|

كتاب من الخيمة إلى الوطن – سؤال الثقافة في المملكة العربية السعودية لـ أ.د.عبد الله محمد الغذامي

حول الكتاب
كتاب (من الخيمة إلى الوطن-سؤال الثقافة في المملكة العربية السعودية) للأستاذ والدكتور عبدالله محمد الغذامي،هو من الكتب التي تناقش القضايا الفكرية والثقافية في شبة الجزيرة العربية،وفي كل تبويب من تبويبات الكتاب تطرح أسئلة ،ويحدث كثيرا أن تتم الإجابة عليها أيضا بأسئلة،والعديد من هذه الأسئلة تتكاتف مع بعضها وكأن كل منها يسلم الراية للآخر،فهي تساؤلات متصلة وإن إختلفت مفرداتها لإنها كلها تعيدنا لنقطة البدء في الحديث، وهي الثقافة في الخليج وبالتحديد في المملكة العربية السعودية.

في المقدمة يشكر كاتبنا زميله وصديقه الأستاذ علي محمد العمير على الدعم الوفير الذي تلقاه منه،فلولا مبادرة صديقه ربما لما وردت فكرة تسطير كتاب حول الثقافة لكاتبنا،فهو كان يكتب الأبحاث و المقالات و يشرح أفكاره في المحاضرات ولكن فكرة تجميع ما قاله وما كتبه في كتاب واحد لم تكن في باله،فإذا بصديقه يحثه على توثيق دراساته وآراءه وبذلك تكونت سلسة (الراصد)،وهي سلسلة ثقافية هامة،وفي المجتمعات الخليجية هناك ندرة في المحاولات التوثيقية،وما بين أيدينا منها غالبا ما يكون عبارة عن جهود فردية لبعض الرواد الخليجين،أو بقايا مخطوطات إستشراقية،أو أقوال شفوية لم يتم تسجيلها للآن، فكل من الكاتب وصديقه يستحقان التقدير والإشادة لما قاما به من مساعي تنمية فكرية…

ومن إحدى محاضراته يخبرنا الدكتور الغذامي عن قصة الخيمة و الوطن،ولكل من الكلمتين مدلول مميز عالق في ذهن المواطن الخليجي ،وأحيانا يختلط المفهومان ليتوحدا عند البعض،وليروي لنا الحكاية كما يريد شرع الدكتور الغذامي في تبيين ثلاثية :الإنسان والأرض واللغة،فالإنسان هو الفرد الخليجي وإبن الأرض،والأرض هي شبة الجزيرة العربية،أما اللغة فهي اللغة العربية،وقد تبدو لنا هذه العناصر واضحة في أول الأمر ولكن كاتبنا بين لنا الإشكاليات المتواجدة فيها،وهذه الإشكاليات كثيرا ما تغيب عن الأذهان ومن أهمها في عنصر الأرض هو إنتقال عاصمة الخلافة الإسلامية من الجزيرة العربية إلى عواصم أخرى كدمشق وبغداد و مدن أخرى كالقاهرة وأراضي أخرى كالأندلس ،وهذا الإنتقال ترتب عليه إهمال للدور الثقافي في شبة الجزيرة العربية وإن كان الضرر أقل في مكة المكرمة و المدينة المنورة،وقلة الضرر ترجع لطبيعة الإنفتاح فيهما كمدن تشد لها الرحال وتلتقي فيها ثقافات متعددة،أما بقية أراضي الجزيرة فلم يكن نصيبها وفيرا مثلها من الإضاءات الثقافية،وبهذا خسرت أرض شبة الجزيرة العربية إحتضانها للفكر السياسي و الثقافي في فترة كانت فيها البلدان العربية الأخرى تنهض فكريا وأيضا لغويا،فالجزيرة العربية التي ذاع صيتها كمنبت للغة العربية الفصحى لم تواكب التطورات التجديدية في مجال اللغة،ففي الواقع كانت اللهجات المحلية هي التي لها السيادة فيها وليس اللغة العربية الفصحى ،وسنلحظ بأن هناك خطب كبير في عنصري الأرض واللغة ،وسننتقل لعنصر الإنسان في أرض الجزيرة،وهنا سيدور النقاش حول القبيلة والقبلية،أي إننا سنتعرف على قصة “الخيمة” بتفصيل أكثر،فإبن الجزيرة يظهر لنا وكأنه غادر حياة البادية ظاهريا ولكن سنشعر من خلال وجهة نظر كاتبنا بأن أعرافها فعليا لم تغادره على الإطلاق،وكأن كل ما حدث هو تغيير أمكنة فحسب،فالكتاب يصور المواطن الخليجي على أنه ذلك المعتد بموروثه القديم الذي قد يجهل الكثير عنه،فهو معتمد على ما قيل له عن جذوره وأصوله وليس على ما إجتهد في معرفته والبحث عنه،وهو متيم بالشعر ولكن ليس بالشعر الفصيح وإنما النبطي،ومع كل تلك المفارقات كثيرا ما نسمع مطالبات من هذا المواطن بإعادة المكانة الثقافية والأدبية و السياسية والفكرية إلى أرضه،وهنا يتولد إحتقان بين ما يريده المواطن وبين ما يتمناه،فالمواطن يرى في النفوذ المادي المحقق من إكتشاف النفط وفي البوادر السياسة إمكانيات تمهد للعودة الثقافية،ولكنه أيضا يعيش واقعا جعل منه تلميذا وتابعا ثقافيا و ليس صانعا لفكره،فهو تاخر في اللحاق بالركب الفكري الحديث مقارنة بغيره من مواطني الشعوب الأخرى ومن ضمنها شعوب عربية،ويباغتنا الكاتب بالسؤال الأول في كتابه وهو سيكون الركيزة الأساسية لبقية الأسئلة،وهو سؤال الأستاذ محمد سرور الصبان لأهل الأدب في المملكة العربية السعودية :”هل من مصلحة الأمة العربية أن يحافظ كتابها وخطباؤها على أساليب اللغة العربية الفصحى،أو يجنحوا للتطور الحديث ويأخذوا برأي العصريين في تحطيم قيود اللغة،ويسيروا على طريقة حديثة عامة مطلقة؟”،والسؤال تم طرحه في فترة حكم الملك عبدالعزيز آل سعود التي كانت فيها توجه للتعليم وإنشاء للمدارس،وقد كانت حملات معارضة ساخطة من قبل جماعات من أهالي الممكلة العربية السعودية لتدريس اللغات الغير عربية و الرسم والجغرافيا في المدارس السعودية،فهم كانوا يرون بإنها مخالفة لتعاليم الدين الإسلامي،وبعد محاورات تم التثبيت على تدريس تلك المواد حتى مع إستمرار بعض الآراء في معارضتها لذلك،وبعد ذلك يأتينا تصريح هو أشبه بالتساؤل والسؤال المشاغب من قبل الأستاذ محمد حسن عواد قال فيه :”ليغضب السيد سيبويه وليرض الذوق العربي الفصيح”،فهو رغب في السير في خطى الحداثة الأدبية و الثقفية بأسرع وقت ممكن ،وهو متأثراً بأعمال كتاب وافقوا فكره ورأيه من سوريا ومصر ولبنان ،صادف أن يتزامن قول الأستاذ محمد حسن العواد وكتابه (خواطر مصرحة) مع كتاب ما تزال أفكاره محل شد وجذب ،وهو كتاب (الشعر الجاهلي) للدكتور طه حسين،وهي كلها أراء تنصب في السعي إلى التغيير،وأحيانا نشعر بأن مساعيهم جذرية في شكلها وربما أيضا في مضمونها،وعندما تمت محاربة أفكار الأستاذ محمد حسن العواد،قال الملك فيصل آل سعود :”إنما هي أفكار كتبت بالقلم ..فإذا أردتم أن تحاربوه .فحاربوه بنفس السلاح الذي حاربكم به..وهذه آراؤه وتلك حججه..فالمجال مفتوح أمامكم”،فالفكر يرد عليه بالفكر،والرأي يجابهه الرأي،والقول يصارعه القول،ومن ثم أتت محاولة للموازنة بين القديم و الحديث تحت مصطلح “الحداثة”،وهي محاولة خطها الأستاذ علي محمد العمير في كتابه (الأصالة والمعاصرة)،وبعد ذلك تكلم الدكتور الغذامي عن زيارة الأديب أمين الريحاني للملك عبدالعزيز آل سعود ،وفي تلك الزيارة قام الأستاذ الريحاني بدور الباحث عن المعرفة وأيضا الأديب المؤرخ،فسجل ودون ما رآه وسمعه من الملك معنونا ما دونه في ثلاثة عناوين،وهذه التدوينات تفصيلية وفيها دقة ملاحظة كبيرة للتعرف على الملك كإنسان وكصاحب رؤية مستقبلية لنهضة وطنه،وناقش الدكتور الغذامي أيضا قضية العمى في المعاني،فهناك حيرة وتخبط عند البعض في العثور على أهداف لكلامهم،وأخبرنا عن دور الصحف كناقل للمعلومات والأخبار و الآراء في الخليج،وهنا نقل لنا بيت للشاعر أحمد شوقي قال فيه:”لكل زمان مضى آية وآية هذا الزمان الصحف”،فبالرغم من تنامي دور الصحف في أول ظهورها و إرتفاع نسبة من يستقون الأخبارمنها،ولكنها ذات مفعول نفعي مؤقت كما أن مصداقية ما تنقله أصبحت مقلقلة من وجهة نظر بعض شرائح المجتمع،فالخبر قد يختلف وفق إسم الصحيفة،والمقالة قد تتلون حسب أحدث التوجهات لكاتبها !

كتاب (من الخيمة إلى الوطن-سؤال الثقافة في المملكة العربية السعودية) للأستاذ والدكتور عبدالله محمد الغذامي،فيه عتب فكري صيغ كسؤال لتدارك ما تبقى من وقت نهضوي .

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *