كتاب معتزلة البصرة وبغداد لـ د.رشيد الخيون
كتاب معتزلة البصرة وبغداد |
عنوان الكتاب: معتزلة البصرة وبغداد
المؤلف: د.رشيد الخيون
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: دار الحكمة – لندن
الطبعة: الأولى 1997
عدد الصفحات: 351
حول الكتاب:
من بين مخلفات التاريخ يبرز الاعتزال، بمقالات شيوخه، محفزا نشطا في استلهام دلالات العقل مقابل النقل، والتحرر من أسر رتابة النصوص. بسبب أن هذا الفكر يمتلك رؤية حيوية حول الوجود كطبيعة وإنسان، وعلاقتهما بالله. رؤية تمكن الإنسان، إلى حد ما، من حرية التصرف في شأنه الاجتماعي، ومن التأثير الواعي على الطبيعة، وتوجيهها لمصلحته. حاول المعتزلة في مختلف مراحلهم الكلامية والفلسفية تأكيد مسؤولية الإنسان عن أفعاله، وبدون شك، يقود ذلك إلى تفعيل دور العقل في تنظيم الحياة الاجتماعية والاستفادة من الطبيعة بشكل خلاق، بعد فهم قوانينها. ويبرر أحد رموز الاعتزال البصريين القاضي عماد الدين عبد الجبار في ” فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة” اعتبار العقل الأصل الأول في الإيمان والحياة، حتى قبل القرآن الكريم والسنة النبوية بقوله : ” لأن به يميز بين الحسن والقبيح، ولأن به يعرف الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع، وربما تعجب من هذا الترتيب بعضهم، فيظن أن الأدلة هي الكتاب والسنة والإجماع فقط، أو يظن أن العقل إذا كان يدل على أمور فهو مؤخر. وليس الأمر كذلك ، لأن الله تعالى لم يخاطب إلا أهل العقل، ولأن به يعرف أن الكتاب حجة، وكذلك السنة والإجماع، فهو الأصل في هذا الباب “.وقد عبر شيوخ الاعتزال الآخرون عن هذا الأمر، وقبلهم المتكلمون، والريادة في ذلك لجهم بن صفوان، بمبدأ ” الفكر قبل ورود السمع”. والمقصود بورود السمع هو النص المنقول، خبرا، أو رواية، أو وحيا. وفي هذا المجال طرح المعتزلة أفكارا بالغة الأهمية تجلت في رؤيتهم الخاصة لمكانة العقل في تحديد العلاقة بين الله والإنسان، ورؤيتهم المتطورة تجاه طبائع الأشياء وخصوصيتها. ويفهم من هذه الأفكار أن المعتزلة مالوا إلى القول بعدم تدخل الله في الكون، بعد خلقه، إلا من خلال تلك الوسائط فالناس يحددون بعقولهم حياتهم الاجتماعية من نظام اجتماعي وسياسي، وهذا يتطلب تحريرهم من سطوة القدر. وتتحدد الطبيعة، كوجود علاقات، من خلال ما ترك الله فيها من طبائع وقوانين.ورغم أن هذه الأفكار الكلامية والفلسفية المثيرة، عصر ذاك، ولعلها ما زالت مثيرة في الزمن الحالي أيضا، حاول مؤرخون عديدون أن يعطوا الاعتزال أبعادا سياسية بحتة، بدءا من ربط وجود الاعتزال كفكر وفلسفة بالذين اعتزلوا الخلافات في السلطة الإسلامية بين مركز الخلافة والمتمردين، سواء كان ذلك في معركة الجمل أو معركة صفين، فتسمية معتزلة اشتقت من العزلة. وبالغ بعض المؤرخين أيضا في الدور السياسي والثوري للمعتزلة في مواجهة السلطة الأموية ثم العباسية. كذلك بالغ مؤرخون محابون في اعتبار المعتزلة حماة الدين ضد فرق إسلامية، وديانات وفلسفات منها المانوية وديانات إيرانية وهندية ويونانية، انطلاقا من فلسفة التوحيد المعتزلي الخاصة في تنزيه الذات الإلهية من الصفات، ومن إشغالهم لموقع فكري كادت تلك الديانات والفلسفات أن تحتله، وفي هذه المهمة عدوا مجددين للدين الإسلامي وتخليصه من غلاة ومشركين.والظاهر أن هذه الآراء وغيرها التي ظنها المؤرخون والباحثون، في شأن المعتزلة، أتت كمحاولات في الدفاع عنهم ضد ما نسب لهم في التاريخ المللي والنحلي من مثالب وكفريات، يوم سميت أفكارهم بالفضائح والشنائع والأكاذيب. لكن تلك الآراء السليمة النية غطت على الجوهر الفلسفي للاعتزال في النظر للإنسان كائناً حراً مسئولاً عن أفعاله، والنظر إلى ظواهر الكون وهي متناسقة في علاقات وقوانين.