|

كتاب دينيز : وردة وثلاث خيبات – رواية لـ أحمد حجازي

حول الكتاب
سكتُّ فجأةً وأنا أفكّر في ذاك الشّعور الّذي تملّكني، شعرتُ ببرودةٍ تعتري أطرافي، وأنّ معدتي تتشنّج، بدأتُ أشعر أن المكان يتلاشى تدريجيًّا أمام عينيّ، وأنّ الطاولة تهتزّ بشدّةٍ حتّى انقسمت لنصفين، لمحتُ العناكب تغزو الشّقّ الّذي ظهر فجأةً في الحائط المقابل لي، وتقترب منّي.
اختفتْ ملامح حنان كليًّا، لم يتبقَّ منها سوى طرف فستانها الأخضر الّذي أصبح يثير غثياني، ولمْ يتبقَّ من سكينة سوى قبّعتها الحمراء المزيّنة بالرّيش الأصفر، فتذكّرت تلك الدّجاجة الصّفراء الّتي خرجت من الثّقب ذاته تمشي على قدمٍ واحدةٍ، بعرجتها الّتي بدا لي لأوّل مرّة أنّها تشبه عرجة أمّي حقًّا، الّتي أخذتُ جلد لسانها في هذه السّهرة، أشدّ ما أخافني حينها أنّ آيدن وحده الّذي بقي واضحَ الملامح أمامي، بكلّ عنفوان، كأنّه الرّجل الوحيد الّذي لا يتلاشى ولا يتجزّأ، إمّا أن يحضر كاملًا أو يختفي كاملًا، أخافتني فكرة اختفائه بشكلٍ كاملٍ تلك، وأغضبتني فكرة خوفي من اختفائه.
ما الّذي يحدث في تلك اللحظة! لم أعدْ أعلم سوى أنّه الحُبّ، تعرَّقتُ من تلك الكلمة، وتأكدتُ حينها أنّ إحساس الحبّ لا يشبه ما يصفه الرّوائيّون في رواياتهم، ولا حتّى العشاق في جلساتهم، وأنّه لا يشبه بتاتًا ذاك الإحساس الّذي كنتُ أشعر به حيال جاد، جاد ذاك الشّاب الّذي كنتُ أشعر بالتّعاطف معه، والانجذاب لوجوده، الّذي تلاشى لحظة سفري، لم يكن إلّا شعورًا بالاختلاف لأنّه لم يشبه الرّجال الّذين صادفتهم في حياتي، أمّا آيدن الّذي ينظر إلي باستغرابٍ وكأنّه يراني أقع في بئرٍ ولا يستطيع أن يمدّ يده لي كان إحساسي نحوه غريبًا ومختلفًا، كان إحساسي شبيهًا بإحساسي لحظة هروبي من ضيعة كفر الّليمون وهروبي من الشّام، شبيهٌ بإحساسي أيّام فقداني أمّي، أو أيّام الحمّى الّتي كانت تصيبني لأيّامٍ ولا تغادرني، إحساسٌ ممزوجٌ بين الخوف من الفقدان، والاندفاع لبدايةٍ جديدةٍ، والحيرة!.
انسكب النّبيذ المثلّج في رأسي على مهلٍ، فشعرتُ وكأنّني أثمل على مهلٍ أيضًا، هدأت الحركة حولي، توقّفت العناكب عن الحركة، والدّجاجة الصّفراء عن العرج…

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *