|

روائع في المسرح والشعر _ رابندرانات طاغور

ba52c d8a7d984d8b5d981d8add8a7d8aad985d986d8b1d988d8a7d8a6d8b9d981d98ad8a7d984d985d8b3d8b1d8add988d8a7d984d8b4d8b9d8b1 d8b1d8a7d8a8عنوان الكتاب: روائع في المسرح والشعر

المؤلف: رابندرانات طاغور

ترجمة:بديع حقي

الناشر: دار المدى للثقافة والنشر

الطبعة الثانية 2010

الرابط:حمل من هنا







مائة عام تمضي على مولد الشاعر الهندي (رابندرانات طاغور) ويحتفل العالم كله بذكرى الشاعر العظيم… “أفما خالستْك النظر”، من قبل، قصيدةً له منشورةً في مجلة أو ديوان؟.
بلى، وإنك لتذكر معنىً نادراً إنسانياً عميق الغور قد نغش له فؤادك ورفّت له نفسك، وتذكر أنك أعجبت بطاغور، وظللت، بعد هذا، تلوب على قصائده وكلماته، لتلَهَج بها وتوسَدَها شغاف قلبك؛ فإذا التمست عيناك صورة (طاغور)، مطلاً عليك بطلعته المهيبة، فإن في ميسور نظراتك أن تستشف وهي راكعة أمام خطوطها، كلّ ما يزخر به قلب هذا الإنسان الشاعر من محبة وطيبة وحكمة.
إنك لتراعي جُمَتَه، تنزلق من قمة رأسه إلى قذاله وتنثال على كتفيه، وحفةً بيضاء، كأنها حزمةً من الأشعة طريةً، ثم تلتقي بسبال لحيته وشاربيه وتحيط بوجهه الأسر، كإطار من غيوم، لتعانقه، لتحبو عليه، لتستمد منه صفاءً جديداً ترفد به بياضَها؛ أما عيناه السوداوان الغائمتان بالحنان والرأفة فتبدوان في بهرةٍ هذا البياض اللجّي، نبغي نورٍ يفيضان أغاني ومعاني، تترفقُ منسابةً إلى قراءة نفسك، لتهب لك طمأنينةً سابغةً قريرة.
هذا هو الشعور الذي يخالجك، إن اتفق لك أن تجيل طرفك في صورة (طاغور)، فكيف كنت تشعر لو أن الحظ أسعدك فاجتمعت إليه؟ لعلك كنت تردد ما أورده الكاتب الفرنسي (رومان رولان) الذي جلا لقاءه بالشاعر الهندي بهذه الكلمات: “حين تقترب من (طاغور)، يناسم نفسك شعورٌ أنك في معبد، فتتكلم بصوتٍ خفيضٍ، وإن أتيح لك، بعد هذا، أن تتملّى قسمات وجهه الدقيقة الأبية، فإنك واجدُ خلف موسيقا خطوطها وطمأنينتها، الأحزان التي هيمن عليها، والنظرات التي لم يداخلها الوهمُ، والذكاء الجريء الذي يواجه صراعَ الحياة في ثبات”.
لقد نورت عبقرية (طاغور) الشعرية وهو ما يزال في ريِّق العمر، وكان يجد من أفراد أسرته تشجيعاً متصلاً، غير أن أباه كان يُعِدُّه لدراسة القانون، فبعث به إلى كلية (برايتون) في إنكلترا، ولم يجد (طاغور) في دراسة القانون، ما يرضي نفسه النزّاعة إلى الفن والأدب، بيد أنه أفاد من إقامته في إنكلترا الشيء الكثير، فقد غدى نزعته الأدبية وارتضخ اللغة الإنكليزية بطلاقة وإجادة، مما أعانه، فيما بعد، على نقل بعض مؤلفاته الإنكليزية.
ونهل (طاغور) من معين الأدب الإنكليزي الخصب، فرفد ثقافته الشرقية بالثقافة الغربية، وأهلَّ ديوانه الأول (أغاني المساء) فتلقفته الأوساط الأدبية بالتشجيع، وتلقاه النقاد بالثناء الذي يستحق وظفر (طاغور) وهو ما يزال في ريعان الشباب، بإعجاب كبار شعراء عصره الذين توسّموا فيه شاعراً ملهماً ينتظره المجد، وأردف ديوانه هذا بديوان (أغاني الصباح)، وتغيم فيه ظلالً رمزيةً، تضفي عليه مسحةً من الغموض حلوةً ناعمة.
وكذلك حلَق شعر (طاغور)، بعد أن استمسك واستحصد، مجنحاً بالحب والألم، والفكرة والنغم، لتتجاوب به آفاق الهند، ثم يفرع جبالها، ويجوز حدودها ويضطرب في كل مرادٍ من الأرض، وينحدر كالشعاع النقي، فيغسل بكلماته الحلوة القلوب الحزينةَ المتشوقة إلى الطمأنينة والمحبة والسلام.
وتعاقبت آثار (طاغور) من فلسفة وشعر ورواية وقصة ومسرح، غريزةً سخية، تحمل رسالته الإنسانية السامية القائمة على المحبة والأمل، وتشرئبُ قمماً شوامخ في الأدب العالمي كله، فلا عجب أن تسعى إليه جائزة (نوبل) للأدب عام 1914؛ لقد أصبح (طاغور)، كما يقول عنه (غاندي) بحق، منارة الهند، ولعله أن يكون منارة الشرق كله، منارةً تبذل نور المحبة وتعيد إلى الإنسان المشرد في متاهات المادية والإلحاد، إلى الإنسان الذي افترست الحروب والطغيان، أحلامه الحلوة وأمنه وإستقراره، تعيد إليه الأمل والإيمان والسلام والثقة بمستقبل أفضل.
في هذا الكتاب لباقة يانعة مخضلّة، زهرة رشيقة لعوب، تأتمر بريشة الشاعر الشيخ، فتسارقها النظر ثم تشب إليها فتتودد إليها، ضاحكة، مريقة ألوانها، باسطةً أفوافها، مستجدية نظرة عطف، وتسلس الريشةُ العجوزُ لإغراء الزهرة العابثة المرحة، وتمتد إلى الإصباغ فتمزجها وتؤالف بينها، وتنسرح نظرات الفنان إلى الألوان الرفافة ثم تنكفء إلى نسيجة لوحته، وتواكب نقلةَ ريشته وتهديها وتفسح أمامها عالماً من الزهر طريفاً مبدعاً.
وكذلك حلا لطاغور أن يدخل جنةَ الألوان، وهو شيخ، ليجوّد، في فن التصوير ويترك قرابة ألفي لوحة تُعدُّ تراثاً فنياً ذا شأن، وكان كثيراً ما يعمد إلى مخطوطات قصائده، فيمد يراعُه خطوط بعض الأسطر التي شطبها ويمنحها شكلاً عجيباً، فتتراءى كأنها أشباح غريبة وافت من عالم آخر لتستقي من جداول كتابته المنمقة وتهب لحروفها معاني جديدة.
ثم طاب له أن يفزع إلى الأصباغ ويصور لوحات كبيرة – كان يدعوها بحق قصائد ملونةً – وكانت تنسجم في خطوط وألوانٍ وشياتٍ لا تسلكه في إتجاه معين من الرسم، بل تجلوه مصوراً بارعاً ذا أسلوب خاص به، تنساق فيه الألوان لريشته وتنقاد، طيعةً راضية.
في الباقة زهرات ناضرات، تشير إلى مقالاته ورواياته وقصصه، وتدلّك على النبع الشهي الذي تنهل منه، إنها تنفض لك ملامحَ المجتمع الهندي، بأسلوب واقعي، موشَى بالصور الشعرية، وتنتقد بعض عاداته وعيوبه، وتشقُّ له طريقاً لاحبةً مشرقة؛ كما كان حصاده غزيراً، كبيراً، فقد أزجى (طاغور) كأسَ حياته المترعة حناناً، وقطوفَ كرومه العذبة وجني حياته، يتلخص في مائة وعشرين مجلداً.

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *