كتاب الميتافيزيقا
كتاب الميتافيزيقا المؤلف : بدر الدين مصطفى – غادة الإمام اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2012 عدد الصفحات : 313 نوع الملف : مصور |
كلمة الميتافيزيقا مشتقة من الكلمة الإغريقية (Metata Physika) وتعني حرفيا (ما بعد الطبيعة) وقد استعملها الفلاسفة في العصر الهلنستي والشراح المتأخرون “ليشيروا بها إلى مجموعة نصوص غير معنونة تعود لأرسطو طاليس تعرف الآن بـ(الميتافيزيقا), وكان أرسطو نفسه يسمي موضوعات تلك النصوص بالفلسفة الأولى أو علم اللاهوت, ويسميها أحيانا بالحكمة”.
وقد سماها “بالفلسفة الأولى” تمييزا لها عن الفلسفة الثانية وهي العلم الطبيعي عنده، وبـ “الحكمة” لأنها تبحث في العلل الأولى إطلاقا، لا الأولى في جنس من الأجناس وبـ “العلم الإلهي” لان أهم مباحثها هو الله باعتباره الموجود الأول والعلة الأولى للوجود”. ولذلك نجد أن معناها عند الفلاسفة المسلمين أصبح مقابلاً لمفهوم (الإلهيات).
والثابت تاريخيا أن الكلمة الإغريقية الأصلية لم يستعملها أرسطو وإنما كانت من وضع تلميذه (اندرونيقوس الرودسي) في القرن الأول قبل الميلاد عندما صنف مؤلفات أرسطو فجاءت تلك النصوص بالتصنيف بعد البحوث الطبيعية.
ومن هنا جاء معناها الحرفي (ما بعد الطبيعة) وفيما بعد أخذ فلاسفة العصور الوسطى هذا العنوان” ليشيروا به إلى الموضوعات التي ناقشها أرسطو في (الميتافيزيقا) بوصفها موضوعات تأتي بعد الموجودات الطبيعية ولا تعرف بالإدراك الحسي ولهذا نجد أنها أكثر صعوبة على الفهم”.
وقيل أن اندرونيقوس قد أراد بإطلاق هذا الاسم (ميتافيزيقا) للدلالة على موضوع دراساتها، بمعنى “أنها تبحث فيما وراء الظواهر المحسوسة، الميتافيزيقا مرادفة للخارق للطبيعة في اللغة اللاتينية”.
عرف أرسطو الميتافيزيقا بأنها (البحث في العلل والمبادئ الأولى). كما ذهب إلى أن الفلسفة الأولى هي “البحث في الوجود بما هو موجود، أي أنها تبحث في الوجود من ناحية المبادئ الأولية الكلية التي تعم جميع الموجودات والتي تجعل الوجود موجودا”. وتكاد تكون التعريفات الأخرى استرجاعا لتعريفات أرسطو أو متأثرة بها، لذلك فسوف نلجأ إلى الانتقاء دفعا للتكرار والإطالة.
أما ابن سينا فسمى الميتافيزيقا بـ (العلم الإلهي) فهذا العلم “يبحث في الموجود المطلق وينتهي في التفصيل حيث تبتدئ منه سائر العلوم، فيكون في هذا العلم بيان مبادئ سائر العلوم الجزئية”.
وهذا التعريف متأثر بتعريف أرسطو ولم يأت بجديد، والى ذلك ذهب توما الأكويني فالميتافيزيقا أو الفلسفة الأولى عنده هي “علم العلل الأولى أو المبادئ الأولية، وهي ترجع كلها إلى علة واحدة هي الله”.
والميتافيزيقا عند ديكارت تشمل “مبادئ المعرفة التي من بينها تفسير أهم صفات الله، ولا مادية نفوسنا، وجميع المعاني الواضحة التي هي فينا”.
نلاحظ أن التعريفات السابقة كلها متطابقة، لأنها تتناول موضوع العلم الإلهي أو الله الموجود المطلق وهذه التعريفات بمجملها لم تخرج على تعريف أرسطو ولم تأت بإضافات جديدة.
ولو لاحظنا التعريفات التي تحمل السمة الدينية وتحديدا تعريفي ابن سينا والأكويني، لوجدناها تحمل مغزى البحث عن حقيقة الوجود، أو العلة الأولى وهو الله.
بعد ديكارت اخذ معنى الميتافيزيقا يتغير، فاعتبرت الميتافيزيقا في فلسفة (كانط) “متضمنة لظواهر الإدراك الذي يكون قبليا أي أوليا سابقا على التجربة”.
وكذلك يعرف الميتافيزيقا النقدية بأنها (الكشف عن العناصر الأولية في المعرفة والعمل). وعند أوجست كونت الميتافيزيقا” نمطاً فكرياً وسيطاً بين اللاهوني والوضعي، فهي تسعى لمعرفة أصل كل الأشياء ومجراها، والمصدر الأساسي لإنتاج كل الظواهر”.
واستمر الاهتمام بتعريف الميتافيزيقا حتى الفلسفة المعاصرة فيعرفها برادلي بقوله (أنا افهم الميتافيزيقا على أنها محاولة لمعرفة حقيقة الواقع في مقابل الظاهر المحض، أو هي دراسة للمبادئ الأولى والحقائق النهائية، وانأ افهمها على أنها الجهد الذي يبذل لفهم الكون فهما شاملا لا على انه أجزاء أو قطع متفرقة، بل على انه كل طريقة ما). إذ نجد برادلي هنا لا يقسم العالم إلى صنفين عالم الواقع والعالم الحقيقي، وهذه رؤية مخالفة لسابقيه الذين فهموا العالم عن طريق الفصل وليس الوحدة، أما الفريد نورث وابتهيد فيعرف الفلسفة التأملية بقوله (إن الفلسفة التأملية تحاول تشكيل نسق مترابط ومنطقي وضروري من الأفكار العامة، في مصطلحات يمكن عن طريقها تفسير كل عنصر من عناصر خبرتنا).
ويعرض لاند عدة تعريفات فهي تعني:
1. معرفة كائنات لا تقع تحت الحواس.
2. معرفة ماهية الأشياء بذاته، مقابل المظاهر التي نتسم بها.
3. معرفة الحقائق الأخلاقية، واجب الوجود، المثال، باعتبارها مكونة نظاما واقعيا أعلى من نظام الوقائع ومتضمنة علة وجود هذا النظام.
4. معرفة مطلقة، يقدمها حدس الأشياء المباشر، في مقابل الفكر العقلي.
5. معرفة بالعقل تعد كأنها قادرة وحدها على بلوغ صميم الأشياء، ومن ثم بلوغ المبادئ الأولية للعلوم الطبيعية والأخلاقية.
6. معرفة الواقع بالتحليل المتروي والنقدي الجذري قدر الإمكان.
نتناول هذه التعريفات لأهميتها في تاريخ الفلسفة، فهي تنظر إلى الميتافيزيقا كفهم شمولي وكلي، وهي معرفة مطلقة ثابتة، تشمل كل حقول المعرفة، فكل فهم مطلق لأي معنى أو معرفة من الوجود، فهو فهم ميتافيزيقي محض.
أما طبيعة الميتافيزيقا، فتقوم على عدد من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن دائما، بحيث تسيطر على العقل، ومن هذه الأسئلة: “ما طبيعة العالم ومادته وصورته، وما مكوناته الأولى التي تعد قوانينه، هل الله موجود، هل الحقيقة واحدة أم متعددة، هل الخالق سرمدي ابدي خالد، هل هناك إرادة واحدة تحرك الوجود،هل هناك جوهر واحد أم جواهر متعددة …….الخ، هذه الأسئلة في مجملها تمثل منابع الفلسفات التأملية التي يجب أن تعتمد عليها في نهاية الأمر في نظام متماسك من الفكر، وهذه الأسئلة توضح طبيعة الميتافيزيقا”. وقد استدل أرسطو على ضرورة وجود الميتافيزيقا لان “العلوم الخاصة التي يعالج كل منها موضوعا خاصا به، تشترك في استخدام مفاهيم عامة كالذاتية والاختلاف والوحدة والتعدد وما أشبه، وهي بمجموعها تكون موضوع علم الوجود العام أو الميتافيزيقا”.
فأرسطو يؤكد على قيام علم الوجود أو ما بعد الطبيعة على اعتبار أن هذا العلم قائم بذاته وقد انفرطت منه باقي العلوم.وعليه فأرسطو يرى أن “الفلسفة الأولى اعم العلوم لأنها تبحث في اعم العلل، إذ العلل والمبادئ الأولى شاملة لجميع أنواع العلل الأخرى، وهي أكثر العلوم يقينية لأنها تبحث عن المبادئ الأولى، والمبادئ الأولى أعلى الأمور درجة في اليقين، وهي انفع العلوم لأنها تعطينا علما بالعلل الأولى، وهي أكثر العلوم تجريدا لأنها تبحث في أكثر الأشياء بعدا عن الواقع العيني، وهي اشرف العلوم لأن موضوعها النهائي والأساسي اشرف الموضوعات وهو الله”.
وهذا الرأي يتطابق مع آراء الفلاسفة اللاهوتيين ورجال الدين بإطلاقهم، أما الفلاسفة عبر التاريخ فقد اختلفوا بهذا الشأن فمنهم من اعتبر الميتافيزيقا حقيقة ولا مفر منها، ومنهم من رفضها رفضا مطلقا واعتبرها وهما وزيفا بوصفها مصدر ضعف لا قوة.والواقع أن طبيعة التفكير الفلسفي ميتافيزيقي بالأساس فهو يقوم على فكرة الوحدة، وهي فكرة مركزية في التفكير، ولكن الفكر الفلسفي المعاصر لا يؤمن بفلسفات تقوم على فكرة واحدة مطلقة، بل يؤمن أن العالم يتغير، وبالتالي فإن طبيعة تفكير الإنسان نفسها تتغير، وأن الأفكار التي ينظمها العقل تتغير مع تغير الواقع من حوله، فلا يوجد فكر مجرد أو فكرة مطلقة واحدة، لان الحقيقة نسبية والعالم أو الكون في تطور مستمر لا يستطيع الإنسان نفسه اللحاق به، وهذا ما يشدد عليه نيتشه في نقده للميتافيزيقا ومفاهيمها المجردة المتعالية.
بقي أن نشير إلى بعض المواقف من الميتافيزيقا، فلالاند يشير إلى الاختلاف والتباين في استعمال كلمة ميتافيزيقا بحسب التشديد فيها، “إما على فكرة بعض الكائنات التي لا تقع تحت الحواس، أو على نظام ما للواقع، كموضوع خاص للميتافيزيقا.
ومن هنا جاء الاختلاف في تعريفها وكثرة معانيها لأنها موضوع مفتوح أمام كل الأفكار المركزية وليس مغلقا وهنالك بعض التفسيرات المتطرفة التي لا تخلو من نقد تجاه البحث الميتافيزيقي فيصف “وزدم”، القضية الميتافيزيقية بأنها “نوع من الباطل المنير، كذلك فتجنشتاين هو الذي يقارن الرأي الميتافيزيقي بابتكار نوع جديد للأغنية”.
كذلك يذهب وليم جيمس إلى وصف الفيلسوف الميتافيزيقي بأنه أشبه بالأعمى الذي يبحث في حجرة مظلمة عن قطة سوداء لا وجود لها. في حين يدافع شوبنهاور عن الميتافيزيقا عندما يصف الإنسان بأنه (حيوان ميتافيزيقي) وكان كانط يقول بأنها (اشرف العلوم) وهيجل يقول (قدس الأقداس).
وبهذا انقلب الميتافيزيقيون إلى صنفين، صنف جعلها مقدسة واشرف العلوم، وآخر عدها زيفا ووهما. لكن الصنفان يلتقيان في كونهما ينطلقان من أسس ميتافيزيقية في الحكم. ومن الصفات المميزة للميتافيزيقي “أن يقترح للاستعمال أو أن يقدم للتأمل تحولا في أفكارنا، ومراجعة لمفاهيمنا، وطريقة جديدة للنظر إلى العالم”.
وعليه فإن البحث الميتافيزيقي يركز على نمط محدد من المفاهيم مثل “الوجود والعدم والحقيقة والظاهرة والجوهر والعرض والإنسان والحرية… الخ وهي من المفاهيم المركزية التي قامت عليها الفلسفة، لكن مهما كثرت المفهومات أو قلت فإنها تدخل ضمن المطلب الأساسي للميتافيزيقا الذي يهدف إلى تقديم تفسير شامل من خلال الكشف عن مبدأ المنظومة الكلية للمعرفة والوجود”.
وهذا ما يركز عليه نيتشه في نقده لهذه المنظومة الشاملة من المفاهيم الميتافيزيقية التي سيطرت على الفكر الغربي لحقبة طويلة من الزمن.