|

كتاب المترجم الخائن – رواية لـ فواز حداد

حول الكتاب
“العالم فقير يا صديقي، بحاجة إلى رؤية غنية موازية، تتفوّق بالروح وتمتاز بالصدق، مشغولة على نحو إبداعي وبانتقائية شديدة تتوسّل خيارات غير مادية. العالم، ولا أبالغ، يحتاج إلى اختراقات تغير نظامه السكوني الجامد إلى كيان شعري يتميز بالاضطراب، ويبني توازنه على كلمات وإيقاع وموسيقى”. لم تلتفت إلى هذه الترتيلة الغامضة، أرهق نفسه في الشرح، وعقّد ما كانت تكتبه ببساطة وحمّلها مشقة وضع العالم على سكة الروح والحقيقة. ما أثار انتباهها عندما تكلم على شِعرها، يداه اللتان أخذتا ترسم اشكالاً وتحتويان أحجاماً، بحيث بدت أشعارها مادة كتابية تساير ما حققته في النحت، ما كانت تكتبه بالقلم، أنجزه بالإزميل مؤكداً على صلة لا تنفصم بين الفنون، فيما وجدت العلاقة مفتقدة بين سكون الحجر واضطرام الشعر. “لكنك تعمل على جمادات!”. “نعم أسعى إلى أن أمارس عليها تشويهاً، يحيلها إلى كيان متحرك، يتلجلج بإيقاعات شتى، لغته الانكسارات والانحناءات، ويوحي بالانطلاق” تابع الغوص في تعليلاته، وكانت مشعبة بالسحر والفتنة والرحابة، تكشف عن عالم غريب وسريّ، هائل ومختلف؛ كان شعرها، ويا للعجب وسائل إيضاح له. أحست أنها تخطو في ميدان متسع بلا أسوار تعبر خضمّه المتلاطم بخوف واجف، ترتعد أمام معالمه الكبرى، وتتميز تفاصيله الصغيرة. حقيقته كانت خافية عليها، وأخذت تظهر شيئاً فشيئاً. ميدان تتلمس مدى اتساعه، فارغ الأمن الخلود على ساحته تمارس شطحات الإبداع تخليق حياة ثرية، الألم مادتها، والشعر مكافأتها. حياة استطاعت تصورها بثوان خاطفة؛ موّارة كثيفة مكتنزة وعنيقة، تستحق أن تعيشها ولو بضع ثوان، بعدها لا يأس، لقد عاشت الخلق والحقيقة، ستموت راضية. عجبها كان، أن النحات الشاب، امتلك القدرة على تذوق كتاباتها، والتعبير عما استتر عليها، وفهم شخصيتها، وآلامها أكثر منها. منحها ترحيبه الوجداني في الاستماع إلى مصائبها دعماً عاطفياً، رغم أنه كان مطلعاً على طرف منها، وبلغ به الدعم أنه ذرف الدموع معها. لم تعد وحيدة، هناك رجل يقف إلى جانبها يقاسمها أعتى همومها، بعد أشهر من الشقاء البليغ أخذت تتعافى من عته الأحزان المدمر والمزمن. نصيحته الأخيرة: “عزيزتي، النضال إفك وبهتان، الثورة تبدأ في داخلنا، كل ما ترينه من ثورات تعتمل على السطح. لن تبلغ أعماقنا ولو دامت سبعين عاماً”.
في هذا العمل الروائي، تبدو معاناة الكاتب العربي بصورة عامة، والروائي بصورة خاصة، حاضرة فيه بزخم. كشف عن معاناة الأديب كإنسان، كمواطن عربي تلعب الأحداث السياسية والاجتماعية دوراً أساسياً في عمله، شعراً كان أم نثراً، مع التركيز بصورة خاصة على الروائي وعمله الذي يأخذه إلى عوالم ويصبح بعدها متخبطاً بين الواقع والخيال، وهارباً من واقع حياتي يحسه مدمراً؛ أزمات سياسية عربية. مجتمع يعيش ضمن شعارات، ومثقفون يرزحون تحت ضغط أفكار ومبادئ غير مثمرة. يمزج الروائي في عمله هذا ومن خلال أسلوب رائع بين الأحداث السياسية التي ألقت بظلها الثقيل على الدول العربية: اجتياح العراق، الانسحاب السوري من لبنان وما رافقه من أزمات، وتأرجح موازين القوى في العالم ككل. يمزج الروائي ذلك كله بسيرورة الأحداث الروائية لدى شخصياته، مستثمراً ذلك للتعبير عن أزمة الوطن والمواطن.

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *