كتاب مذكرات مصالي الحاج 1898 – 1938
كتاب مذكرات مصالي الحاج 1898 – 1938 |
عنوان الكتاب: مذكرات مصالي الحاج 1898 – 1938
المؤلف: مصالي الحاج
المترجم : محمد المعراجي
الناشر: منشورات ANEP
الطبعة: 2007 م
عدد الصفحات: 253
حول الكتاب
يطيب لي ويؤلمني في نفس الوقت أن اتحدث عن الوجه السياسي العملاق لحركتنا الوطنية ألا وهو : مصالي الحاج، وبالفعل، فإنه ناضل بدون انقطاع من أجل الاستقلال الوطني لبلادنا أكثر من ربع قرن. ومما لا مراء فيه، فإنه كان هو الذي أنشأ نجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري وأخيرا حركة انتصار الحريات الديمقراطية وأنه كان أهم منظمي هذه البنيات. ولكنه كان، مع الأسف، غائبا في الفترة الحاسمة من عملية قطع الأوصال الصريحة للمعضلة المتمثلة في هيمنة الدولة الاستعمارية الفرنسية على مجتمعنا. إن محاولات الحوار السياسي والثقافي التي بادر بها ممثلون فضلاء لشعبنا مثل حمدان خوجة والأمير عبد القادر وسي محمد بنرحال والأمير خالد والشيخ عبد الحميد بن باديس وفرحات عباس لم تؤد إلا لتخفيف الخناق بصفة ضعيفة ومؤقتة ((للعقدة الغوردية))، وهذا إن لم تقم الدولة الاستعمارية بإنهاء الموضوع وبكل بساطة بقمع وحشي أو بنفي من تجرأ على القيام بالحوار.ليس في نيتي بعد خمسين سنة من اندلاع حرب التحرير الوطنية أن أذكر الخلافات التي تمت بين مختلف فعاليات حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديموقراطية وقد كان ذلك أحيانا بصفة عنيفة وذلك عشية السنوات الأولى لحرب التحرير وخلالها. وقد حسم التاريخ في الأهم. بالفعل قد تم في إطار جبهة التحرير وجيش التحرير الوطنيين جمع شمل جل القوات الوطنية لشعبنا بغض النظر عن الانتماءات الحزبية وفي هذا الإطار قامت أمتنا بمعركتها الحاسمة واقتلعت الانتصار الأخير على الدولة الفرنسية التي مارست هيمنتها مدة مائة واثنيتن وثلاثين سنو (132). إن هذا الانتصار هو في الواقع انتصار رمزي لكل أجيال الجزائريات والجزائريين الذين قاوموا بشكل أو بآخر القبضة الحديدية الاستعمارية. وخصة فإن هذا الانتصار هو انتصار لكل الذين كانت لهم الجرأة في العمل، الجرأة في المبادرة بالهجوم لجعل النظام الاستعماري يتقهقر أو لتحطيمه وإن كانت هذه الأعمال غير منتظمة في غالب الأحيان أو كانت بمثابة الهمس. وبالتالي لو أن مصالي الحاج كان غائبا في المعركة الحاسمة، ولو أن مواقفه كانت في بعض الأحيان مضرة، فقد لا يكون من العدل بل قد يكون من الأخطاء الفادحة ألا نشركه اليوم، بعد أن هدأت الضغائن والأحقاد أو ما زالت تهدأ تدريجيا، في انتصار الأمة الجزائرية وفي الاعتراف بكيانها في شكل دولة وطنية.لقد ارتفع صوت قوي وجريء وراديكالي ضد الشك المعمم والخوف المشل الذي كان يكتنف الجزائر المسلمة في مشهد من الخضوع الظاهر. وهذا الصوت هو صرخة مصالي الحاج التي صدع بها ثلاث سنوات بعد ذهاب الأمير خالد إلى المنفى وهي بمثابة القفزة النوعية والتصورية والتنظيمية لحركتنا الوطنية.مع مصالي الحاج لم يعد استقلال الجزائر حلما أو مطلبا سريا، بل صار فكرة إجرائية وهدفا عمليا ومبدءا تنظيميا. فبفضل جرأة مصالي الحاج ومجهوداته العنيدة وفي البداية مع ثلة من رفاقه فقد صارت هذه الفكرة، المقصودة فكرة الاستقلال، المحور الذي يبنى عليه المجتمع الجزائري كل يوم أكثر.فالمذكرات التي بادرت الوكالة الوطنية للنشر والإشهار مشكورة بإعادة نشرها، تشهد على المسار الرائع لهذا الرجل الشاب المنبعث من عامة الشعب التلمساني والذي اختار السبيل غير المتوقع للمساهمة في الكفاح من أجل تحرير شعبه المسلم.فقد غادر الجزائر، وبدأ يعمل على تعبئة العمال المهاجرين حديثا إلى فرنسا وذلك بالاعتماد على الحركة الشيوعية الدولية، بالوقت الكافي ليستوعب من هذه الإيديولوجية المفاهيم الضرورية لصياغة برنامج للاستقلال الوطني بكيفية حرة والاستفادة مؤقتا من دعمها اللوجستي ومن سمعتها الدولية قبل أن يفارقها (أعني الحركة الشيوعية).يبدو أنه من المفيد التركيز على فترتين زمنيتين حيث كان مسار مصالي الحاج في أوج التئامه مع الآمال الدفينة لشعبنا.أولا في فبراير وخلال المؤتمر لمكافحة الإمبريالية المنعقد في بروكسل، طلق مصالي الحاج الحوار الثنائي المرير مع الدولة الاستعمارية وطالب بصفة صريحة وأمام شخصيات وفدت من جميع أقطار العالم بما يلي:1- الاستقلال الكامل للجزائر.2- الانسحاب التام لقوات الاحتلال.وثانيا في أغسطس من عام 1936 في الملعب البلدي بالجزائر العاصمة حيث فاجأ أطروحات الحوار التي اعتمدها المؤتمر الإسلامي عندما قال : ”هذه الأرض المقدسة، هذه الأرض المباركة ليست للبيع وليست قابلة أن ترتبط بأي كان. هذه الأرض لها أبناؤها ولها ورثتها وهم هنا أحياء يرفضون تسليمها لأي كان. وبالضبط فمن أجل هذا أتيت إلى هذا التجمع باسم نجم شمال إفريقيا، حزبنا وحزبكم الذي يناضل من أجل استقلال الجزائر … والآن يجب أن نتنظم وأن نتحد لنكون أقوياء، ولنكافح لتحقيق أهدافنا”.فمن أجل هذه الأزمنة أو على الأقل من أجل هذين الزمنين، فإن مصالي الحاج ينتمي بصفة نهائية وإلى الأبد إلى الفترة المضيئة من الذاكرة الجماعية الوطنية.