كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر – كاملا
كتاب مروج الذهب ومعادن الجوهر – كاملا المؤلف : أبو الحسن المسعودي (ت 346 هـ) اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 1966 عدد الصفحات : 1852 نوع الملف : مصور |
أصبح العقل العربي بعد مدة وجيزة من انتشار الإسلام عقلاً نامياً متطوراً قادراً على الخلق والإبداع، فقد أسهمت كل الروافد الثقافية المختلفة المصادر والمتنوعة المعارف، في خلق مناخ علميّ، وعقلي متميز وخاص، وهذا بعد أن تنوعت معارفه وتوسعت آفاق مداركه، أخذ يدون كل ما تجمع لديه ضمن كتب هي أشبه ما تكون بدوائر معارف واسعة، فيها ما لذّ وطاب من مختلف صنوف العلم وأنواع المعرفة. وعلى ضوء ذلك يمكن القول أن “المسعودي” في كتابه هذا لم يخرج عن المنهج العربي الذي اختطفه السلف، ذلك المنهج الذي يعتقد أن الأدب هو الآخذ من كل علم وفن بطرق. وفي هذا الكتاب جمع المسعودي من علوم الأوائل ومعارفهم عيون المسائل وأمهاتها، ولم يفصل القول فيه تفصيلاً يطيل به على قارئه، ولا أحاط بأطراف ما تعرض له من المسائل وإنما اكتفى بأن ينتقى من كل عقد درة هي أثمن درره. وأغلاها عنده، وان يغترف في كل بحر قطرة هي أهنا قطراته. كما وتعرض فيه لاختلاف العلماء في أكثر ما بحث من مسائله، وبين أقاويلهم، وأشار إلى بعض حججهم، تاركاً تفصيل ما أخذ فيه من القول إلى كتبه التي صنفها قبل هذا الكتاب. أما مصادره التي أخذ منها علمه الذي أودعه فيه فتلخص بمصدرين: أحدهما جملة من كتب العلماء الذين سبقوه بالتدوين، وقد أشار إلى أكثر هذه الكتب في مطلع هذا الكتاب، وبين مقدار أهميتها في نظره، والمصدر الثاني، هو ما كان يعتمد عليه عندما يريد أن يحدث عن عادات بعض البلدان أو حاصلاتها، أحاديث الناس التي يتناقلونها كبر من كابر. وهذا المصدر هو جهده الشخصي ومقابلاته التي أجراها مع بعض الأشخاص آنذاك. والكتاب يشكل عام مقسم إلى جانبين: جانب تاريخي وآخر أدبي، والجانب التاريخي ينقسم إلى قسمين: في القسم الأول يتحدث فيه عن العالم القديم وأخباره فيذكر مبدأ الخليقة من آدم إلى إبراهيم وإسماعيل آبي العربي… إلى ولادة الرسوم محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي يبتدأ به القسم الثاني، وفيه يعرض تاريخ الخلفاء الراشدين وتاريخ الدولتين الأموية، والعباسية، حتى خلافة المطيع العباسي، وهو في عرضه لهذا الحقب والأحداث التاريخية يخصص فصولاً مستقلة تتعلق بحياة كل واحد ممن تولى مسؤولية الدولة الإسلامية، هذا عن الجانب التاريخي، أما الجانب الأدبي فجانب لا يقل أهمية، وفيه يلمح القارئ الثقافة الواسعة والحس الأدبي الرائع، والذوق الذي ينم عن فهم وإجادة لمسار الأدب وأبعاده، ولذلك لم يترك المصنف مناسبة تاريخية إلا ويقرنها بالطرائف الأدبية والشعرية، بل ويجعل تلك الطرائف تطغى على التاريخ وتنفلت منه دون أن تنقسم عنه.
بعد هذا العرض الموجز نعود لنؤكد، بأن المسعودي كان باحثاً متجرداً قفز بكتابة التاريخ قفزة نوعية ممتازة، بحيث وان ارتكز في بعض جوانبها على النقل من الحصاد المختلفة، فإنه بإمكان القارئ أن يلمح ظهوراً لمسار جديد في كتابة التاريخ، يلمح اكتماله عند ابن خلدون.