كتاب مفهوم الشعر بين أدونيس ونزار قباني ؛ دراسة نظرية في نقد النقد
كتاب مفهوم الشعر بين أدونيس ونزار قباني ؛ دراسة نظرية في نقد النقد المؤلف : فارس الرحاوي اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2013 عدد الصفحات : 329 نوع الملف : مصور |
يشكّل الشعر في كل مساراته سؤالاً في دوحة الخطاب الإبداعي ، يتجاوز في حدود أقاليم الأسئلة الإعتيادية ، والمتعارف عليها ، حيث يبقى سؤالاً مستمداً بلا جواب ، يستمد استمراريته من أسرار تكوينه الخلقي الذي يعتمد ( الحدس ) و ( الكشف ) و ( الرؤيا ) مساراتٍ حقيقية في تفسير الواقع والوجود ، لا بل في تفسير العالم والكون . فالشعر في واقعه تجربة حدسية ، لا يمكن الإنفصال عنها ، كما لا يمكن تجاوزها ، لذلك فهو رؤيا الذات في البحث عن الحقيقة ، وكشف إحتمالي لتوقعات المستقبل ، تشترك فيه كل مكونات الشعر ، فتتعامل فيما بينها بهاجس شعري موحد لتصبح الكتابة الشعرية قدراً تكمن في سره ( المباغتة ) ، ويحمل في طيه مسؤولية المفاجآت ، إنه – الشعر – ( الخَلْق ) و ( الإبتكار ) ، حيث ينطلق من وعي الثقافة غير الجاهزة ، ومسؤولية الآخر في ( الإختراق ) الذي يخلق ( الدهشة ) في ( ذاكرة ) الوجود ، الذاكرة التي تتجاوز الزمن ، فيصبح الشعر فيها نفياً للماضي ، ونفياً للحاضر ، تحت وطأة السؤال ، بعيداً عن المباشرة ، وبعيداً عن كل معرفة مسبقة . جدلية الشعر والواقع والعالم هي في حدّ ذاتها شعر ، من حيث كينونة الشعر ، وصيرورة العالم . فالشعر ليس إطاراً خارجياً ، بل هو عالم يبحث عن عالم آخر مجهول ، خارج عن المألوف ، المرغوب فيه بعيد عن القبول قريب من الرفض ، لا يجيء ، سريع الومض ، كثير الإنفعال ، صعب الكشف والمثول ، يراقب ويترقب ، ظاهره يناقض باطنه ، وباطنه جوهر ظاهره ، وحرارة إشعاعه ، إنه يضفي على الأشياء حركيتها فيعيد خلقها من جديد . الشعر نسيج صوري ( حدسي ) ، متمرد ، غضبان ، يخاطب الوعي من اللاوعي ، ويحرق المرئي في اللامرئي ، ومع ولوجه في ( الأنا ) ، يصهر أناته بالآخر ، بانتظار ما سيكون . كل هذا وذاك شكل دافعاً لدى الباحث لدراسة مفهوم الشعر والتحقق من إشكاليته ، فالتعرف على مفهومه ، غوص على ماهيته ، وكشف عن جوهره لأنه ( الشعر ) قبل كل شيء ، وقبل ( الكتابة ) . شعر قبل ( القصيدة ) ، وقصيدة قبل ( التشكيل ) ، وتحرر قبل التسلط ، وتسلط بعد الوجود [ … ] . وعليه فقد اقتصرت هذه الدراسة : مفهوم الشعر حصراً بالشاعرين : علي أحمد سعيد ( أدونيس ) ، ونزار قباني ، بصفتهما شاعرين وناقدين ، ولسبب آخر في غاية الأهمية كونهما الشاعران الوحيدان اللذان يمتلكان ( كمّاً ) تنظيرياً ، ونقداً كبيراً ، لا يفوق عليهما أحد من شعراء سوريا ، إن لم يكن في العالم العربي . من هنا … فإن هذه الدراسة هي ( موازنة ) بين الشاعرين ، ولكن ليست بمعنى الموازنة البحتة المعروفة بين الشعراء في النقد العربي القديم ، وإن بدا بعض الشيء فيها ؛ إذ أنها موازنة وصفية ، نقدية لكل ما جاء به أدونيس ونزار من تنظيرات نقدية في مفهوم الشعر ، وبيان آرائهما بطريقة ( كشفية ) و ( تحليلية ) . لذا ، فقد توزعت خطة البحث على تمهيد وثلاثة فصول : تناول الباحث في التمهيد ، التعريف بمفهوم الشعر لدى الشاعرين ، والتفريق بين تعريفه ومفهومه ، والرؤى التي تمخضت عن مفهوم كل واحد منها ، وموقفها من التعاريف القديمة للشعر ، والرؤى الحديثة والمعاصرة . ودار الفصل الأول حول ( المكونات الذهنية ) من منطلق تأسيسها وتكوينها الذهني ، وباعتبارها ركيزة أساسية في التشكيل الإيحائي للشعر بعيداً عن التعقلن والتمنطق والقياس . أما الفصل الثاني فقد تركز على ( عناصر التوصيل ) في مفهوم الشعر ، بوصفها جزءاً داخلياً في تشكيل المفهوم ، إضافة إلى فعلها الوظيفي الداخلي والخارجي . ودار الفصل الثالث حول ( القصيدة ) بوصفها الممثل الحقيقي والفني للشعر ، ويمكن القول بأن دراسة مفهوم الشعر ، أو ما أسماه البعض بنظرية الشعر ، لم تكن جديدة في النقد الأدبي العربي ، ولكن الجديد في هذا البحث أنه تناول شاعرين لم تُدرس نظريتهما الشعرية ، دراسة مطولة ، وجدية من قبل ، كما أن الجديد في هذه الدراسة كما يشير الباحث أنها جمعت بينهما على منهج وصفي ، وتحليلي ، فأدونيس – وإن جاز التشبيه – يمثل بالنسبة إلى نزار ، قطعة من الجمر تكاد تحرق من يلامسها . أما نزار ، فإنه يمثل بالنسبة لأدونيس قطعة من الثلج ، تكاد تصقع من يلامسها كذلك ، لذا كانت مهمته ، المحافظة على هاتين القطعتين ، والوقوف بينهما حاجزاً ، مظهراً أن كل قطعة تمتاز بخصائصها الشعرية الخاصة بها .