كتاب دولة على مفترق : تأملات في أوضاع العراق بين عامي 2003-2006المؤلف : شاكر الأنباري اللغة : العربية دار النشر : دار آراس للطباعة والنشر سنة النشر : 2011 عدد الصفحات : 280 نوع الملف : PDF |
ويصور المؤلف في مقدمة كتابه(عودة الى الجذور) المكان الذي ينمو نمو البشر، وملامح الطبيعة التي تتغير، والبنايات تتآكل، وتقوم واجهات جديدة، وقد احس وهو العائد الى العراق بعد غربة امتدت لأكثـر من عشرين سنة ان الانقطاع عن المكان الاول يحدث فجوة في الروح بعد سنوات من الغربة والنفي بعيدا عن الوطن والاهل والاصدقاء.
ويلفت الانباري الى ان العراق الجديد الذي جاء اليه يختلف كليا عن عراق ذلك الزمن الذي خرج منه الى ارض الله الواسعة، والجدة لم تأت بسبب التطور فقط، انما نتجت عن تفاعلات سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد حرّكت مياهها الساكنة هزات وزلازل حدثت في العشر سنوات الاخيرة من حياة العراقيين.
يتضمن الكتاب خمسة فصول رئيسة، بـ 205 صفحات من القطع المتوسط، ويجسد اوضاع المواطن العراقي الذي يختلس النظر نحو المستقبل حتى وان كان ذلك المستقبل مرسوماً برايات سود، فقد جرد ذات مرة من كل شيء، من حق التعبير، والسفر، والابداع، والصلاة، والكرامة، وجرد من انسانيته حين زج به في حروب وسجون ومناف، واصبح رقماً في معسكر اعتقال او سجن او ثكنة للتدريب والقتال.
ويصور المؤلف سمة الخوف التي اجتاحت البلد، في ظل انتشار الدبابات والمدرعات والجنود والطائرات القادمة من اميركا ودول التحالف، لم يكن للمواطن العراقي ذنب في جلبها الى مسقط رأسه، واصفاً الخوف بالوشاح الذي ينسدل على الارواح، في حين يصور بغداد وكانها فرن يصعب التكهن بما سيخرج منه، بعد انهيار النظام، وما رافق ذلك الانهيار من تحطم للدولة، والمؤسسات، ودخول القوات الاجنبية، انتشرت الفوضى مثل نار في بيدر، المتاحف سرقت، والدوائر استبيحت، والبنوك افرغت من المال، المخازن صودرت، حل الجيش والشرطة، وجلس الموظفون في بيوتهم، وتلك الاستباحة عادة ما اعادت الذهن الى الغزو المغولي، المكتبة الوطنية اصبحت اثراً بعد عين، وكل شيء اصبح خراباً في البلد.
ويناقش الانباري في كتابه حقيقة عجز المثقف امام جدار العنف الذي صار رغيفاً طازجاً لصباحات مغبشة، في العراق اليوم نادرا ما استهدف المثقفون، ويعتقد المؤلف ان وراء ذلك سر بالتأكيد، ليس حرصا او احتراما على الاطلاق، فالمسدس لا يحترم المثقف، ولكن ربما يعتقد اولئك الذين يمارسون العنف بكل أشكال حقيقة دور الثقافة الهامشي، وتفاهة المثقف ازاء جبروت العبوة الناسفة، والسيارة الملغمة، وطائرة الاباجي، وحرارة الطاقة الطائشة، وربما يدركون كذلك ان الثقافة العراقية وعلى امتداد عقود ظلت هامشية، نخبوية، ملفقة احياناً، لم تغير من الاحداث الكبيرة شيئاً.
ويستعرض الكاتب هموم المثقف العراقي متمثلة بافتقار بعض المحافظات الى الانشطة الثقافية، مروراً بأزمة الكتاب، بسبب الحصار الذي عانى منه العراق ابان تسعينيات القرن الماضي، والافتقار الى دور السينما الى استبدلت بالفضائيات ولاسيما مع اضطرار العوائل الى الانسحاب لبيوتها مع اولى اطلالات المساء، متنقلاً الى ازمة اخرى وهي زوال جداريات مهمة لفنانين كبار، اغلبها تشكل في تراكماته ثقافة مهيمنة هي ثقافة العنف.
وينتقل المؤلف من رواية مشاهد العنف والمعاناة التي شهدها العراقيون، الى التساؤل عن الثقافة وجدواها وقد فقدت الثقافة في العراق دلالة الفكرة الحرفية، فهناك كتب تطبع ولا تقرأ، ومعرض تشكيلي يفتقد لمرتاديه، ومسرح غاب عنه الجمهور، وشعر لا يتذكره أحد، فقد شاعت لغة اخرى في البلاد، لغة العنف بأشكال كثيرة السيارات الملغمة، والمواجهات المسلحة، والاغتيالات، والاختطاف، والتسليب.
ويفرد الانباري فصلاً خاصاً عن الانتخابات، باعتبارها اول تجربة ديمقراطية وانتخابات حرة في عراق ما بعد صدام، فالكتلة السالبة المسماة بالشعب نفضت الغبار عن صمتها وسارت في اكبر تظاهرة سلمية ضد العنف والقتل والاستلاب القومي والطائفي، لتدلي بصوتها لمن يمثلها في السلطة.
ويتناول الكاتب تفاصيل محاكمة رأس النظام السابق ومعاونيه، الذي كان في حينه حدث العالم أجمع، فقد نقلت وقائع جلسة محاكمته معظم المحطات التلفزيونية، اما في العراق وهو المعني الاول بتلك المحاكمة فان الاهتمام لم يكن اعلاميا فقط بل كان شعبياً اخذ امتداداته في كل بقعة من البلاد،. لتتواصل جلسات محاكمته مرات عدة، وتنتهي باصدار حكم الاحكام ضده.
وفي خضم التحولات السياسية التي جرت في العراق بعد سقوط النظام البعثي، يشير المؤلف الى تشكيل اول حكومة منتخبة دستورياً، اذ تشكلت الحكومة العراقية الدائمة برئاساتها الثلاث، واصبح الحديث يدور عن انطلاق عجلة الحركة السياسية مرة اخرى وقد توقفت او كادت لما يزيد على اربعة اشهر طوال من الاغتيالات والتفجيرات والجثث مجهولة الهوية وفرق الموت وتصاعد التوتر الطائفي، والحديث عن وجود او انطلاق ما يعرف بالحرب الاهلية.
وفي الفصل الاخير من كتابه، يصف المؤلف مظاهر العنف في دولة على مفترق، متمثلة بالسيارات الملغمة التي يجري تفجيرها في احياء العاصمة بغداد وبقية المدن العراقية، ناهيك عن حوادث الاحزمة الناسفة التي يستخدمها الانتحاريون لايقاع الضحايا، وعمليات الاعتداء المسلحة ضد افراد الجيش والشرطة وطوابير المتطوعين للانخراط ضمن صفوف الحرس الوطني.
وفي نهاية الكتاب، يتم طرح تساؤل : هل تقود الفيدرالية الى التقسيم؟ وتأتي الاجابة ان التجربة الفيدرالية في العالم العربي جديدة، ولا تمتلك الاحزاب السياسية سوى خبرة نظرية حولها، اما على الصعيد العملي فهي مستبعدة عموما، بسبب تهميش وتغييب الاثنيات غير العربية وعدم الاعتراف بحقوقها، مشيرا الى ان العيب ليس في مبدأ الفيدرالية انما في توقيته وتفاصيله، وجدواه.