كتاب إعترافات الزمن الخائب
كتاب إعترافات الزمن الخائب المؤلف : غالي شكري اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 1980 عدد الصفحات : 462 نوع الملف : مصور |
كتاب إعترافات الزمن الخائب تأليف الدكتور غالي شكري.
يمثل غالي شكري أحد أبرز المثقفين العرب في القرن العشرين مع أن اسمه ليس معروفا لدى كثيرين، وعلى الرغم من المعارك الكثيرة التي أثارها ضد خصوم من الشهرة والنجاح إلا أن العمق الذي أبداه في التعاطي مع القضايا الفكرية جعله بعيدا إلى حد ما عن القارئ العادي، أقرب إلى النخبة، ليس لأنه يمعن في استخدام المصطلح، أو يحاول التعالي أو التفذلك، ولكن لأنه يصر على الرؤية من زاوية مختلفة، أن يضع نفسه في مكان مرتفع من القضية تجعله يحيط بمختلف النواحي ويمعن فيها أسلحته النقدية المتعددة والعميقة، وينطلق مستندا على ثقافته المتعددة الأوجه والأبعاد في تفكيك السائد والشائع والعادي، من معاركه المهمة هو تناوله بالنقد لتجربة نجيب محفوظ والتي بدأت من موقف يرحب بمحفوظ وأعماله، ووصلت إلى اتهام الروائي الأكثر شهرة عربيا بالسطحية والتكرار، وأيضا دخل في معركة كبيرة مع الشاعر أدونيس الذي يعد أحد الرموز المهمة ليس لدى القراء والمتثاقفين وإنما أيضا المؤسسات الثقافية، فلم يتردد شكري في وضع كل ظاهرة أدونيس في إطارها، ولكن معركته الأهم، والأصعب، كانت هجومه بعلانية وفي وقت ليس مناسبا على الإطلاق على جميع المنقلبين على زمن الزعيم جمال عبد الناصر لمصلحة خليفته الرئيس أنور السادات، ومعركته مع المنادين بالسلام ممن مجدوا خطوة السلام المنفرد في كامب ديفيد، وبالفعل كانت معركة ضارية، فعلى الجانب الآخر شخصيات مهمة وكبيرة أيضا ولها تجربة ثقافية وسياسية واسعة، بعض هؤلاء الكاتب والمسرحي توفيق الحكيم، والروائي والصحفي فتحي غانم، والناقد لويس عوض، ولعله استشعر مبكرا المآلات التي ستذهب لها سياسة الرئيس السادات في مواجهة المثقفين المصريين بمختلف أطيافهم.
ما يحرك شكري ليس فقط النظرة إلى المستقبل والحس النقدي، وإنما أيضا الوفاء لمرحلة أسهمت في تشكله، وهو يعترف بأكثر من صورة أن قناعته بخصوص عصر عبد الناصر، والثورة المصرية، تعود أساسا لأنه حصل على فرصة حياته للإلتحاق بالتعليم الجيد والتفتح على وعي جديد بالاستقلال والندية لللآخر، وفي ذلك يشترك معه معظم المنتمين للنخبة المصرية من أبناء جيله، وعلى الأقل فإنه يضع التجربة الناصرية في إطار موضوعي يبتعد بها عن التملق الذي مارسه مثقفون آخرون بعد رحيل عبد الناصر، فمن ناحية كانت موجات الهجوم المتتابعة على مرحلة الناصرية وتجربتها الاشتراكية القومية تمثل إعلانا للتبرؤ من الميل الذي أبدوه للناصرية إبان قوتها وسيطرتها، وأيضا استرضاء للرئيس الجديد الذي أخذ يبتعد عن العمق القومي ويقترب من الغرب ويطبق سياسة السوق المفتوح التي عرفت بالانفتاح الاقتصادي وأدت إلى تحول كبير على المستوى الأخلاقي والقيمي في المجتمع المصري، أحد الأمثلة الصارخة لهذه الممارسات الفكرية كان توفيق الحكيم الذي استطاع أن يجني الفائدة من عصري عبد الناصر والسادات، في المقابل لم يحصل غالي شكري الذي تمسك بموافقه في كلا العصرين بمبدئية وأصالة على أي من المزايا التي تقدمها السلطة للمثقف، ففي عهد عبد الناصر الذي يدافع عنه في العديد من الكتابات ومنه اعترافات الزمن الخائب، عايش شكري تجربة الاعتقال واختار المنفى الطوعي، ولم يكن كغيره مستفيدا من الترويج للفكر الناصري، وعلى العكس من ذلك واجهه بكثير من النقد الأمر الذي استجلب له صراعات كثيرة، لم يكن أغلبها يتعامل مع أفكاره بالقراءة المتأنية والرد عليها بنفس الطريقة النقدية، وإنما كان يتمثل معظمه في اتهامات عشوائية تشكك في نواياه ومرجعياته.
يتطرق كتابه اعترافات الزمن الخائب إلى مرحلة مهمة من تاريخ مصر والأمة العربية، منذ لحظة ثورة يوليو 1952 وحتى اتفاقية السلام مع اسرائيل، وفيها لا يناقش فقط الإطار السياسي والاجتماعي للمرحلة، وإنما يدخل في جدل مع العديد من الآراء التي حاولت أن تبحث عن حل بعد مأزق نكسة 1967، فهو يعيد النظر في الأفكار التي سبقت هذه النكسة وتبعتها والمواقف المختلفة التي اتخذها المثقفون العرب، وتشمل هذه المناقشات التي يحفل بها الكتاب تعليق شكري على العديد من القضايا الثقافية الخلافية التي سعت لتفهم واقع التخلف العربي وقدمت بعضا من الحلول مثل الأفكار التي حملها الدكتور زكي نجيب محمود.
ولد الدكتور غالي شكري سنة 1935 وتخرج في الجامعة الأمريكية في القاهرة سنة 1960 بعد دراسته اللغة الإنجليزية والصحافة، لينتقل لاحقا إلى باريس حيث حصل على الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة السوربون سنة 1978، ويظل شكري متنقلا بين باريس وبيروت وذلك لخلافه مع التيار المكرس من قبل السلطة في مصر، إلا أنه يعود لاحقا ليعيش في مصر ويعمل بالصحافة وتدريس النقد، وينجر مجموعة من الكتب المهمة مثل «أدب المقاومة» و»مذكرات ثقافة تحتضر» و»التراث والثورة» التي اتسمت بأسلوبه اللاذع الذي لا يخلو أحيانا من صراحة متناهية اعتبرها بعض القراء وحتى بعض من زملائه قسوة وميل إلى القطعية والتسرع في إصدار الأحكام، وأحيانا تخالط جديته وتركيزه في الكتابة سخرية مريرة تفلت من المفارقات التي يلتقطها من تجربته الطويلة مع الفكر والمفكرين، ويبقى شكري منشغلا بأحوال الثقافة وتحولاتها حتى وفاته سنة 1998، وإن لم يحصل منذ وفاته على ذلك التقدير الذي يستحقه لأنه في الأساس لم يكن عضوا في شلة أو جماعة أو مؤسسة وإنما فردا فذا ومميزا.