كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (جزئين) لـ ستانلي هايمن
كتاب النقد الأدبي ومدارسه الحديثة (جزئين) المؤلف : ستانلي هايمن اللغة : العربية دار النشر : دار الفكر العربي سنة النشر : 1952 عدد الصفحات : ج.1 : 340 ج.2: 370 نوع الملف : مصور |
وقد بدأ كتابه الأول “النقد الحديث” الذي نقلب صفحاته، مختلف من حيث النوع، في حينه، عن أي نقد سبقه، وسواء تمت تسميته “جديداً” – كما سماه كثيرون، أو “نقداً علمياً” أو “نقداً عاملاً” أو “نقداً حديثاً” كما هو العنوان، فإن صلته الوحيدة بالنقد في العصور السابقة لا نقد وصلة بين الخالف والسالف.
هذا ما يراه هايمن بالنسبة للنقد الأدبي، معرفاً النقد الحديث بالقول: “إنه إستعمال منظم للتقنيات غير الأدبية ولضروب المعرفة – غير الأدبية أيضاً – في سبيل الحصول على بصيرة نافذة في الأدب، مبيناً بأن سرّ هذا التعريف السابق منطوٍ في كلمة “منظم”، ذلك لأن أكثر تقنيات النقد الأدبي الحديث، في حينه، لم يكن مجهولاً في النقد القديم ولكنه كان يستعمل بطريقة عفوية عارضة، ولم تكن العلوم ذات الأثر في النقد قد تطورت تطوراً كافياً لتستعمل منهجياً، ولا كانت زاخرة بالمعرفة لتسدي له يداً جليلة، وأكثر ضروب المعرفة فائدة للنقد هي العلوم الإجتماعية التي تدرس الفرد عاملاً في جماعة (إذ الأدب بعد كل شيء أحد الوظائف الإجتماعية عند الإنسان)، مضيفاً بأنه وبناء على ذلك فتلك العلوم أكثر فائدة من العلوم الطبيعية أو البيولوجية (لأن الأدب ليس عملاً من أعمال البنية الإنسانية، كما هو الحال في المشي والأكل؛ بل هو جزء من النمو الإجتماعي أو الحضاري).
ومع أن أرسطو طاليس كان يهدف عامداً لما يسمى اليوم “العلوم الإجتماعية” على المسرحية والشعر، ليدرسهما تحت ضوء المصطلح الذي كان يعرفه عن العقل الإنساني وطبيعة المجتمع وبقايا البدائية، فإنه لم يكن لديه إلا مواد قليلة وراء ملاحظة التجريبية – على نفاذها – وإلا موروثاً غفلاً غير ممحص أما المعجزة التي حققها أرسطو طاليس، أي تلك الإصابة الأساسية في نقده، دونما مستند سوى ملاحظة الخاصة وإحساسه المرهف، فإنها إنتصار لنفاذ البصيرة النقدية التي اهتدت – بقوة الحدس – إلى أشياء كثيرة تم جلاذها والتطور بها من بعد، حتى أن في عصر كولوج، أي بعد ألفي سنة، لم يؤد ما كان معروفاً بدقة عن طبيعة العقل الإنساني والمجتمع، على ما كان يعرفه عنه أرسطو طاليس، بشيء كثير.
ويتابع هايمن عارضاً لرؤيته حول النقد الحديث قائلاً: إن هناك قسط كبير من النقد، معاصرٌ، غير أنه لا يسمى حديثاً، وفقاً للمعنى الذي كان قد حدده أي أنه لا يستخدم هذه المادة إستخداماً نقدياً منظماً – (ومن المدهش أنه كثيراً ما يستخدمها (عرضاً) – ومع أن لهذا النقد مكاناً، وهذا المكان كثيراً ما يكون هاماً، فإنه حسب تعريفه نوع آخر من النقد، خارج عن مجال إهتمامنا هنا.
وبالإضافة إلى ما للنقد الحديث من مهمة خاصة، أو درجة معينة يؤدي بها أشياء كانت تؤدي من قبل عرضاً وإتفاقاً، فإن هذا النقد ما يزال أيضاً يؤدي عدداً من الأمور، لم ينفك النقد يقوم بها في كل زمان، أعني تفسير الأثر الأدبي ووصله بموروث أدبي سابق وتقويمه وما أشبه، فهذه كلها مظاهر خالدة لأي نقد (إلا ان التقويم من بينها، فيما قد نلحظه، قد تضاءل شأنه في النقد الجاد في زماننا)، ولكن حتى خير ينتزع الناقد الحديث ليتخصص في أحد هذه العناصر النقدية الموروثة فإنه يضع إلى جانبها عناصر أخرى غير موروثة، أو يجريها معدّلة تعديلاً عميقاً بما أحرزه تطور العقل الحديث من مميزات وخصائص…
لعل الباحث في النقد الأدبي في يومنا هذا بإستطاعته إجراء مقارنة للوقوف على مدى التطور الذي لحق بهذه العملية النقدية، وربما لمح تقارباً كبيراً بين النظرة إلى النقد الأدبي ماهيته وأبعاده في الخمسينات وحتى في الزمن القديم، وما هو عليه اليوم… ربما وإلى حدٍّ ما، وسيكون بإمكانه المضي مع هذا المؤلف بجزئيه الذي استفاض فيه هايمن بالحديث عن النقد الحديث حيث تطرق، وبعد عرضه لرؤيته الخاصة في هذا المجال، إلى ما كان عليه النقد عند أدموندولس، أيغور ونترز، ت. س. اليوت، كان ويك بروكس، كونستانس رورك، مود بودكن، وأخيراً كارولاين سبرجن.