|

كتاب السيدة من تل أبيب – رواية لـ ربعي المدهون

حول الكتاب
“وصلت إلى لندن قرابة العاشرة ليلاً، منهمكاً متعباً من طول السفر، ومن الإجراءات الأمنية التي لا مثيل لها في مطار بن غوريون في تل أبيت، والتي ضاعف قسوتها مجيئي في قطاع غزة؛ عوملت خلالها كمن يهرب إنتحاريين في حقائبه، استقبلتني في طابور تفتيش المسافرين فتاة أمن في العشرينات من عمرها، استجوبتني لمدة عشر دقائق على الأقل، ركزت أسئلتها على ما كنت أفعله في غزة، وبمن التقيت هناك، كان أكثر ما أدهشني وأغاظني أيضاً، سؤالها عن مكان ولادتي في أسدود، ولماذا هو مدوّن في جواز سفري، تجاهلت غباءها المتعمد وأجبتها بما يتعلق عمرها كله. قلت لها إنني ولدت قبل قيام دولة إسرائيل، وإنني “أكبر منها عمراً”، مستعيراً كلمات قال غسان كنفاني، الذي اغتالته إسرائيل في بيروت عام 1972، تركتني الشرطية غاضبة وركضت نحو زميل نادى عليها، تسلمتني فتاة أمن ثانية أعادت تكرار الأسئلة نفسها تقريباً كأنها درستها في أكاديمية لتعذيب المسافرين. حين انتهت من أسئلتها وانتهيت من إجاباتي عنها، سحبت حقيبتي وصممت برفعها إلى حزام الكشف بالأشعة، فاعترضت طريقي شرطية آمن ثالثة، أكدت لي أنها وزميلاتها نسخ متطابقة من كراهية توزعها الحكومات الإسرائيلية على الفلسطينيين بشكل عادل…
استغرق ذلك كله أكثر من ساعتين، أضيفت إليهما، فيما بعد، ساعة ثالثة أمام شباك منح تأشيرة الخروج. في الطائرة جلست وحيداً، لا أترقب جاراً تقلقني جيرته؛ ولا تحاصرني أسئلة كالتي حملتها معي في رحلتي إلى تل أبيب من مطار هيترو. وحيداً أمضيت الساعات الخمس بلا دانا أهوفا وبعيداً عن حكاياتها ودهشتها وإنفعالاتها، وببكائها الغامض الذي لم أحلّ ألغازه…
حين وصلت إلى البيت، عانقت زوجتي جولي، التي فتحت لي الباب بذراعين تتسعان لإشتياق بحجم ثلاثة أسابيع من الغياب، نقلت لها تحيات أمي وقبلاتها وتحيات الآخرين من أقربائي، ووعدتها بحديث لاحق حول تفاصيل رحلتي إلى غزة، بما فيها ما تركته من تأثير على روايتي، ولقائي المفاجئ بعادل البشيتي هناك”.
ثمانية وثلاثون عاماً من الغياب عن الأرض والوطن والأم، لم تصدق والدة وليد دهمان أن ابنها هو عائد إلى قطاع غزة بعد هذا الغياب، ثمانية وثلاثون عاماً وهي تسأل وتكرر السؤال، تنصت لهمس الريح يوشوشها صدى السؤال، تلملم خيبتها وتطويها مع الفراش.

وفي المساء، تنام مع الخيبة وتستقيظ صباحاً على السؤال. وحين هاتفها وليد وكادت تسمعه صوته في لندن: “إني جاي عَ غزة يمة… راجع عَ لبلاد” لم تصدقه، وهزت محمومة ترتعش بالمفاجأة، “وايش بدو يجيبك بعد هالغيبة الطويلة يمّه؟!”.

وبين فرحة اللقاء ثم غصة الوداع والعودة إلى بلاد الغياب تتسرب تتسرب، ومشاهد تتوالى، وقصة حياة يتابعها القارئ.

قصة وليد دهمان الروائي الذي خط بدايات روايته التي وضعت آنا آهوفا عنواناً لها، لتلاقي بعدها حتفها في ظروف غامضة.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *