| |

كتاب الإخوة كارامازوف – رواية

وصف الكتاب

كتاب الإخوة كارامازوف – رواية تأليف دوستويفسكي ترجمة سامي الدروبي.

إبداع دوستويفسكي هو ظاهرة تاريخية، من ظواهر الوجود الروحي للبشرية… ظاهرة تهز الوجدان دائماً حين تلتقي بها… ويبدو أنه بقدر ما يوجد قرّاء توجد تصورات “لدوستويفسكي الحقيقي… وبقدر ما توجد دراسات توجد تفسيرات مختلفة، ومتعارضة بشدة أحياناً، لروح ومغزى رواياته اتي كانت نوعاً من النبوءات والرؤى…

“الكلمة… الكلمة عمل عظيم”… هكذا كان يحلو لدوستويفسكي أن يردد، فكم من مرة بُعثت الكلمة البشرية، “هل تدرون – يسأل دوستويفسكي – أي قوة يبلغ “الإنسان الواحد”: رفائيل، شكسبير، أفلاطون؟… إنه يبقى ألف سنة ويبعث العالم…”.

إن النظرة إلى الكلمة بإعتبارها فعلاً تكمن في أساس جميع روايات دوستويفسكي التي تمثل مواعظ ملتهبة العاطفة لفنان مفكر، وقد أدرك دوستويفسكي مذهبه الواقعي بإعتباره “واقعية نبوئية” وسماه “الواقعية بأسمى معانيها”…

ثمة من قال إن الكاتب كشخصية مبدعة “يموت” في كلمته… بيد أن هذا “الموت” ينطوي على الأساس الوحيد لخلوده الشخصي، فمؤلفاته هي كلمته المتجسدة… كلمته التي أصبحت جسداً خالداً.

إن وعي دوستويفسكي الحساس بأسرار الوجود البشري قد دقق غير مرة في حكمة العبارة المسيحية القديمة: “الحق الحق أقول لكم، إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتَمُتْ فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير”… هذه الكلمات يضعها دوستويفسكي في مستهل رواية “الإخوة كارامازوف” بعد مضي سنوات طويلة، وستحفر هذه الكلمات فيما بعد على التمثال المقام على قبره، وكذلك فيما بعد ستكون خطبته الظافرة: “كلمة عن بوشكين” وروايات “المراهق” و”الشياطين” و”الأبله” و”الجريمة والعقاب” و”ذكريات من منزل الأموات”…

تلك الروائع العظيمة التي أبدعتها عبقرية الفنان وتجعله الجبار وقلبه الكبير… قال دوستويفسكي ذات مرة متحدثاً عن رواية “دون كيخوت” لسرفانتس، وهي من أحب الكتب إليه: “أوه، هذا كتاب عظيم، ليس مثل الكتب التي يكتبونها الآن. إن أمثال هذه الكتب ترسل إلى البشرية كتاباً واحداً كل بضه مئات السنين… ويمكن ودون تردد وضع روايات دوستويفسكي في عداد مثل تلك الروائع، وربما في المقام الأول روايته “الإخوة كارامازوف” التي تعتبر أكمل خلاصة “دوستويفسكية” عن رأيه في الحياة…

ولا بد من الإشارة إلى أن دوستويفسكي يعدّ من أعقد الكتّاب، فالكلمة لديه دائماً ذات أغوار، وهي متعددة الجوانب، ودائماً على صلة لا تكاد تمسّ بمجمل النظام الفكري والصوري لرواياته وفي تفاعل معه وتكشف مختلف مستويات الإدراك والتفكير والتقدير لنفس الواقعة أو الحدث… إلخ.

وفي هذا الصدد فليس من السهل فهم دوستويفسكي فهماً عميقاً وليس من النادر أن تفسّر تفسيراً سطحياً، وأحياناً تفسيراً خاطئاً، روح إبداع هذا العبقري الدوس ونظرته إلى العالم، ولكن، وبالعودة إلى رائعته “الإخوة كارامازوف”، هل سيتمكن القارئ، والقارئ الأجنبي خاصة، من النفاذ ولو إلى “الطبقة العليا السطحية” من العالم الفكري الصوري لهذه الرواية؟… سيرى مثلاً في الإسم “إليكسي”.

لذلك الشاب “الواقعي” الذي عاش في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، هل سيرى فيه مثله الداخلي، ذلك المدعو “العكسي حبيب الله” الذي تتحدث عنه السير الدينية للقرون الوسطى (وهو الشخصية الشعبية المحبوبة)، البطل المقرب من دوستويفسكي؟…

وهل سيحس القارئ الأجنبي في إسم سمير دياكوف برائحة ذلك التحلل والتعفن المتمثلة بصورة ساطعة في فكرة هذه الشخصية بصفة عامة (الإسم مشتق من فعل “سمير ديت” ويعني: يطلق رائحة عفنة)؟… وهل سيفطن القارئ إلى الرابطة، التي تبدو حتى غير واعية ولكنها حتمية، بين اسم ديمتري وبين الأرض ديمترا، آلهة الخصب الإغريقية، وليس مجرد أرض، بل الأرض الأم؟…

وإلى ذلك، فإن فهم جوهر مثل هذه الصور الشعبية التي تحدد مجمل البناء الفكري – الأخلاقي للمؤلفات والتي تمثل نوعاً من المراكز العصبية المتميزة لجسد الروايات الحي… هذا الفهم هو وحده الذي سيتيح للقارئ أن يدرك الفكرة الرئيسية للكاتب، المتجسدة في لغز أسلوبه ذاته – الفكرة القائلة بأن المخرج الوحيد من فوضى الواقع يمر عبر الإنبعاث في الشعبية… هذه الفكرة التي نادى بها دوستويفسكي وتنبأ بها في مؤلفاته.

وفي عالم دوستويفسكي الفني يتصارع الخير مع الشر، والحقيقة مع الزيف صراعاً لا يعرف المهاونة، ويدور هذا الصراع في جميع المجالات… وعلى جميع المستويات… من البناء الهيكلي لرواية “الأخوة كارامازوف” إلى العبارات الرمزية المحمّلة بالدلالات… وجميع هذه المجالات والمستويات للبناء الفكري – الصوري للرواية ترتبط فيما بينها بعلاقات متبادلة ضرورية يشترط بعضها البعض، وجميعها يمثل بهذا الشكل أو ذاك نحو المركز، نحو قلب الرواية – نحو أسطورة المفتش الأكبر… وهذه العلاقات ليست علاقات خارجية، حديثة، بل داخلية، تكاد تكون روحية.

وأخيراً يمكن القول بأن أبطال دوستويفسكي ليسوا على صلة بعصرهم وبيئتهم فحسب بل وبحياة العالم كله، وفي هذا الصراع الأزلي والشامل بين “ما للأمر” و”ما عليه”.

في عالم دوستويفسكي يفتش الباحثون عن مفتاح شخصية هذا الروائي وإبداعه، ويركز معظم إهتمامهم بهذا الصراع، وكأنما عالم الكاتب لا يمثله سوى الأضداد المتصارعة، وكأنما لا يوجد هناك وسط، بل مجرد فراغ.

 

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *