كتاب أولياء الجمهورية – تشريح الاقتصاد العسكري المصري
كتاب أولياء الجمهورية – تشريح الاقتصاد العسكري المصري المؤلف :يزيد صايغ اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2019 عدد الصفحات : 323 نوع الملف : مصور |
تحتّل المؤسسة العسكرية في مصر شطراً من الاقتصاد الوطني أقل بكثير مما يُعتقد عموماً. بيد أن استيلاءها على مقاليد السلطة في العام 2013 وما تلاه من صعود نجم الرئيس عبد الفتاح السيسي، غيّرا دوره على صعيدَي النطاق والحجم، وحوّله إلى طرف اقتصادي فاعل يحظى باستقلالية تمكّنه من إعادة تشكيل الأسواق والتأثير على سياسات الحكومة واستراتيجيات الاستثمار.
تُنفّذ المؤسسة العسكرية مشاريع بنى تحتية كبرى، وتُنتج سلعاً استهلاكية تتراوح من المواد الغذائية إلى الأدوات المنزلية، وتصنع كيماويات صناعية وأجهزة نقل، وتستورد سلعاً أساسية للأسواق المدنية. وهي تمتد إلى قطاعات جديدة بالغة التنوّع كالتنقيب عن الذهب، وإنتاج الصلب، وإدارة الأوقاف الدينية والحج. وفي موازاة ذلك، يستفيد آلاف كبار الضباط المتقاعدين من النفوذ السياسي الكاسح للمؤسسة العسكرية لاحتلال مناصب عليا في كل أرجاء الجهاز المدني للدولة وشركات القطاع العام، مُكملين بذلك دائرة الاقتصاد العسكري الرسمي، فيما ينتفعون في الوقت عينه.
تفاخر المؤسسة العسكرية بأنها حائزة على مهارات إدارية راقية وإنجازات تكنولوجية، وتدّعي أنها تعمل كرأس حربة للتنمية. بيد أن دورها هذا له ثمن فادح. إذ أنها تستنسخ ريعية الاقتصاد السياسي المصري، وتفيد مثلها مثل نظرائها المدنيين (في كلٍ من القطاعين العام والخاص) من بيئة تسمح لها فيها الجوازية القانونية، والتعقيد البيروقراطي، والسلطات الاستنسابية بحيّز واسع للافتراس والفساد. إن العسكر في أفضل الأحوال مهندسون جيّدون لكنهم اقتصاديون سيئون. وهكذا، فإن الطفرة الهائلة للمشاريع العملاقة في الإسكان والبنى التحتية العامة التي أدارتها الهيئات العسكرية منذ العام 2013، أسفرت عن حجم كبير من الرساميل العقيمة والأصول المجمّدة، الأمر الذي حوّل الاستثمار والموارد بعيداً عن قطاعات اقتصادية أخرى.
والحال أن استحكام الاقتصاد العسكري ضار للسياسات الديمقراطية في مصر، مهما كانت شوائب هذه الأخيرة. وبالتالي، يتعيّن عكسه في معظم القطاعات، وتقنينه في قطاعات أخرى مُنتقاة، ووضعه تحت سلطة مدنية واضحة، هذا إذا ما أرادت مصر أن تحل مشاكلها البنيوية الحادة والكأداء التي تعيق مسيرة تنميتها الاقتصادية والاجتماعية، وتقف سداً منيعاً في وجه الانتاجية والاستثمار، وتقوّض ديناميكيات السوق، وتشوّه نمو القطاع الخاص. والواقع أن أي حكومة مصرية لن تستطيع ممارسة الإدارة الاقتصادية الفعّالة، إلى أن يتم وضع حد لشبكات الضباط غير الرسمية في كلٍ من الجهاز البيروقراطي المدني، وشركات القطاع العام، ودوائر الحكم المحلي.
وفي هذا السياق، فإن التقديرات الوردية حول المؤشرات الاقتصادية الكبرى في مصر، التي يُصدرها مسؤولون مصريون ونظراؤهم في الحكومات الغربية والمؤسسات المالية الدولية، تغضّ الطرف عن المشاكل الأساسية الكامنة في الانتاجية والابتكار الخفيضين، وفي القيمة المضافة المحدودة، وفي الاستثمارات غير الكافية في معظم القطاعات الاقتصادية. ربما يأمل هؤلاء المسؤولون بأنه سيكون بمستطاع السيسي، بطريقة ما، بناء دكتاتورية تنموية ناجحة، ما قد يفسّر أسباب قفزهم فوق المضاعفات الاجتماعية لمقاربة حكومته الاقتصادية، ولقمعها العنيف للحريات السياسية والاجتماعية، ولخروقاتها الفادحة لحقوق الإنسان. اللازمة هنا هي الاعتقاد المكين بأن المؤسسة العسكرية هي طرف فاعل اقتصادي وإداري جيّد، كما تزعم هي نفسها، وبأنها ستنسحب من حلبة الاقتصاد حين يكتمل نموّه. بيد أن الاتجاهات الراهنة تشي بأن السيسي سيبقى أسير شركائه الأساسيين في الائتلاف الحاكم، ورهينة الاندفاع العسكري إلى زيادة وتيرة الانخراط في الاقتصاد.