|

كتاب خاوية – رواية لـ أيمن العتوم

حول الكتاب
هنا أعيش، على ما يسقط من السماء، في النهاية هذه ليست الحياة، نحن ننتظر حياة أخرى، كل المصائب يمكن احتمالها مالم تكن في الرأس، إن سَلِمت من وجع فيه فيمكن القول أن الأمور بخير”. كان المكان الذي لا يصلح لأن تبيت فيه الكلاب يبدو قبراً أقرب منه إلى مأوى.” كل أمجادنا تبخرت، مدينة الضباب تبدو كما لو أنها وهبتنا حُلماً لكنه سرعان ما حلّق بعيداً”. قال جلال. أجابه عادل حانقاً: “لاتقل ذلك. الحزن لا يكافأ بالحزن، نحن موعودون بالفرح في النهاية” . “وهذا الدمار الذي حلّ بسورية؟!!” . “كان يجب أن يحلّ، الأرض لا تُنبت إلا بعد أن تصبح خاوية، من وسط الخراب ستنبت الورود وسيكون بإمكان الاجيال التي لم تشهد قذارتنا أن تنقذ وطنها وتقوده إلى المجد” . “أنت متفائل جداً يا عادل” . “أتجدني في وضع يسمح لي بالتفاؤل!! لكن ما العمل، ليس أمامنا غير التفاؤل” . “والحرب؛ إنها لن ترحل حتى ترحل بكل شيء.. الحرب يوقدها شخص أحمق ويصلى بنارها شعبٌ بأكمله وبلادٌ بطولها وعرضها، ما من شيء يسوّغ جريمةً كهذه أبداً… ليست الحرب مرعبة بحدّ ذاتها أكثر من الرعب الناجم عن آثارها؛ الحرب يمكن أن تنتهي في سنوات، ولكن نتائجها لا تنتهي في قرون. ومع ذلك فلا مهرب من أن تشرق الشمس ولو طال الليل حتى ظنّ المألوم أنّه سرمديّ. تلفّت جلال حوله، كان كل شيء يبعث على اليأس والأسى، لا شيء هنا يدعو لأن تقاوم طوفان الخراب، أسهل الأمور أن ترمي نفسك فيه وترجل من هذا العالم. أدهشه أن يكون صديقه الدكتور عادل ظلّ محافظاً على روحه المقاومة بعد كل هذا، أين ذهبت أيام الرخاء في بريطانيا، طافت بخيالاته الذكريات الفاتنة، سكَنُهما معاً، دراستهما، لقاءاتهما تحت أشجار الزيزفون… تفوقهما على طلبة بريطانيا أنفسهم، حصولهم على أعلى الدرجاتـ تقدُّم عادل في الاختراعات، مجده وعبقريته التي وهبها من أهل بلاده. بلاده التي عاد إليها ليعمل في جامعاتها، جامعة دمشق؛ كله ذهب أدراج الرياح اليوم، كاد يبكي وهو ينظر إلى ثيابه الممزقة، وشعره الطويل المبّد الذي طال عهده بالماء، وجهه المتغضن الذي صيّرته المأساة عجوزاً.
قام عادل من مكانه ليتّقي نظرات جلال إليه. “سأطبخ لك طعاماً” . “أعرف أنك ماهرٌ في الطبخ من أيام لندن، ولكن هل لديك ما يؤكل؟!”… “الأرض تجود ببعض ما ينبته المطر، على أعشابها نعيش، هي الوحيدة التي لم ترضخ لقوانين الحرب”. أجابه جلال: “هذه ليست قصتك!” . “تريّث قليلاً، رواية المأساة يبدو أحياناً أوجع من المأساة نفسها!!” … هزّ كتفيه بلا مبالاة، استدار بوجه مكروب نحو جلال: “زوجتي قُتلت مع ثلاثة من أبنائي في قبر واحد، لم يكن هناك وقت ليصلي عليهم الآخرون معي… صليت وحدي، ورثيتهم وحدي، ودفنتهم وحدي… أتعرف ما معنى أن تدفن بعضك في التراب، جزءاً منك تواريه وأنت حي!! هكذا فعلت. صار الموت من بعدهم أمنية بالنسبة لي، لم يكن هناك من سبب واحد يدفعني للعيش فقد فقدت كل شيء….” توقف قليلاً، سمع جلال صوت نشيجه المحبوس. “سنعود أنا وأنت إلى الأردن، ٍسأجد لك عملاً محترماً يليق بك في أحسن المستشفيات، مكانك كطبيب مختص هو في أرقى المشافي لا هنا بين أنقاض الحجارة والصفائح الخرساء” . سمعه يقول بصوت حازم: “لن أتحرك من هنا بوصة واحدة!!” . “أنت تريد أن تعيش في كنف ذكرياتك ولا تريد أن تخرج من أسرها” . “كلّا يا جلال… كلّا، لو كنت أريد أن أغادر وطني لما عدتُ إليه من بريطانيا، ألم يكن ملمس العيش هناك أرق وألين!! إنها دمشق يا جلال مغروسة في القلب، وكل شبر يبعدني عنها يقرّبني من الرحيل أكثر، أنا الآن على حافة الحياة الآخرة، فما الفائدة من أتركها!!” . “لكن دمشق يا عادل هي الأخرى مذبوحة مخنوقة” . “صحيح، لكنها ستعيش، ستقاوم، وستنتهي هذه الحرب اللعينة… وسيعود الياسمين إلى دمشق، وأعود أنا إلى زواربها وحاراتها وبيوتها القديمة، وإلى رائحة أهلي فيها” …
في الليل أوقدا ناراً، بدا راهبين في صومعة معزولة عن البشر، يعيشان حياة خارج الفيزياء الكونية. جلسا صامتين طول الليل يحدّقان في النار دون أن يقولا كلمة واحدة، حين تسلل إلى عيونهم النعاس، قاما، اتخذا كل واحد منهما زاوية وخلدا إلى النوم. تقلّب جلال على جنبه أكثر من مرة، استلقى على ظهره، حدّق في النجوم البعيدة، كانت تتلألأ في الصفحة الكحلية قادمة إليها من أزمنة سحيقة لا يعلمها إلا الله، هجمت عليه صورة ابنه؛ تشكّلت في المخيال الذي يملأ الظلام، سمعه يغنّي، لم يفعل ذلك من قبل؛ إنه لا يملك لساناً، لكنه كان يغنّي في هدوء الليل أغنيات أمّه القديمة، أنصت إليه بقلبه، بكى، مسح دموعه بطرف أصابعه، أطلق تنهيدة طويلةً، حاول أن يحبس المزيد من دموعه، جاءه صوت عادل هادئاً مطمئناً: لا تحبسها، إنها جلاء مافي الصدور”.
آلام ومعاناة تختزنها الأعماق.. ويستمهلها الإنسان المثخن بجراح وطن يشهد ذبحة من الوريد إلى الوريد… فالوطن روح الإنسان إذا فقد مات.. الوطن كرامته إذا أهين لم يبق له منها شيء. الوطن جداره الأخير الذي يحمي روحه من الانهيار والعبث […]
تتقاطع حكاية الدكتور جلال مع حكاية صديقه الدكتور عادل عند مأساتهما الإنسانية، الاول مع أحزان تخترقه بسبب ولده الوحيد مع مرض التوحّد.. ومأساة عادل مع فقده لعائلته… إلّا أن وجع الوطن يبقى الأبرز. فمع انفتاح المشاهد الأولى للرواية يبرز ما لدى جلال و كطبيب من رهافة حسّ، وشعور إنساني جعله يندفع لأداء دوره كطبيب في أي بقعة من بقاع الأرض لإنقاذ الإنسان… لينحصر من ثم عمله؛ وذلك مع امتداد شرارة ثورات الربيع العربي، لانقاذ أبناء العراق وثم سوريا… إذ أن حينها بدأت السماء تنشقّ… وأخذت تبكي بكاءً مريراً، تحوّل بعدها النزيف إلى طوفان من الدماء، وضعت رقاب الشعوب في جغرافيا عديدة تحت المقصلة […] حينها مضى جلال في مسيرته الإنسانية، متناسياً معاناة ابنه.. فما شهده من معاناة الآرين كان أمضى وقعاً على قلبه ولتشاء الظروف فيلتقي وحين كان يؤدي دوره الإنساني في سوريا مع صديقه عادل فتمتزج معاناتهما الإنسانية المُستَمهِلَة إلى حين برء جراح الوطن.

نبذة الناشر:
نحاول الحياة في دوامة الموت أكانت أرواحنا منذورة للحزن !! كلا نحن الذين نغرقها في كأسه فليرحل الحزن إذن في قلوبنا دفقة التائقين إلى العيش وغمرة المشتاقين إلى الفرح فلم لا نفرح لم لا ترقص أرواحنا ؟ لم لا تغني شفاهنا ؟ لم لا تصفق قلوبنا وليكن ما يكون؟

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *