كتاب الأربعينية – رواية
كتاب الأربعينية – رواية المؤلف : خوان جويتيسولو اللغة : العربية ترجمة : غير موجود سنة النشر : 2014 عدد الصفحات : 154 نوع الملف : مصور |
كتاب الأربعينية – رواية تأليف خوان جويتيسولو ترجمة عبير عبد الحافظ.
تتحدث الرواية عن ميت يخوض رحلة في أربعينيته؛ وهي الحداد الذي يعقب رحيل المتوفى. رحلة روحية يحلق فيها الكاتب مع صديقة سبقته إلى عالم الموتى فينطلقان، وتكون في البداية دليله. يكتشف الكاتب في رحلته أسرار العالم الآخر فيصعد للسماء بما يشبه الإسراء والمعراج. وينظر للعالم من أعلى ليشهد حياته والأماكن التي زارها ويتنقل بين الشرق والغرب، جو سحري يحلق فيه القارئ مع غويتيسولو فيشعر بالخفة والدهشة.
في مقدمة الرواية يلتقط الكاتب اللحظة التي عنَت فيها ببال البطل كتابتها “عنت لي فكرة كتابة هذا النص عشية العام الذي سبق الحرب. كنت قد أحكمت مسبقًا هذا الموضوع عند التفكير في لحظة الانتقال إلى الآخرة، ودفعني إليه الرحيل المباغت لصديقة، ورغبتي في معاودة التواصل لعلاقتنا الرهيفة من خلال الحكي… وفي اللحظة التي تأهبت فيها لأبدأ تأليف الكتاب في صورته المادية، توفيت. وبعد الوقت القصير الذي عبرت من خلاله إلى اللانهاية، انطلقت من نفسي، وأدركت على الفور كينونة الخفة والسيولة… أذكر أنني قمت ذهنيًا بتنظيم نص هذا الكتاب وصف صفحاته خلال الفترة التي تهيم فيها الأرواح في فترة الأربعينية.”
يفسر الكاتب لقاءه بها لا غيرها تفسيرًا يشبه ما قاله ابن داوود في تفسير ماهية الحب عن بعض أهل الفلسفة “الأرواح أُكر مقسومة لكن على سبيل مناسبة قواها في مقر عالمها العلوي ومجاورتها في هيئة تركيبها . إذ يقول “في نصف الدائرة الرمزي، ذاك المكان الذي تلتقي فيه الأطياف الصديقة الأليفة منذ أزمان سحيقة، وصار تدريجيًا مثل الصحراء نتيجة للخراب والوباء وكبر السن. لماذا قابلها هي بالذات…”. تلتغي الحواجز بينهما ويختلط صوتيهما ففي خفة التحليق تلتغي كل الفروق “شق علي التمييز بين من يسأل ومن يجيب، من صوت “يقول” ومن صوت “أقول”، من يتحدث بصيغة “هو” ومن يتحدث بصيغة “هي”….
ينتقل الكاتب بالأماكن دون قوانين، فتلغى الحواجز بين الشرق والغرب. ينظر لمشهد الدمار والحرب والدماء في كل مكان ويتألم. وهذا يتوافق مع مواقف الكاتب الذي انتصر للمظلومين في كل مكان بعيدًا عن اعتبارات الدين واللغة والعرق، فالألم والحرب والموت تجارب جمعية تؤلم أينما كانت.” أترى من أي شرايين وأوردة ضخمة تفيض هذه الدماء؟ أهم المعوزون من “بن سودة” أم متظاهرون في شوارع وهران اخترقت أجسادهم رصاصات البنادق؟ أم هؤلاء المساكين المحتقرون المهانون في أحياء القاهرة الشعبية؟ أم شهداء صبرا وشاتيلا؟…”
يورد الكاتب توصيفات كثيرة للجحيم كما رآه في رحلته، بعضها يشبه توصيفات الجحيم في الموروث الإسلامي كما ورد في حادثة المعراج، وبمواضع أخرى يرسم صورة تشبه جحيم دانتي، وكأن الجحيم الذي شاهداه ليس واحدًا بل متعدد كما تتعدد الثقافات.
كأن غويتيسولو يريد أن يقول في روايته إن الأرض قد تحولت لجحيم بسبب الحرب والقتل والدم، وإن هذا الدم سيبقى يمتد ليغرق الموروث الإنساني كاملًا. ويرسم لنا صورة سريالية للدماء وهي تمتد وتمتد، وهو (الميت) يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مخطوطات. “أسرعوا جميعًا، على عجل، أمسكوا بالخرق والجرادل وشكلوا سدًا ملتحمًا للحيلولة دون صعود شلال الدم على السلالم. ألا ترون أنه على وشك الدخول إلى المكتبة وإغراق الكتب؟ حاولوا إنقاذ المسودات ومخطوطات هذا النص، النصوص الصوفية الإسلامية، المسيحية، العبرية، مجلدات دانتي، ابن عربي، الدليل الروحي، كتاب المعراج، لا تسمحوا له أن يغطي ويمحي تعبيرات الذكاء والعاطفة الإنسانية، لا تسمحوا بإلغاء سر الكلمات الأساسية. أكان يهمس لنفسه؟ أم أن نفسًا مخيفة كانت تسمعه…”
يذكر غويتسولو أنه بروايته الأربعينية متأثر بشكل مباشر بمؤلف “الفتوحات المكية” لابن عربي، وهذا يكشف عن ثراء ومعاصرة هذا التراث، وأي أوروبي يطلع على “الفتوحات المكية” ويبني عملًا إبداعيًا على هذا المؤلف يمكنه أن يصنع عملًا أدبيًا معاصرًا يعتبر مثالًا حقيقيًا للمعاصرة.
قد تبدو الرواية لمن تعرض لكتاب دانتي (الكوميديا الإلهية)، ورسالة الغفران للمعري، وكتب ابن عربي، مكررة ولا تقدم شيئًا جديدًا، إلا أن غويتيسولو على الرغم من تأثره الواضح الذي صرح به في ثنايا الرواية بهذا الموروث الأدبي الضخم يبني عالمًا خاصًا به يتميز عن باقي العوالم التي تأثر بها. الجو السريالي الغريب يخيم على الرواية؛ اختار الكاتب أن يستعرض البطل صور الجحيم والفردوس من شاشة يقلب من خلالها المحطات، وينتقل أحيانًا في رحلته مستخدمًا وسائل النقل مثل الطائرة والتاكسي. يبقينا غويتيسولو أسيري عالمه الغريب حتى آخر مشهد في الرواية فعند انتهاء الأربعين يومًا ينهض الميت من فراشه دون ملاحظة أحد، ويجهز نفسه ويذهب للمحكمة، يركب المصعد الذي ينقله للطابق السابع ويطرق بابًا نقش عليه اسما منكر ونكير.
يقف القارئ مشدوهًا مع هذه النهاية التي تجعله في حيرة عن المقر الذي سيتخذه البطل، الذي هام معه في ثنايا الرواية، ليبقي على صلة بهذا النص الذي يتجدد بتجدد قارئه. حتى القارئ الواحد سيلتقط مع كل قراءة جديدة لهذه الرواية تفاصيل وإشارات لم يلحظها في المرة الأولى… هذه الرواية تُقرأ، ثم تُقرأ، وفي كل قراءة تكتشف شيئًا جديدًا فيها.