كتاب الرقص أمام المرآة – مسرحية لـ فرانسوا دا كوريل
كتاب الرقص أمام المرآة – مسرحيةالمؤلف : فرانسوا دا كوريل اللغة : العربية دار النشر : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سنة النشر : 2010 عدد الصفحات : 140 نوع الملف : مصور |
كان قد خص «مورا» كتاب فرانسوا دوكوريل كتابه ببضع أسطر وأنهاها قائلاً (فإلى المسرح «إلى المسرح يا سيد دوكوريل) نادراً ما نقرأ أن ناقداً استطاع إنجاز مهمته ووجه خطا كاتب موهوب مثل فرانسوا دوكوريل الذي عاش ما بين سنتي 1854 و1928 وكان مولده في مدينة ميتز الواقعة في إقليم الإلزاس واللورين، الذي كان موضع نزاع عنيف بين فرنسا وألمانيا بحجة أن أغلب سكانه من الناطقين بالفرنسية أو من الناطقين بالألمانية وكانت وفاته في باريس وهو ينتمي إلى أسرة فرنسية عريقة يعود أصلها إلى أحد فرسان الحروب الإفرنجية على المشرق العربي، وأصبحت ذات أملاك واسعة في الاقليم وعملت في صناعة التعدين التي كان يعمل في مصانعها آلاف العمال، وكان لبعض شخصياتها دور عسكري في زمن نابليون الأول، ولهذا أتاه لقب فيكونت أو كونت في مرحلة من مراحل حياته، نتيجة هذا الانتماء إلى أسرة شبه إقطاعية وصناعية، إلى أن تلاشى هذا الوضع بعد سنة 1870 بسقوط نظام نابليون الثالث على يد ألمانيا البسماركية.. مسرحية «ضلال قدسية» كانت أولى مسرحياته وقد عرضت لأول مرة على خشبة المسرح الحر بباريس عام 1892 ثم تلتها مجموعة من المسرحيات إلى أن ألف مسرحيته «الرقص أمام المرآة».
تنتمي مسرحيات «دوكوريل» إلى المسرح الملهاوي عموماً ويصنفها بعض النقاد الفرنسيين ومؤرخي الأدب في إطار (مسرح الأفكار) أو مسرح القضايا الاجتماعية والأخلاقية والفلسفية وكان الكاتب يسعى إلى استعراض التناقضات الفكروية «الأيديولوجية» بطريقة واقعية من خلال تحليل مواقف الشخصيات والغوص في عواطفهم ونفسياتهم وتطور سلوكهم وتصرفاتهم بتطور أفكارهم وزاوية نظرهم إلى الأمور.
يدور موضوع هذه المسرحية حول طبيعة العلاقات البشرية بين صبية وشابة جميلة وارثة لثروة كبيرة جداً تحب شاباً ثرياً وجميلاً أيضاً، غير أنها كانت تنتظر منه أن يبوح لها بحبه إياها، وأن يعدها بالزواج منها، بيد أنه كان شديد الإسراف في صرف الأموال على الحفلات والولائم إلى أن أفلس وقرر أن ينتحر بإلقاء نفسه في مياه نهر «السين» بباريس ولما كانت الصبية تحس أنه مقبل من شدة بأسه على كارثة الموت ولا تدري كيف، فقد قررت زيارته ليلاً للاطمئنان عليه ورفع معنوياته.
وتقتحم عليه شقته بلا موعد ولا استئذان، فترى في حضنه فتاة شابة تظنها غريمتها في حبه ويتبين أنها غانية أراد قضاء ما تبقى له من سويعات معها بدلاً من الوحدة فتنسحب من غير أن يلمحها والغيرة تأكل قلبها وهي غاية في الغضب عليه وفي صبيحة اليوم التالي تعلم من الصحب نبأ محاولة انتحاره في السين، وإنقاذه منه، ويأتي لزيارتها فوراً بعد الإنقاذ وهو في حالة مزرية فيدور بينهما نقاش تخبره فيه عن خيانته وتعرف الحقيقة، فتعرض عليه الزواج منها والعمل عند عم لها موظفاً في مصنع وتعده بوضع أموالها كلها تحت تصرفه وتأخذ عليه عهداً أن يقبل الزواج منها حتى لو أتته يوماً وهي آثمة، فيقبل، فتمزح معه – مقابل خيانته – بأن توحي إليه أنها حامل نتيجة إثم ارتكبته، فتضيق الدنيا في عينيه، ويحاول التنصل من وعده ولا تجدي معه أي محاولة من قريبة لها أنها كانت تمازحه فقط، ولكن الصبية تتبع كل السبل لإثارة شكوكه ثم تحمله أخيراً على الوفاء بعهده لها بالزواج، ويتبين له أنها فعلاً طاهرة وبريئة مما كانت تتدعي ومع ذلك يتودد إليها ويراقصها ثم تكون المفاجأة الكبرى للجميع بأن يطلق النار على نفسه في أثناء الرقص معها ويسقط مضرجاً بدمه.. الخاتمة شكسبيرية مأساوية حقاً ومؤلمة، ظل تفسيرها غامضاً، وقد مضت أحداث المسرحية ومشاهدها عبر حوارات جميلة رشيقة معبرة تدل على ذوق رفيع في الحوار لدى الكاتب «دوكوريل» حلل من خلالها نفسيات شخصيات المسرحية تحليلاً عميقاً يدل على خبرة بالنفس البشرية وتلون طبائع الإنسان باختلاف المواقف والتصورات والنيات والمواقف.
كان «دوكوريل» حريصاً على أن يقدم لكل مسرحياته بلمحة عن الظروف التي أوحت إليه بفكرتها أو موضوعها، أو أحاطت بعرضها، وما كان من ردود فعل النقاد والصحفيين والأوساط الثقافية عموماً عليها، وهذا ما كان يعطي فكرة دقيقة وشفافة عن فن الكاتب.
كتب عنه مؤرخ الأدب هنري كلوار يقول: (إن دوكوريل منح في الحقيقة وجهاً وجسداً وروحاً وكلمات لبعض المشاعر العظيمة التي تتباين بعنف في الحياة، كما أعطى أيضاً الأماكن عامة طابعاً استثنائياً).