كتاب بحوث في الأساطير الشعبية التونسية
كتاب بحوث في الأساطير الشعبية التونسية المؤلف :صالح بن حمادي اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2007 عدد الصفحات : 582 |
كتاب بحوث في الأساطير الشعبية التونسية تأليف صالح بن حمادي.
وكان سكان البلاد التونسية يحكون إلى عهد قريب جدا مثل سائر شعوب العالم مجموعة من الأساطير والخرافات قمنا بجمع قسم منها في كتب سابقة مع شروح ضافية تبرز بجلاء أن الأساطير والخرافات الشعبية هي قصص واقعية وأخبار تاريخية تنقل وتروي بعض الأحداث والوقائع الحقيقية التي حصلت في قديم الزمان لبعض الأقوام من البشر فوق بعض بقاع الأرض.
وتواصلت دراستنا للموضوع فاكتشفنا أبعادا ومعاني جديدة للأساطير والمعتقدات الشعبية تؤكد أن الأساطير هي أخبار تاريخية قديمة بقدر ما تبرز خطأ النظريات والآراء التأويلية التي وضعها العلماء لتفسير الأساطير والخرافات الشعبية كما أنها تسمح بتصحيح التصورات السارية ذات الصبغة الدينية والعقائدية التي جردت الأحداث المنقولة في الأساطير والخرافات الشعبية من محتواها الأصلي وحولتها إلى اعتقادات مجردة في عوالم وكائنات غيبية قائمة الذات بينما هي أحداث ووقائع تاريخية حصلت قديما لبعض الجماعات من البشر فوق بعض بقاع الأرض.
وتكتسي الآراء التي قدمها العلماء لشرح المعنى الحقيقي للأساطير خطورة كبيرة وتناقضا واضحا لأنها سعت إلى تبرير إمكانية إعتقاد الإنسان في وجود أشياء وهمية وغير واقعية باعتبار أن هؤلاء العلماء ذهبوا إلى أن الأشكال السارية للأساطير المتمثلة في الاعتقاد المجرد في عوالم وكائنات غيبية قائمة الذات هي الجوهر الحقيقي للأساطير بينما هي تصورات مجردة للمحتوى والمضمون الحقيقي للأساطير الذي هو وصف ونقل ما جرى وحصل من أحداث حقيقية لبعض الجماعات والأسر والأقوام البشرية التي عمرت الأرض في العهود الأولى من التاريخ الإنساني.
فقد إنطلق العلماء من الظن الخاطئ بأن الأساطير هي في جوهرها اعتقادات في وجود عوالم وكائنات غيبية قائمة الذات بالاستناد إلى الأشكال المجردة التي تردت فيها الأساطير لكنهم رأوا أن مثل هذه العوالم والكائنات الغيبية تتناقض مع مقتضيات العقل والحس والواقع فاعتبروا أن الأساطير هي قصص خيالية ووهمية ومع ذلك لاحظوا أن الشعوب الإنسانية تعتقد في صحة الأساطير التي يرويها وتقول بأنها قصص واقعية وأن ما تنقله من أحداث حصل في قديم الزمان.
وأمام هذا الوضع سعى العلماء إلى البحث عن علة وسبب اعتقاد الشعوب الإنسانية في صحة الأساطير مع أنها قصص وهمية وخيالية حسب هؤلاء العلماء فوجدوا الحل والمخرج في القول بأن الأحداث والوقائع المنقولة في الأساطير هي وصف وتصوير لأحوال الطبيعة بطريقة مجازية حيث أن الأساطير القديمة هي في أغلب الحالات قصص تدور حول الآلهة الذين عبدتهم الشعوب الإنسانية في القديم وتحكي ظروف نشأة هؤلاء الآلهة وبروزهم للوجود وما قاموا به من أعمال.وما جرى لهم من أحداث, فلما سعى العلماء والفلاسفة والمفكرون إلى تفسير المعنى الحقيقي للأساطير في الظروف التي تحدثنا عنها سابقا ذهب بهم التفكير إلى القول بأن الآلهة هم تشخيص للقوى والظواهر الطبيعية وعلى هذا الأساس اعتبروا أن الأحداث والوقائع المنقولة في الأساطير هي صور مجازية لوصف أحوال الطبيعة والظواهر الطبيعية وقدموا بهذا الشأن نظريات وآراء غريبة تقول بوجود عقلية إنسانية بدائية تقوم في جوهرها على التوهم وتشخيص الطبيعة واعتبارها مسكونة بالأرواح وتصوروا أن الإنسان الأول كانت له عقلية من هذا القبيل فدفعته إلى تشخيص الطبيعة واعتبار الظواهر الطبيعية قوى روحانية غيبية قادرة على التأثير في الإنسان والإضرار به ونفعه فتخيل شتى الوسائل لاستدرار عطفها وترويضها من خلال عبادتها والتقرب إليها بالذبائح والنذور ونسج حولها القصص والحكايات التي تحولت مع مر الزمن إلى ما ظل تعرف باسم الأساطير والخرافات في المجتمعات الإنسانية.
وبهذه الصفة جعل العلماء من الإنسان كائنا أقل وأضعف إدراكا من الحيوانات ذاتها حيث أنه يظهر من خلال هذه الآراء العلمية في مظهر كائن من طبعه التوهم والاعتقاد في وجود الأشياء الخيالية والوهمية والمزج بين الواقع والخيال والوهم.
وفي حقيقة الحال فإن العلماء توهموا الوهم حيث لا يوجد الوهم وأثبتوا الغيب والروحانيات حيث ليس هناك شيئ من الغيب والروحانيات.