| |

كتاب اللسان والميزان أو التكوثر العقلي لـ د.طه عبد الرحمن

حول الكتاب

ولما كنا نؤثر التأليف المنطقي الاجتهادي على التاليف المنطقي المدرسي كما نؤثر التأليف الفلسفي المنطقي على التأليف الفلسفي التاريخي ، فقد جمعنا في هذا الكتاب أبحاثا منطقية لسانية تدخل في باب التأليف الاجتهادي ، إذ سعينا إلى أن نجيء فيها بشكل أو بآخر بما لا نكون معه مقلدين ولا ناقلين ولا شارحين ، بين اختراع لمفاهيم وتوليد لمصطلحات وبيان لفروق وإنشاء لدعاوى وصوغ لمبادئ ووضع لقواعد وترتيب لقوانين وتدليل على مسائل واستخلاص لنتائج وتصحيح لآراء وإيراد لشبه ، وقس على ذلك نظائره.

  وقد أتت فصول هذا الكتاب ، على استقلال كل واحد منها بموضوع مخصوص ، موصولا بعضها ببعض ومكملا بعضها لبعض، زاد في هذا التواصل والتكامل بينها أنها تخدم كلها غرضا فلسفيا واحدا ينزل منزلة اللحمة من سداها ، وهذا الغرض الفلسفي الذي وجه تحليلاتنا اللغوية وترتيباتنا المنطقية هو : (( وجدان الكثرة الممكنة تحت الوحدة الظاهرة ))؛ ونصطلح على تسمية هذا الغرض الفلسفي الخاص باسم (( التكوثر)) ، فكل فصل احتواه هذا الكتاب ينهض بنوع من التكوثر يتكامل مع النوع الذي ينهض به غيره، إن تمهيدا له أو توسيعا أو تتميما أو تطبيقا.
وبناء على ذلك، جعلنا مدار هذا الكتاب على مقدمة ومدخل عام وعلى ثلاثة أبواب رتبنا لكل منها مدخلا وفصولا، ثم انهيناه بخاتمة جامعة.

اما المقدمة، فقد اتينا على ذكر ما فيها، إذ ضمناها تجربتنا في تدريس مادة المنطق بالجامعة المغربية، مبرزين بعض اطوارها وبعض العقبات التي عاقت طريقنا كما نبهنا فيها على ضرورة إخراج الكتابة الفلسفية العربية من المنزلق التاريخي الساذج الذي انحدرت إليه وعلى مسيس الحاجة إلى تجديد صلتها بالآلة المنطقية، حتى تستعيد خصوصيتها، نهوضا بالتقليد الفلسفي العربي الأصيل الذي وضع أسه فلاسفة الإسلام.
وأما المدخل العام، فقد خصصناه لبيان الأصل الفلسفي الذي انبنى عليه الكتاب في جملته، وهو ما سميناه بـ ”التكوثر العقلي” ، فوضحنا كيف انه خاصية مميزة للفعل العقلي الإنساني؛ واقفين عند الفرضيات الأربع التي دارت عليه في فلسفة المعرفة وعلم اللغة، وهي: ((التعدد المعرفي)). و((التراكم المعرفي)) و((التوليد اللغوي)) و((التعدد الصوتي))، مبرزين الخصائص الأساسية لكل فرضية منها وحدودها العامة بالإضافة إلي فرضيتنا الخاصة.
واما الباب الأول، فقد  احتوى مدخلا فلسفيا وثلاثة فصول منطقية لسانية.

اختص المدخل منها بالكلام عن التكوثر في مجال المعرفة المنطقية والمعرفة الرياضية، محددا أسبابه في علاقات عقلية ثلاثة هي : (( الانبناء)) و (( الإقامة)) و (( النظم)).

وتفرد الفصل الأول من هذا الباب بتوضيح مفهوم ((الانبناء))، فاشتمل على تحديد مفصل لمفهوم ((الاستلزام المنطقي))، مع تقسيمه إلى قسمين: احدهما استلزام صناعي يختص به المنطق الصوري، والثاني استلزام غير صناعي ينظر فيه المنطق الطبيعي وتدخل فيه ضروب الاستلزام الدلالي والتداولي التي نجدها في كتب علم الأصول.

كما تفرد الفصل الثاني ببيان مفهوم ((الإقامة)) فتضمن تحليلا لخصائص الدليل الطبيعي، متطرقا بتوسع الى الإضمار بوصفه ادل هذه الخصائص على حقيقة الاستلزام الطبيعي، فحدد طبيعته ووظيفته واستخرج أسبابه واقسامه ووضح كيفية تعقب مواطنه في الأدلة.

وتميز الفصل الثالث بتوضيح مفهوم ((النظم))، فاشتمل على تحديد مسهب لمفهوم ((البنية))، وعلى ترتيب لأنواعها الجبرية ولتطبيقات بعضها في بعض، كما تضمن تفصيلا لتأويل الأنساق المنطقية بواسطة البينات وما نرتب عليه من خصانص ونتائج.
واما الباب الثاني، فقد احتوى هو الآخر مدخلا فلسفيا وأربعة فصول منطقية لسانية.

اختص المدخل بالحديث عن التكوثر في مجال الخطاب الطبيعي، مبينا كيف ان خصائص الكلام الإنساني الثلاث، وهي: الخطابية، والحجاجية، والمجازية. تكون اسبابا فاعلة في هذا التكوثر.

وتميز الفصل الأول من هذا الباب ببيان العلاقة الخطابية، فوضح كيف ان هذه العلاقة تنبني على جانبين متلازمين، وهما: التواصل والتعامل، مستخرجا جملة من القواعد  التي ينضبط بها تعامل الئاطقين، فضلا عن القواعد المقررة التي يتبعونها في تواصلهم ٠

كما تميز الفصل الثاني والثالث بتوضيح العلاقة الحجاجية، فتناول الأول منهما مفهوم الحجاج، وحدد انواعه الثلاثة كما حدد لكل نوع منهما نموذجه التواصلي المناسب له، مبرزا صفاته وقواعده أو حدوده، وتناول الآخر تحديد مراتب الحجاج والقوانين التي تضبطها كما قابل بينها وبين ضروب قياس التمثيل، معينا وجوه التوافق بين المراتب الحجاجية والضروب التمثيلية.
واخيرا تفرد الفصل الرابع ببيان العلاقة المجازية، فكشف عن وجود القصور في تطبيق الحساب المنطقي اللغوي على الاستعارة، مبرزا الحاجة إلى التوسل فيها بآليات استدلالية تقبل الخروج عن مبدإ عدم التناقض ومبدا الثالث المروفع وتأخذ بمبدأ التعارض الذي هو وحده القادر على الوفاء بحقيقة تداخل الذوات الخطابية التي ينطوي عليها كل تعبير مجازي.

واما الباب الثالث، فقد  احتوى هو كذلك مدخلا فلسفيا وثلاثة فصول منطقية لسانية .

اختص المدخل بالكلام عن التكوثر في الحقيقة العقلية من خلال ثلاثة شواهد من الثراث المنطقي اللغوي الإسلامي، احدها شاهد رشدي يبين ((تكوثر عبارة الحقيقة العقلية )) ، والثاني شاهد غزالي يبين(( تكوثر مضمون الحقيقة العقلية))، والثالث شاهد خلدوني يبين (( تكوثر منهج الحقيقة العقلية)).

وتفرد الفصل الأول من هذا الباب بالنظر في الشاهد الأول، فحلل لغة ابن رشد في معالجته لكتاب المقولات لأرسطو، مستخرجا صفات الطريقين اللذين اتبعهما في هذه المعالجة، وهما التلخيص والشرح، والآفات التي دخلت عليهما مع إيراد امثلة موضحة لكل ذلك.

كما تفرد الفصل الثاني بالنظر في الشاهد الثاني، فبحث في الأسس المنطقية لمسألة السببية عند الغزالي، متوسلا في ذلك بمفاهيم نظرية العوالم الممكنة المنطقية ومتوصلا إلى نتئج تدفع عن الغزالي كثيرا من التهم التي نسبت اليه.

واخيرا، تميز الفصل الئالث بالنظر في الشاهد الثالث، فبحث في طرق الاستدلال التي اتبعها ابن خلدون في مقدمته، ووضح كيف انه اضاف إلى الطريق البرهاني الطريق الحجاجي، مستثمرا في ذلك بعض الإمكانات الاستدلالية الطبيعية الخاصة باللغة العربية.

واما الخاتمة، فقد ضمناها النتائج الأساسية التي استخلصناها في هذه الفصول جميعا ،

سواء منها النتابج التالية أو المنطقية او الفلسفية، فضلا عن إيرادها في سياق جامع يؤلف بينها ويؤسس لـ(( علم بيامن)) جديد كما يستشكل ((مسألة التراث)) بما يخرجها عن الطرح القديم؛ فليرجع إليها من لاتسعفه الأسباب لمطالعة الكتاب برمته او من تسعفه هذه الأسباب، لكنه يؤثر معرفة المقاصد قبل معرفة الوسائل الموصلة إليها، حتى يحكم تتبع المسالك والتحقق من النتائج .

 

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *