|

كتاب عائد إلى حيفا – رواية لـ غسان كنفاني

حول الكتاب
حين وصل “سعيد س” إلى مشارف حيفا، قادماً إليها بسيارته عن طريق القدس، أحس أن شيئاً ربط لسانه، فالتزم الصمت، وشعر بالأسى يتسلقه من الداخل، وللحظة واحدة راودته فكرة أن يرجع، ودون أن ينظر إليها كان يعرف أنها آخذة بالبكاء الصامت، وفجأة جاء صوت البحر، تماماً كما كان. كلا، لم تعد الذاكرة شيئاً فشيئاً بل انهالت في داخل رأسه، كما يتساقط جدار من الحجارة ويتراكم بعضه فوق بعض.
لقد جاءت الأمور والأحداث فجأة، وأخذت تتساقط فوق بعضها وتملأ جسده. وقال لنفسه أن “صيغة” زوجته، تحس الشيء ذاته، وأنها لذلك تبكي. منذ أن غادر رام الله في الصباح لم يكف عن الكلام، ولا هي كفت، كانت الحقول تتسرب تحت نظره عبر زجاج سيارته، وكان الحر لا يطاق، فقد أحس بجبهته تلتهب، تماماً كما كان الإسفلت يشتعل تحت عجلات سيارته، وفوقه كانت الشمس، شمس حزيران الرهيب، تصب قار غضبها على الأرض. طوال الطريق كان يتكلم ويتكلم، تحدث إلى زوجته عن كل شيء، عن الحرب وعن الهزيمة وعن بوابة مندلبوم التي هدمتها الجرارات. وعن العدو الذي وصل إلى النهر والقناة ومشارف دمشق خلال ساعات.

وعن وقف إطلاق النار، والراديو، وتهب الجنود للأشياء والأثاث، ومنع التجول، وابن العم الذي في الكويت يأكله القلق، والجار الذي لم أغراضه وهرب، والجنود العرب الثلاثة الذين قاتلوا وحدهم يومين على تلة تقع قرب مستشفى أوغستا فكتوريا، والرجال الذين خلعوا بذاتهم وقاتلوا في شوارع القدس، والفلاح الذي أعدموه لحظة رأوه قرب أكبر فنادق رام الله. وتحدثت زوجته عن أمور كثيرة أخرى، طوال الطريق لم يكن عن الحديث والآن، حين وصلا إلى مدخل حيفا، صمتا معاً، واكتشفا في تلك اللحظة أنهما لم يتحدثا حرفاً واحداً عن الأمر الذي جاءا من أجله! هذه هي حيفا إذن، بعد عشرين سنة”. “عائد إلى حيفا” ربما تكون في نصها عمل أدبي روائي، إلا أنها في نصها الإنساني تجربة عاشها غسان كنفاني وعاشها كل فلسطيني، تجربة جرح، وجرح وطن، وعذابات إنسان، قهر وظلم وحرمان، ومتشرد، لاجئ حيناً، ملتجئ أحياناً، إلا أنه دائماً وأبداً يحمل أمل العودة إلى ذاك الوطن الساكن في الوجدان.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *