كتاب حكاية حي مصر القديمة
كتاب حكاية حي مصر القديمة المؤلف :خالد أبو الروس اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2014 عدد الصفحات : 172 نوع الملف : مصور |
كتاب حكاية حي مصر القديمة تأليف الدكتور خالد أبو الروس.
ربما يكون الوقت ملائما للحديث عن مصر من الناحية الجغرافية وخصوصيتها المحلية والدولية، خاصة في ظل ما يتم تدواله عن الحدود ودول الجوار والأخطار المحدقة بها والأطماع الاستعمارية فيها، وغير ذلك من ثروات معدنية وموقع جغرافي متميز، ولعل ذلك كله يستدعي قراءة في كتاب «حكاية حي مصر القديمة « الصادر مؤخرا لخالد أبو الروس الذي يعد توثيقا جغرافيا وحضاريا وتاريخيا مهما نتعرف على ضوء ما ورد فيه على خصائص مصر القديمة من نواح مختلفة.
في البداية يقدم أبو الروس تمهيدا مرجزا يراه ضروريا للدخول في تفاصيل الدراسة القيمة حيث يقول: إن الإنسانية عرفت منذ بواكير الحضارات الأولى التي قامت في حضن الأنهار سواء الحضارة الفرعونية أو حضارة بلاد الرافدين وفينيقيا أو حضارات الإغريق والرومان فكرة بناء المدن، فعندما هبط المصري القديم من فوق الهضبتين الشرقية والغربية فرارا من شبح الجفاف الذي أرخى سدوله عليهما، واستقر حول ضفتي وادي النيل فعرف الزراعة ونعم بحياة الاستقرار فعندئذ بدأ يفكر في بناء القرى الريفية وما تبع ذلك من تشييد المدن التي ضمت العديد من هذه القرى.
ويشير الكاتب إلى فضل الحضارة الأغريقية التي قدمت نماذج من المدن مثل مدينة موكيناي وكورنثا وأثينا وإسبرطة وغيرها، إذ كانت كلمة مدينة عندهم تعني تجمعا سكانيا وسياسيا يضم عددا من القبائل. ويؤكد خالد أبو الروس على أن الإغريق أخذوا إنشاء المدن أو التجمعات السكانية من السومريين الذين سبقوهم في المعمار بأكثر من ألفي سنة أي سنة 3000 قبل الميلاد، ولكن يحسب للإغريق وفق ما تطرحه الدراسة التاريخية العميقة أنهم طوروا النظام المعماري وجعلوا للمدينة شخصيتها المستقلة. وعندما ظهر الإسلام وقامت الدولة العربية الإسلامية وتوحدت الجزيرة العربية تحت لوائها، بعدما عاش العرب قرونا طويلة في حروب وتناحر وفرقة قبل ظهور الإسلام إلى أن شعر الفاتحون بحاجتهم إلى الاستقرار في الأقاليم التي فتحوها فشرعوا في تأسيس المدن الجديدة التي كانت أشبه بالمعسكرات الحربية واتخذوها عواصم لأقاليمهم وأطلقوا عليها لقب الأمصار، فكانت البصرة والكوفة من أوائل الأمصار العربية الإسلامية ثم كانت المدينة المنورة التي حلت محل يثرب بعد هجرة النبي محمد «صلى الله عليه وسلم».
هكذا يستعرض خالد أبو الروس بدايات تأسيس المجتمعات العمرانية في دراسته، بشكل تدريجي وبقياس المراحل التاريخية قبل أن يتحدث عن مدينة الفسطاط التي هو محور كتابه المذكور سلفا «حكاية حي مصر القديمة» وفي هذا الخصوص يسرد المؤلف التاريخ ومراحل تأسيس المدينة بدءا من شروع عمرو بن العاص في إنشائها بعد عودته من الإسكندرية وإتمام فتح مصر بتخطيط الفسطاط عام 21 هجرية ـ 641 ميلادية لتكون أولى عواصم مصر الإسلامية وهي تقع إلي الشمال من مدينة بابليون العتيقة بمسافة 420 مترا حيث عسكرت قوات عمرو للمرة الأولى بهدف جعل المدينة دار مستشفى للقبائل العربية وقد عهد ابن العاص إلى أربعة من المسلمين بالفصل بين القبائل في تنظيم خطة كل منها وهم معاوية بن حديج وشريك بن سمي الغطيفي وعمرو بن قحزم الحولاني وجبريل بن ناشرة المعافري.
وبناء عليه تم تقسيم الفسطاط على هيئة خطط مثل خطة أهل الراية أي حاملي الأعلام، والمراد هنا ألوية القبائل وتحت عنوان «مصر القديمة من منظور عمراني» كتب صاحب الدراسة، مؤكدا على تميز موقع مصر الجغرافي، ذاكرا أنها تقع على الضفة الشرقية لنهر النيل ومن ملحقاتها جزيرة الروضة التي يفصلها عنها أحد أفرع النيل، ولذلك فهي ذات موقع حيوي حيث تطل على منفذ مائي يسهل عليها الاتصال بالخارج ونشر العمران في ربوعها، فضلا عن أنها وريثة لمدينتين قديمتين كانت لهما عمقا في التاريخ مدينة بابليون القديمة على ساحل النيل ومدينة الفسطاط الإسلامية.
يشير الكتاب أيضا الذي يقع في 164 صفحة من القطع المتوسط إلى عناوين ومحاور مهمة منها النظام الإداري المصري القديم والزراعة والصناعة ويشتمل على الكثير من المعلومات التاريخية الموثقة، التي يستند فيها الكاتب إلى مراجع مهمة لكبار المؤرخين والمتخصصين مثل محمد الكحلاوي صاحب كتاب «آثار مصر الإسلامية في كتابات المعاربة والأندلسيين» ومحمد محمد أمين مؤلف كتاب «الأوقاف والحياة الاجتماعية في مصر» ومحمد فريد منجز كتاب «تاريخ الدولة العلية العثمانية» ومحمد مختار باشا ومحمد فهمي لهيطة وغيرهم.
تلك كانت قراءة سريعة ومختصرة في كتاب «حكاية حي مصر القديمة» استهدفنا منها تقديم ملمح أو بعض الملامح عن مصر التاريخية التي لا يعرفها الكثيرون خارج الإطار السياسي وبعيدا عن لغو الكلام والثرثرة اليومية في القضايا المستهلكة.