|

كتاب عصر البنيوية

وصف الكتاب

وضعت الباحثة الأمريكية (إديث كيرزويل) كتابها: (عصر البنيوية: من شتراوس إلى فوكو)(11). بحثت فيه أعمال ثمانية من أعلام البنيوية في حقول مختلفة، هم: شتراوس والانثربولوجيا، وألتوسير والماركسية، وهنري لوفيفر ضد البنيوية، وبول ريكور والهيرمينوطيقا، وآلان تورين والأبنية دون بنيوية، وجاك لاكان والتحليل النفسي، ورولان بارت والبنيوية الأدبية، وميشيل فوكو وبنيات المعرفة. على الرغم من أن هؤلاء الأعلام ليسوا جميعاً بنيويين: فمنهم مَنْ يرفض صفة البنيوية التي تُطلق عليهم مثل آلان تورين، ومنهم مَنْ هو ضد البنيوية مثل هنري لوفيفر. وقد درستهم الباحثة على هذا الاعتبار، لتبين الجوانب السلبية للبنيوية، مقابل الجوانب الإيجابية التي يمثلها أعلام البنيوية: شتراوس، وألتوسير، ولاكان، وفوكو، وبارت.
وقد اتبعت الباحثة منهجاً واضحاً في عرض كل علَم من هؤلاء الأعلام، فبدأت بلمحة عن حياته، ثم عرضت مؤلفاته، وناقشت أكثرها أهمية، ونسبت إلى كل بنيوي نسقه الفكري الخاص الذي يميزه عن غيره: فأنثروبولوجيا شتراوس، ونقد بارت، والتحليل النفسي للاكان، وتاريخ المعرفة لفوكو، وماركسية ألتوسير، جعلت هؤلاء الأعلام يمثّلون مدرسة (بنيوية) واحدة، ولكن في علوم شتى. و(المنهجية البنيوية) وحدها هي التي تجمع بينهم. وقد حاول كل منهم تطبيق هذه المنهجية على الحقل العلمي الذي يعمل فيه. وبالطبع فإن هذه المنهجية البنيوية تعتمد أساساً على النموذج الألسني السوسيري وتنويعاته عند مَنْ تلاه. ومن هنا قول أوزياس: “البنيوية هي عمل المنهج الذي ينطق اللغة الفعلية لموضوعه. وهي الإحساس الذي يتكشف ليصبح إحساساً بأسطورة أو نسق”(12).
وقد ركّز (شتراوس) (1908) على اللغة Langue أكثر من الكلام Parole على نحو ما فعل سوسير الذي درس اللغة دراسة آنية وتعاقبية، في حين ركز شتراوس على الدراسة الآنية، وإن لم ينكر الأبعاد التعاقبية. وقد افترض سوسير وجود علاقة جدلية، داخل النسق، بين الدال (الصوت السمعي) والمدلول (الصور الذهنية)، وأكد مفهوم التعارضات الثنائية في اللغة. وهذا ما ساعد شتراوس على التوسط بين العناصر المتضادة، مثل: ساخن/ بارد، وأرض/ سماء، وذكر/ أنثى، وقديم/ جديد…
كذلك تقبل (ميشيل فوكو) (1926-1984) التعارضات الثنائية في محاولته الكشف عن الأركولوجيا اللاواعية للمعرفة في كتابه (أركولوجيا المعرفة). فقد كان (نظام) الأشياء عنده يعتمد على الفرضيات البنيوية. وهذا المفهوم الخاص بالأبستيمولوجيا، وتأكيده أن الممارسات العلمية في العصور التاريخية تصاحبها معتقدات خاصة، أفاد في تحديد الحقب العلمية عنده، كما أفاد في التنبؤ بنهاية (حقبة الإنسان) التي نحياها. ودرس الجنون والطب والعلاج النفسي خلال أبنية معرفية ترتبط بحقب تاريخية، وتتضمن اللاوعي الفرويدي. وهي أبنية تضرب بجذورها في المجتمع.
أما (لويس ألتوسير) (1918-1990) فقد رفض المعطى الأنثروبولوجي الذي تضمنته المعركة الفكرية بين سارتر وشتراوس، ليؤكد المفاهيم الاقتصادية الماركسية، ويفصل الظواهر الاجتماعية المشاهدة عن القوانين الكامنة للصراع الطبقي، فغدا ألتوسير بنيوياً باستخدامه هذا المنهج الذي أكّد فيه الأبنية الاقتصادية والمواقف الطبقية.
وأما (جاك لاكان) (1901-1981) فقد استعان بعلم اللغة. وتقاربه مع شترواس دفع به إلى العمل من أجل الوصول إلى الجذور اللاواعية المشتركة في أحلام الأفراد وفي الأساطير الاجتماعية التي عرفت منذ زمن (الأدب الطوطمي) الذي تحدث عنه فرويد في كتابه (الطوطم والتابو). وقد وجد لاكان في كتابات فوكو وبارت ما يدعم آراءه، فقد أشار هذان إلى المكونات اللاواعية للنصوص الأدبية.
وأما (رولان بارت) (1915-1980) الناقد الفرنسي المشهور، فقد مرّ بتحولات نقدية عديدة: المرحلة الاجتماعية، والبنيوية، والسيميائية، وحتى التفكيكية، وظل يتجاوز نفسه باستمرار، ويزوغ من تصنيفات الحدود المعرفية، ويرفض أي تصنيف يحصره في نمط معين، لينطلق في تداعٍ حر.
وقد بدأ بكتابه (درجة الصفر في الكتابة) عام 1953 الذي تأمل فيه تاريخ اللغة الأدبية. ثم وضع (مبادئ السميولوجيا) عام 1964 مؤسساً به سيميولوجيا النقد الأدبي. ثم حمله المد البنيوي إلى أفق أبعد على نحو حاول معه الكشف عن أهمية اللغة غير المنطوقة وغير الواعية في الكتابة وفي وسائل الإعلام، وذلك في كتابه (أسطوريات) 1957 وكتابه (عن راسين) 1963. وما يكاد يصل عام 1970 حتى يقوم بدورة انقلابية كاملة، إذ نسي السيميولوجيا، والبنيوية، وأسلم نفسه للنقد التفكيكي، والحر، وللذة النص، ومتعة الكتابة الثانية. ففي كاتبه (س/ز) 1970 تولّد القراءة تفاعلات وتفسيرات جديدة خاضعة لسحر الدال.
والواقع أن كتاب كيرزويل هذا هو افضل تقديم شامل للتطبيق البنيوي على حقول العلوم المختلفة. وقد كان موقف الباحثة فيه محايداً، بل لعله أقرب إلى معاداة البنيوية حين وضعت رواد البنيوية وخصومها في سلة واحدة.

قناتنا على تيليجرام    ملف الكتاب

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *