كتاب الفلسفة الشرقية القديمة
كتاب الفلسفة الشرقية القديمة المؤلف : مصطفى حسن النشار اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2012 عدد الصفحات : 200 نوع الملف : مصور |
جرت عادة المؤرخين للفكر الفلسفي في الغرب والشرق على حد سواء وبإستثناءات قليلة على أن يبدأوا تاريخ الفلسفة من الفيلسوف اليوناني طاليس الذي عاش فيما بين القرنين السابع والسادس قبل الميلاد.
والحقيقة التي كشفت عنها الدراسات الحديثة في الفكر الشرقي القديم أنه نقطة البداية الحقيقية للتفكير الفلسفي، فالفكر العقلاني للإنسان بدأ منذ بداية ظهور الإنسان على الأرض فأيا ما كان الإنسان وأيا ما كانت البيئة التي ظهر فيها على وجه الأرض فهو بلا شك قد فكر في قضايا الوجود والألوهية وأصل العالم الطبيعي.
صحيح أن التفكير العقلي في هذه القضايا اختلط في بداياته بأنواع أخرى من التفكير الأسطوري والخرافي لكن العقل الإنساني تخلص من الأسطورة والخرافة شيئاً فشيئاً ليفسح المجال بشكل تدريجي للتفكير العقلي المجرد، للتفكير العقلي التحليلي والنقدي.
لقد حدث هذا التطور جميعه لدى مفكري الشرق القديم سواء في مصر أو في الهند أو في الصين أو في بلاد فارس أو في بلاد ما بين النهرين قبل أن ينتقل من هذه الحضارات إلى بلاد اليونان أو بعبارة أخرى قبل أن نشاهد نفس هذا التطور لدى مفكري وفلاسفة اليونان.
من هنا، فإن دراسة الفلسفة في الشرق القديم ضرورية لمعرفة كيف بدأت التجربة الفلسفية لدى أول الحضارات الإنسانية متمثلة في حضارات الشرق القديم المختلفة، وكيف بدأ العقل الإنساني يبحث عن الحقيقة في كل نواحي الوجود والحياة.
ولعل تلك الحقيقة هي ما جعلنا في هذا الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ نركز على الفكر الفلسفي في مصر القديمة باعتبارها النموذج الأصلي الأول لنشأة الفكر الفلسفي في العالم القديم وإن كنا بالطبع لم نغفل الحديث عن أهم معالم الفكر الفلسفي في حضارات الشرق القديم الأخرى في الهند وفارس والصين وبلاد ما بين النهرين (العراق القديم). إنها كلها حضارات ساهمت بنصيب في الفكر الفلسفي الإنساني ولا يصح تحت أي مسمى وبدون أي سند أن نهمل دراسة أصول فكرنا الشرقي القديم لنظل نردد مع المرددين أن الفكر الفلسفي معجزة غربية نشأت في بلاد اليونان منذ القرن السادس قبل الميلاد. إننا بذلك نكون قد أخطأنا في حق أنفسنا وفي حق الموضوعية العلمية في آن واحد.
إن أصل الفكر الفلسفي وأصل الفكر العلمي هو الشرق القديم وليس اليونان. إن التاريخ المكتوب للحضارات الشرقية القديمة يعود إلى حوالي القرن الأربعين قبل الميلاد، بينما لم يكن لبلاد اليونان وجود أصلاً في ذلك التاريخ. فكيف نتصور أن الإنسان ظل خلواً من التفكير العقلي الفلسفي أو العلمي كل هذه القرون ليبدأ فقط مع اليونان وفي القرن السادس قبل الميلاد!!
إن دراسة فكرنا الشرقي القديم وتحليل نصوصه بعد التنقيب عن ما لا يزال مختفيا منها هو واجب علمي على أبناء تلك الحضارات الشرقية قبل أن يكون واجبا على مؤرخي الحضارة من الغربيين. والحقيقة التي أود الإشارة إليها أن لهؤلاء المؤرخين والآثاريين الغربيين كل الفضل في الكشف عن وثائق وبرديات الحضارات الشرقية القديمة وفي لفت الأنظار إلى أهمية الحضارات الشرقية القديمة ودورها الخطير في التأثير على نشأة الحضارة الغربية في بلاد اليونان. وما نفعله نحن الآن هو مجرد تأكيد على هذا الاتجاه في العودة إلى التأريخ الفلسفي بدءا من مساهمات الحضارات الشرقية القديمة رافضين خرافة المعجزة اليونانية في نشأة الفلسفة والعلم.