|

كتاب 7000 يوم في سيبريا

وصف الكتاب

في تشرين الثاني/ نوفمبر 1936، أثناء حملة ستالين للتخلّص من المعارضين والمشكوك في ولائهم؛ اعتُقل كارلو شتاينر، كملايين مثله، في موسكو، بتهمتي “الثورة المضادة”، و”العمالة للغستابو”، وهما تهمتان تكفي كل واحدة منهما، وقتها، لدفنه. ليقضي عشرين عاماً متنقلاً بين معسكرات الاعتقال المرعبة في سيبيريا، محاولاً تفادي الموت الرابض خلف كل ثانية منها، قبل أن ينعم من جديد بالحرية، بعد موت ستالين، وهو ما لم يكن قدر كثيرين غيره.

كان السبب الحقيقي لاعتقال مهندس الطباعة اليوغسلافي ـ النمساوي، الذي استقرّ في الاتحاد السوفييتي، عام 1932، هو انتقاده التمايز الطبقي بين القادة والعمال، الذي لاحظه من موقعه كمدير لـ”مؤسسة الطباعة للشيوعية العالمية”؛ تمايز لا يليق بدولة كان يظنها جنة الاشتراكية في الأرض.

الانتقاد الذي أثار حفيظة نافذين في أجهزة الدولة الستالينية؛ ألقى به لعشرين عاماً في جحيم سيبيريا، قبل أن ينجو ويروي تفاصيل حياته اليومية في معسكرات “الغولاغ”، في كتابه “7000 يوم في سيبيريا” (1971)، الذي أنجز ترجمته العربية الكاتب السوداني فيصل محمد مكي أمين (دار هايل)، ويتألف من خمسة أجزاء، قُسِّم كلّ منها إلى فصول قصيرة تمثِّل سجلاً لتجربة إنسانية مؤلمة بكل المقاييس.


صادف شتاينر مسجونين بقوا حتى النهاية يؤمنون بـ”الرفيق القائد” ستالين

في هذا العمل الذي نُقل إلى لغات كثيرة، أخرج شتاينر القتلى والمعتقلين والمعذَّبين من فخ النظر إليهم كأرقام ميتة في الإحصائيات، ليصبحوا ألماً حياً يسعى بين الصفحات، يذكِّرنا بأن من حق الضحايا أن نراهم وأن نحس بهم، وبأن لحيواتهم المسحوقة قيمة أكبر من أن تصبح مجرّد أرقام نأسى عليها لثوانٍ، ونحن نحصيها أمام التلفزيون، قبل أن نواصل مضغ ما في أفواهنا.

الكتاب، الحائز جائزة “إيفان قورن كوفاجج” في يوغسلافيا للعام 1972، ليس رواية، ولا كتاب مذكرات، بل هو كتاب عن القسوة، يكشف عن أكثر البقاع ظلاماً في النفس البشرية، التي يمكن أن تطفو حين يغيب الوازع عمّن يؤمن أنه يخدم بفعله هذا فكرة أو قضية عادلة.

والخصائص التي أظهرها شتاينر في قراءته لمآلات الاتِّباع الأعمى لحراس الأيديولوجيا، مثل ستالين، ليست حكراً على تلك الحقبة، بل هي “مشتركات أورويلية” تسم الديكتاتوريات على اختلاف الأزمنة والأمكنة. فدائماً نجد المبررات نفسها للجرائم نفسها، ونجد من هم على استعداد لدهس إنسانيتهم من أجل قتل وتعذيب من يخالفونهم الرأي، أو العقيدة، أو حتى لإرضاء طاغية أبوي.

فمثلما صادف شتاينر (1902 ـ 1992)، في اعتقاله الطويل، مسجونين ومحكومين بالموت بقوا حتى آخر قطرة من حياتهم يؤمنون، بسبب الدعاية الكثيفة والمستمرة، بـ”الرفيق القائد” ستالين، ويبررون حبسهم والحكم عليهم بالموت، رغم براءتهم؛ ما زلنا نجد اليوم مثل هذه الأنواع المميتة من الإيمان، التي قد تدفع بعضهم لتأييد طاغية ما، والاقتناع بأنه “المنقذ الذي لا يخطئ”.

 

ملف الكتاب    قناتنا على تيليجرام   

كتب ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *