كتاب تجديد ذكرى أبي العلاء لـ طه حسين
كتاب أحلام شهرزاد – رواية اللغة : العربية دار النشر : دار المعارف سنة النشر : 1958 عدد الصفحات : 316 نوع الملف : مصور |
حول الكتاب
كره المنهج القديم إلى أبا العلاء، وأزال المنهج الجديد من نفسي هذا الكره، ووقفني من بعض الشعراء المحدثين والمتقدمين موقف الرجل الحر، لا يستهويه حب، ولا يصرفه بغض، وإنما المجيد والمسئ عنده سواء في الخضوع لقوانين البحث. وقد أردت سنة أربع عشرة وتسعمائة وألف أن أقدم إلى الجامعة رسالة أجوز بها أمتحان عالميتها، فأخذت أتخير موضوعاً لهذه الرسالة. وما أكثر مايجد محب البحث من الموضوعات الأدبية في لغتنا مالم يتناولها محقق بدرس ولا تمحيص. عرض لي أن أدرس ما أحدثت الفارسية في العربية من الأثر أيام بني العباس ولكن جهلي بالفارسية حال بيني وبين هذا الموضوع المفيد.
وعرض لي أن أدرس الروح الديني فيما ترك الخوارج من الآثار الأدبية، ولكن قلة هذه الآثار، لا سيما بمكاتب مصر، قد حال بيني وبين القدرة على أن أصور هذا الروح تصويراً واضحاً جلياً.
وعرض لي أن أدرس ما حدث من آختلاف مذاهب الشعراء في التعبير عن أغراضهم، صدر الدولة العباسية، ولكن هذا الموضوع طريف وقل من يفطن له، وليس من الحذق لمن أراد أن يكون مجدداً في الآداب، أن يفجأ الناس بما ليس لهم به عهد ولا صلة.
وعرض لي أن أدرس حياة الجاحظ، ولكني لم أوافق إلى أكثر كتبه، فقد ألف الرجل ما يزيد على ثلثمائة كتاب ليس بين أيدينا منها عشرون. ثم عرض لي أن أدرس حياة أبي العلاء، ذلك الذى أبغضته ونفرت منه، ولست أدري لم حبب إلى البحث عن هذا الرجل؟ ولم كلفت به الكلف كله؟ ومع أن كتبه قد ضاع أكثرها. فقد خيل إلى أني أستطيع أن أجد فيما يقي منها ما يشفي الغليل.
وقد سمعت الناس يتحدثون عن اللزوميات فلا يتفقون فيها على رأي وسمعتهم يصفون أبا العلاء بالإسلام مرة وبالكفر مرة. ورأيت الفرنج قد عنوا بالرجل عناية تامة. فترجموا لزومياته شعراً إلى الألمانية. وترجموا رسالة الغفران وغيرها من رسائله إلى الإنجليزية. وتخيروا من اللزوميات والرسائل مختارات نقلوها إلى الفرنسية. وأكثروا من القول في فلسفته ونبوغه. ورأيت بيني وبين الرجل تشابها في هذه الآفة المحتومة. لحقت كلينا في أول صباه، فأثرت في حياته أثراً غير قليل.
كل ذلك أغراني بدرس أبي العلاء. وأنا أحمد هذا الإغراء وأغتبط به. فقد أنتهى بي إلى نتيجة هي فهم فلسفة أبي العلاء وردها إلى مصادرها رداً مجملاً. ثم فهم الروح الأدبي لهذا الحكيم. وقد كان من قبل شخطاً مبهماً لا يعرف الناس منه إلا آسمه تحيط به الشكوك والأوهام.
وعرض لي أن أدرس الروح الديني فيما ترك الخوارج من الآثار الأدبية، ولكن قلة هذه الآثار، لا سيما بمكاتب مصر، قد حال بيني وبين القدرة على أن أصور هذا الروح تصويراً واضحاً جلياً.
وعرض لي أن أدرس ما حدث من آختلاف مذاهب الشعراء في التعبير عن أغراضهم، صدر الدولة العباسية، ولكن هذا الموضوع طريف وقل من يفطن له، وليس من الحذق لمن أراد أن يكون مجدداً في الآداب، أن يفجأ الناس بما ليس لهم به عهد ولا صلة.
وعرض لي أن أدرس حياة الجاحظ، ولكني لم أوافق إلى أكثر كتبه، فقد ألف الرجل ما يزيد على ثلثمائة كتاب ليس بين أيدينا منها عشرون. ثم عرض لي أن أدرس حياة أبي العلاء، ذلك الذى أبغضته ونفرت منه، ولست أدري لم حبب إلى البحث عن هذا الرجل؟ ولم كلفت به الكلف كله؟ ومع أن كتبه قد ضاع أكثرها. فقد خيل إلى أني أستطيع أن أجد فيما يقي منها ما يشفي الغليل.
وقد سمعت الناس يتحدثون عن اللزوميات فلا يتفقون فيها على رأي وسمعتهم يصفون أبا العلاء بالإسلام مرة وبالكفر مرة. ورأيت الفرنج قد عنوا بالرجل عناية تامة. فترجموا لزومياته شعراً إلى الألمانية. وترجموا رسالة الغفران وغيرها من رسائله إلى الإنجليزية. وتخيروا من اللزوميات والرسائل مختارات نقلوها إلى الفرنسية. وأكثروا من القول في فلسفته ونبوغه. ورأيت بيني وبين الرجل تشابها في هذه الآفة المحتومة. لحقت كلينا في أول صباه، فأثرت في حياته أثراً غير قليل.
كل ذلك أغراني بدرس أبي العلاء. وأنا أحمد هذا الإغراء وأغتبط به. فقد أنتهى بي إلى نتيجة هي فهم فلسفة أبي العلاء وردها إلى مصادرها رداً مجملاً. ثم فهم الروح الأدبي لهذا الحكيم. وقد كان من قبل شخطاً مبهماً لا يعرف الناس منه إلا آسمه تحيط به الشكوك والأوهام.