان للدور الثاني الذي مرت به حركة الترجمة أثره البالغ ليس في  انضاج مقولات الفكر المعتزلي وحده، وإنما في إنضاج عموم اتجاهات الفكر الإسلامي، فأصبح التعريب من مصادره الكثيرة هدفا لمفكري الإسلام ومثقفيه، فتعرفوا على أفلاطون وارسطو وغيرهما من فلاسفة اليونان. فيما بدأت الاتصالات تتسع حتى ترجموا أكثر وأهم التراث الاغريقي والفارسي والهندي سواء ما اتصل منه بالعلوم الصرفة، أم الصناعات، أم المذاهب والاتجاهات الفكرية، وقد مضى العقل العربي بدراية ووعي يقرأ هذا التراث الضخم يأخذ منه ويضيف إليه إضافات باهرة، ولذلك يمكن أن نبرهن في صدق وأصالة، على أن العرب لم يكونوا فقط مجرد نقلة للعلم اليوناني القديم أو لغيره من تراث الشعوب والأمم الأخرى، بل قد أسهموا في تقدم هذا العلم وأضافوا إليه إضافات ذات أهمية كبرى، والأهم من ذلك أنهم لم يبرعوا في هذا المجال نتيجة للصدفة العفوية، بل استناداً إلى قواعد ثابتة وتنظيم عقلي منهجي هو محك النظر في رسوخ العلم وأصالته لدى أصحابه، ولكن كان لا مناص من أن تبدأ نتائج الفلسفة اليونانية طرقها في خلق أثر تحليلي قوي في المعتقدات الإسلامية، فكان المتكلمون وفي طليعتهم المعتزلة أولى مفكري الإسلام شغفا بدراسة الفلسفة وفروعها ودقائقها، وكانت مدرسة بغداد أقرب المدارس التي تأثرت بحركة الترجمة الفلسفية منذ أن كانت لأحمد بن أبي داؤد ((أحد أبرز معتزلة بغداد)) ندوة علمية يؤمها كبار مترجمي الفلسفة، فضلا عن إفادة بشر بن المعتمر والمردار من قراءاتهم لفلسفة الاغريق الطبيعية، وكذلك الاسكافي والخياط والكعبي الذين بحثوا في شيئية المعدوم والمباحث الفيزيائية وعلاقتها بالسببية الإنسانية، بهدف اثبات خلق العالم من ناحية، والاقرار بعلية القوانين الطبيعية من ناحية ثانية، والتصدي بالحوار والمناقشة لخصوم الإسلام ومناهضي دعوته الحضارية.
 وبالقدر الذي أخذه معتزلة بغداد من الفلسفة الاغريقية أو أفادوا من خبراتها النظرية، فإن ذلك لم يكن ليعطي تبريراً مقبولا برميهم بتهم مبالغ فيها من لدى مخالفيهم الذين أظهروا قلقهم لظاهرة تعلق المعتزلة بالفلسفة وشغفهم بعلومها.
  وإذا كانت الطبيعة النقدية التي اتسم بها فكر المعتزلة منذ تأسيساته الأولى هو السبب المباشر في انتهاج هذه الحركة الطريق العقلي، فإنه بالضرورة السبب الذي دعاهم إلى استنباط حجج عقلانية ومنطقية من خلال قراءتهم الفاحصة والتحليلية لأوراق الفلسفة اليونانية، وبالقدر نفسه فأنه لم يكن بوسع هؤلاء أن يقفوا على الحياد في معركة أثارتها القوى الارتيابية ضد الإسلام وضد تعاليمه والتي عملت على نقض أصوله، فكان على المعتزلة أن تدخل هذه المعركة بل تعتبر نفسها الطرف الأول في مواجهة عموم الحركات المعادية، الزنادقة والثنوية والزرادشتية التي انتشرت على بعض منظمات الخلاة والشعوبية، هكذا تبدت مهمة الاعتزالية إزاء الأفكار الخيلة التي حاولت نقد ما جاء به القرآن الكريم، والتشكيك برسالة النبي (ص)، معتمدة في هجومها المنطق والفلسفة سلاحًا في تثبيت ادعاءاتها. ولذلك كله كانت مدرسة بغداد تسعى بجهد مفكريها في التصدي بحزم لهذه الحركات، فاستعانت بمثل ما استعان به الخصوم من اعتماد الأسلوب الجدلي، والاداة المنطقية، وصياغة لغة تحليلية لابراز ما يمكن في الدين من القوى والفضائل، وقد نجح البغداديون في إيقاف الغزوات الفكرية المعادية بل قضوا بتهافت مقالاتها.
وبقد النجاح الذي حققه معتزلة بغداد في حماية العقيدة الإسلامية المعبرة عن الروح الحضارية للعرب، فإن قراءتهم الفلسفية ومراجعاتهم على مواقفها، أفادتهم من غير شك في ترسيخ التقاليد العقلانية في تفكيرهم وفي بناء فلسفتهم المتحدة.
 
 

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *