|

كتاب تبليط البحر – رواية لـ رشيد الضعيف

حول الكتاب
“وما أن علم اسكندر بمرض صديقه حتى استأجر بغلاً وعاد فوراً إلى سوق الغرب حيث كان المبشر البروتستانتي الدكتور “كورنيليوس فان ذيك” في زيارة للمدرسة، فطلب منه اسكندر المساعدة فلبّى الدكتور فان دَيك الطلب وذهب معه إلى براشار حيث عاين منصور وأعدّ له دواء في مقادير دقيقة كانت له رائحة نفّاذه، فشرب منه منصور وشفي.
بدأ يشعر بالتحسن بعد ساعات قليلة فقط من من الجرعة الأولى، ثم بدأ يتعافى في اليوم التالي، ولما تعافى بالكامل وعادت إليه روحه اضطرب، لأنه ظن أن الوفاء للدكتور فان ديك على ما قام به يكون بالتحول إلى البروتستانتية، فباح لصديقه بظنونه، فطمأنه صديقه بأن التحول إلى البروتستانتية لا يكون مقابل خدمة مهما تبلغ أهميتها، بل يكون بعد إقتناع عميق بأن المسيح فقط هو المخلّص وبأن الصور والتماثيل في الكنائس هي من الوثنية وأنه لا شفاعة عند الله لقدّيس ولا متى لمريم العذراء، وأن زاد الإنسان في الآخرة هو أفعاله في الدنيا لا غير، أموت ولا أنكر شفاعة العذراء وقدسيتها قال صراحة لإسكندر، لست مؤهلاً بعد للتحول إلى البروتستانتية، ولا أحد يجبرك على ذلك، أجابه اسكندر.

وكيف أردّ الجميل للدكتور فان ديك أذن؟ الدكتور فان ديك لا يريد ردّاً على جميله، وهو قام بذلك لوجه الله وإرضاء لضميره وإقتناعاً منه بأن الناس كلهم ملزمون ببعضهم البعض؛ كانت هذه الحادثة بالذات نقطة تحوّل حاسمة في حياة منصور، صارت حياته بعدها مختلفة تماماً عما كانت عليه قبلها.

سحره الطبّ الحديث بعد هذا الشفاء من مرض كان يلزمه الفراش أياماً كلما أصابه، ولم يعد يخاف منه لأن دواءه معروف يعدّه الطبيب في دقائق، وتمنى أن يدخل المدرسة ليصبح طبيباً، لكنه كبير العائلة ويعيلها بعد وفاة والده، وكان له ستّ شقيقات وشقيقتان صغيران، لذلك كان يستحيل عليه أن يترك عمله كــ”معلّم” بنّاء، ثم إن قريته براشا كانت تخلو من مدرسة، دكان على من أراد أن يتعلم الإنتقال إلى سوق الغرب وهي أقرب قرية فيها مدرسة.

وكانت هذه المدرسة مشهورة بمستواها العالي، لكنها كانت تبشّر بالدين البروتستانتي! ولمّا أدرك متصور أنه يستحيل عليه ان يكون كصديقه اسكندر – سامحه الله! عزم على أن يحقق حلمه في ابنه، بعد أن يتزوج ويرزقه الله بصبي يخصصه في الطب على الطريقة الحديثة، وقرر أن يخطب لذلك فتاة لكن ليس على الطريقة التقليدية بل بنفسه، كما أقنعه اسكندر ودون إيكال الترتيبات إلى أحد من أهله”، مسحة أنس تستشعرها منذ السطور الأولى، فتستهويك القصة لمتابعة فصولها التي لا تخرج عن كونها سرد تاريخي ممتع تتخلله أحداث شكلت منعطفاً هاماً في تاريخ لبنان وسوريا بشكل عام.

كل ذلك وأنت وكقارئ مسترسل مع رشيد الضعيف وهو يسرد لك حكاية منصور هاشم الذي مثل تلك الشخصية المتنورة في فترة أواخر القرن الثامن عشر وبدايات التاسع عشر والذي، ورغم ظروفه المعيشية لم يتناول عن حلمه في مهنة الطب التي وإن لم تساعده الظروف على تحقيقها بنفسه، حققها من خلال ابنه فارس الذي كان وجرجي زيدان أصدقاء حيث دخلا كلية الطب ودرسا فيها معاً إلى أن جاءت أزمة في الجامعة جعلت الصديقين يفترقان فارس إلى أميركا وجرجي زيدان إلى القاهرة.

في هذه المرحلة يصور الكاتب الأجواء والمناخات التي كانت تحيط بالجامعة الأميركية وكلية الطب تحديداً حيث كانت ظاهرة سرقة الجثث شائعة وذلك ليتدرب الطلاب عليها من خلال تشريحها، ومهما يكن من أمر، فقد كان فارس يرفض ذلك ولكن المفارقة أنه قَبِلَ أن يقدم جثة والدته لهذا الغرض.

وإلى نهاية الأحداث، وإلى نهاية مشوار فارس في أميركا، وبعد أن أصبح طبيباً مستهدراً في تلك البلاد قرر العودة إلى لبنان، فالشوق كان قد يصف به منذ بداية المشوار إلا أنه استمهل نفسه إلى أن جمع ثروة لا بأس بها، ولكن وعند طريق العودة إلى بلاده وافته المنية ليصبح جثة في تابوت يتم سرقتها ويكون مآلها جثة على مشارح كلية الطب في الجامعة الأميركية… فارس هاشم، الطبيب المغترب في أميركا، الذي كان طالباً في الجامعة والذي تابع تخصصه في الولايات المتحدة يعود ليس على والده وأهله… ولكن إلى…

مناقشة الكتاب    ملف الكتاب    

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *