كتاب من التراث إلى الاجتهاد – الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح والتجديد لـ زكي الميلاد
كتاب من التراث إلى الاجتهاد |
عنوان الكتاب: من التراث إلى الاجتهاد – الفكر الإسلامي وقضايا الإصلاح والتجديد
المؤلف: زكي الميلاد
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: المركز الثقافي العربي
الطبعة: الأولى 2004 م
عدد الصفحات: 320
حول الكتاب
يضم هذا الكتاب الدراسات والكتابات التي أنجزتها منذ سنة 1998 م، ومعظمها كان مقدما لندوات وحلقات دراسية وأكاديمية، قام بتنظيمها والإشراف العلمي عليها المعهد العالمي للفكر الإسلامي، في إطار برنامجه البحثي حول دراسة تجارب حركات الإصلاح والتغيير. وغالبا ما تعقد هذه الندوات والحلقات بالتعاون مع جامعات حكومية أو أهلية، أو مع مؤسسات علمية وثقافية كالمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.وقد خططت لهذه الدراسات بالشكل الذي يجعل منها عملا ممنهجا ومتناسقا يخرجها من كونها دراسات متفرقة جمعت وضمت إلى بعضها وخرجت في كتاب، فإلى جانب تلك الدراسات المقدمة في ندوات وحلقات، أضفت إليها دراسات أخرى أعدت لاستكمال وإحكام التناسق المنهجي، والانتظام التاريخي، وترابط النسق الموضوعي، قدر الإمكان.وتنتمي دراسات هذا الكتاب إلى حقل دراسة الفكر الإسلامي، وهو الحقل الذي أشتغل عليه منذ سنوات، وأتعامل معه كمجال اختصاص، وهذا الكتاب هو الرابع الذي يصنف على هذا الحقل.ويحاول هذا الكتاب أن يتتبع أزمنة فكرية تنتمي إلى أربعة عصور أو مراحل تاريخية، زمن ينتمي إلى العصر الوسيط، وزمن ينتمي إلى العصر الحديث، وزمن ينتمي إلى ما بعد قيام الدولة العربية الحديثة في النصف الثاني من القرن العشرين، وزمن ينتمي إلى تحولات العقدين الأخيرين من القرن العشرين. وقد شهدت هذه الأزمنة تحولات عميقة أثرت على مسارات الفكر الإسلامي وغيرت من اتجاهاته ومسلكياته ومرجعياته. ففي العصر الوسيط خصل تحول في مسلكيات الفكر الإسلامي السني مع ظهور الشيخ ابن تيمية في القرن السابع الهجري، الثالث عشر الميلادي، حيث ساهمت حركته الفكرية والاحتجاجية في الحد من تطور وتأثير حركة الشيخ الغزالي الفكرية، وحجبت عنها نسبيا ديناميتها في الامتداد والتقادم الزمني والفكري، وذلك نتيجة التمايز والتعارض بين منظومتيهما الفكرية، وتركيز ابن تيمية على نقد ومواجهة الأفكار والاتجاهات الأساسية التي انتهى إليها الغزالي.وفي العصر الحديث حصل تحول من نوع مختلف مع ظهور نزعة إصلاحية تلك التي عبر عنها السيد جمال الدين الأفغاني في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، وهي النزعة التي تبلورت وتحددت فيما بعد بمفهوم وحركة الجامعة الإسلامية. وقد مرت هذه النزعة الإصلاحية بأطوار وتحولات بعد غياب الأفغاني، مثل فيها الشيخ محمد عبده طورا أساسيا في تحريك هذه النزعة وتجديدها، وفي تحولها إلى منحى آخر يعطي الأولوية للأبعاد والتكوينات الفكرية والتربوية، وهي النزعة التي تبلورت وتحددت فيما بعد وعرفت بنزعة الإصلاح الديني. كما مثل فيها الشيخ عبد الرحمن الكواكبي طورا مهما ساهم هو الآخر في تحريك هذه النزعة الإصلاحية وتجديدها، وفي تحولها إلى منحى آخر يعطي فيها الأولوية لمقاومة الاستبداد، وهي النزعة التي تربط بين الاستبداد والنهضة. وآخر حلقات وأطوار هذه النزعة كانت مع الشيخ محمد رشيد رضا الذي حرك هذه النزعة الإصلاحية نحو المنحى السلفي بعد انهيار الخلافة العثمانية وظهور العلمانية المتشددة في تركيا.ومع قيام الدولة العربية الحديثة التي قطعت صلتها المرجعية بالمنظومة الإسلامية في مجال التشريعات والقوانين والنظم، ووثقت في المقابل ارتباطها المرجعي بالمنظومة الغربية، الوضع الذي ساهم في تراجع حركيات الفكر الإسلامي وتغليب مفهوم الهوية والتشبث بهذا المفهوم وإظهار التخوف عليه باستمرار، وإعطائه درجة عالية من الأولوية، وهو ما يفسره البعض بالمبالغة والإفراط. مع ذلك لم يبق الفكر الإسلامي على هذا الحال الساكن فقد ظهرت محاولات تجديدية جديرة بأن يؤرخ لها، منها محاولة السيد محمد باقر الصدر في العراق الذي سعى لبناء منظومة للتصور الإسلامي الشامل من خلال المؤلفات التي عرف بها، واكتسبت شهرة واسعة لأهميتها وقيمتها المعرفية والمنهجية. وهكذا محاولة الشيخ مرتضى المطهري في إيران الذي حاول التأكيد والتأصيل وإعادة الثقة بقدرة الإسلام على مواكبة العصر والاستجابة لمتطلباته. والمحاولة الثالثة التي يتحدث عنها الكتاب تلك التي نهض بها الشيخ محمد مهدي شمس الدين في لبنان وتميزت بتأصيل المسألة السياسية الإسلامية، وتحريك التجديد في مجال الفقه الإسلامي.أما في العقدين الأخيرين من القرن العشرين فقد تغيرت فيهما مسلكيات الفكر الإسلامي بصورة لافتة، حيث اكتسب زخما كبيرا وطاقة هائلة مع ظاهرة الانبعاث الإسلامي.لكن هذه المسلكيات تبدلت ملامحها واتجاهاتها بين عقدين، فقد كانت لها ملامح واتجاهات معينة في حقبة الثمانينيات غلب عليها الاندفاع الشديد، وذهنية المواجهة والصدام والانخراط في النشاط السياسي، وبلورة خطابات تستنهض الأمة. وتغيرت هذه الملامح والاتجاهات وطريقة النظر لها مع عقد التسعينيات وبالذات في النصف الثاني منه، حيث شهدت بعض خطابات الفكر الإسلامي مراجعات وتقويمات ونقديات في المفاهيم والمسارات والمناهج، كان من نتائجها التأكيد على مبادئ العقلانية والاعتدال والوسطية، والانخراط في عمليات التجديد الديني، وربط الاجتهاد بقضايا العصر، والانفتاح على منهجيات العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهذه الملامح والاتجاهات عبرت عن تحول في نظم الفكر الإسلامي دفعت به نحو مسلك جديد.ولأن جميع هذه المحاولات التجديدية كانت تنطلق من قاعدة التواصل مع التراث، والانتظام في مرجعياته، وليس بالانقطاع عنه وفك الارتباط به، لذلك كان من الضروري الحديث عن التراث في إطار كيف نفهمه؟ وكيف نتعامل معه؟ كيف نفهمه؟ هو السؤال المعرفي، وكيف نتعامل معه ؟ هو السؤال المنهجي.السؤال المعرفي يتأسس على خلفية أن المشكلة ليست في التراث وإنما في طريقة فهمنا لهذا التراث، والسؤال المنهجي يتأسس على خلفية أن المشكلة ليست في التراث وإنما في طريقة تعاملنا مع هذا التراث، لهذا فهي مشكلة في المعرفة والمنهج معا.