كتاب تقاسم المعارف : الخطاب التاريخي والخطاب النياسي لـ ميشال دوشيه
كتاب تقاسم المعارف : الخطاب التاريخي والخطاب النياسي المؤلف : ميشال دوشيه اللغة : العربية دار النشر :المنظمة العربية للترجمة سنة النشر : 2010 عدد الصفحات : 320 نوع الملف : مصور |
هذا المشروع له جذوره في كتاب للمؤلفة صدر سنة 1971 حول “الأنثروبولوجيا والتاريخ في عصر الأنوار” كانت قد طرحت فيه سؤالاً كبيراً: كيف نشأت الأيديولوجيا الاستعمارية المعاصرة من داخل فلسفة الأنوار بالذات؟ حتى ولو كانت هذه الفلسفة قادرة أيضاً على خلق مقاومة حازمة لممارسات تلك الأيديولوجيا ونتائجها؟ إنه سؤال مثير للاهتمام، انفتح على أسئلة وقضايا كثيرة تنطوي على سؤال مركزي آخر هو كيف جرى تقسيم الإنسانية في تاريخها الطويل إلى شعوب لا تاريخية وأخرى تاريخية، خصوصاً بعد إكتشاف شعوب العالم “الجديد” “القديمة”؟ هذا ما يحاول هذا الكتاب الإجابة عنها.
أما عنوان الكتاب ففيه ما يستحق التوضيح ليصبح الكتاب مقروءاً؛ فالمعارف التي تعنيها المؤلّفة بكلمة (savoirs) هي تلك التي توفرها دراسة مجتمعات قديمة يرى النياسيون أنها غير ممكنة بإستخدام المناهج وأدوات التحليل التي تستخدمها العلوم الإنسانية الأخرى (ومن بينها التاريخ) في حين يرى المؤرخون أن معرفتها – أياً كان الفرع العلمي الذي يدرسها – لا بدّ أن تندرج في إطار معرفة تاريخ الإنسانية الشامل وأن تسدّ ثغرات النقص في تلك المعرفة؛ فهي إذاً ليست جملة المعارف بل إنها تقتصر على تلك التي يتنازعها عِلمان أو حقلان معرفيان هما التاريخ والسياسة، كما أن كلمة (partage) لا تعني أن تقاسم المعارف يتم بالتوافق والتراضي وإنما هو تقسيم ينطلق من سجال يدور – داخل حقل المعرفة النياسية – حول فلسفة هذا العلم وقد تعددت إتجاهاتها وباتت مختلفة المذاهب، تبعاً للموقف الذي يتخذه النيّاس من فلسفة التاريخ.
ترصد “ميشال دوشيه” مراحل تطور تلك المعارف لدى بعض كبار الكتاب، أما “لافيتو” مثلاً فيُدخِل الأميركيين في التاريخ لكنه يشبّههم بشعوب “العصور السحيقة القِدَم” من دون أن يجعلهم في عداد تلك الشعوب، بسبب جمودهم وإنعدام تطورّهم؛ وينظر “فولتير” إلى الإنسان الوحشي البرّي من خلال ما يُنجزه في التاريخ الشامل للفكر الإنساني، في حين أن “مالتوس” (Malthus) يؤسس مبدأ السكان على دراسة المجتمعات جميعاً بريّة كانت أم مدنيّة.
أما “كورنيليوس دو بو” (Conrnélius De Pauw) فلا يرى في الهنود (الأميركيين) إلا بشراً تعطّلت قدرتهم على التقدم بسبب جبلَّتهم الفاسدة وفكرهم المحدود، ويتصوّر “هيغل” شعوباً بلا تاريخ ويُدرِجها في خانة الطبيعة، ويجعل “هنري لويس مورغان” النياسة عِلماً ذا قواعد وأصول بإكتشافه “أنظمة القرابة” لدى جميع الشعوب القديمة التي يجعل تاريخ المدنيّة إمتداداً لتاريخها ويجعلها حلقةً أساسيةً في تطوّر الجنس البشري.
ويتبعه “إنجلز” فيُلحق اللاتاريخ بالتاريخ مشدداً على الوحدة الجوهرية للجنس البشري، أما “كلود ليفي ستراوس” فإنه يرفض فكرة التاريخ الجامع للجنس البشري، ويبقى أمينا – جزئياً فحسب – لفكر جان جاك روسو، بتمييزه المجتمعات الساخنة التي تعرف الكتابة عن المجتمعات الباردة التي لا تعرف الكتابة لكنها تنتِج أساطير.
تقاسم المعارف الذي ترصده المؤلّفة هو تقسيم نظريّ، لكن المعارف نفسها لا تخرج عن إطار “إعادة تركيب تاريخ البشرية” كما تقول مؤلّفة الكتاب.