كتاب ثورة الروح -إستقراءات تفكيكية في الفلسفة الصوفية عند الشيخ عبد القادر الكيلاني
كتاب ثورة الروح |
عنوان الكتاب: ثورة الروح -إستقراءات تفكيكية في الفلسفة الصوفية عند الشيخ عبد القادر الكيلاني
المؤلف: جمال الدين فالح الكيلاني
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: دار الزنبقة
الطبعة: الأولى 2014
عدد الصفحات: 205
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: دار الزنبقة
الطبعة: الأولى 2014
عدد الصفحات: 205
حول الكتاب:
الحديث عن مفهوم التصوف الإسلامي يقتضي منا الحديث عن جذره اللغوي، وتأصيله من الناحية التاريخية، وتتبع مساراته، ودراسة مضمون الإنتاج المعرفي لهذا الاتجاه في حقل المعرفة الإسلامية، كما يقتضي التنقيب عن مضامينه الروحية والعقلية، وتتبع مدى أصالة انتمائه إلى حقل العلوم والمعارف الشرعية، ومدى علمية ما يطرحه المتصوفة من رؤى عن الله عز وجل، ثم عن الكون والحياة والإنسان، وتحليل المنهج الصوفي في المعرفة والتلقي، مع مراعاة أدوات المعرفة الصوفيّة وموقع العقل والبداهة منها، وقبل ذلك تعاملها مع الوحي كمصدر مركزي للمعرفة، ودور العقل في التعامل مع المعطيات والحقائق، واستكناه حقيقة القول بأولوية المعرفة اللدنية، أو الذاتية والتجربة، والتذوق في الوصول إلى الحقيقة، ومدى قابلية هذا المنهج الصوفي – إن صح تسميته منهجا – للتعميم، ليكون عاما للناس كلهم، وسبيلا موصلا ومفضلا على العقل والبرهان. ومن هذا الوجه، فالتصوف من حيث هو ظاهرة سلوكية وعبادية، وتطهير للنفس الإنسانية وتأمل وفكر في الوجود، أصيل في الإسلام. فالتربية الروحية في المجتمع الإنساني وصياغة شخصية الإنسان في ظلها لكي تحفظ توازنها أمام مغريات الحياة، كانت من المهمات الواضحة للوحي (القرآن والسنة). فالقرآن الكريم قائم أساساً على الدعوة إلى الله تعالى وعبادته، وتطهير النفس الأمّارة بالسوء، وبيان سبل الاستقامة والسلوك الموزون في الحياة. وإنَّ الإيمان العقلي المجرد بخالق الكون ثم بالقيم والفضائل التي تنبعث من هذا الإيمان لا يمكن أنْ يجعل من الإنسان يقظ الحس، رقيق الوجدان، مستقيم السلوك، رباني المشاعر، متطلعا إلى رضوان الله بشوق وانتظار.ونحن إذا قرأنا القرآن الكريم وجدنا آيات كثيرة تدعو الإنسان إلى الجانب الروحي من حياته، ضمن الإطار العام في الكيان الإنساني المتكامل. فقول الله تعالى : (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)[الحجر:99]، وقوله عز وجل: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا) [السجدة:16]، وقوله تعالى: (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) [الشمس:9-10]، وآيات كثيرة شواهد على اهتمام الإسلام بتربية الروح وتعويد النفس على الطاعة عن طريق العبادة الشاملة في الحياة كلها. ولقد أحدثت التربية النبوية الشريفة تغييراً كلياً في النفوس، وأيقظت الأرواح، ووجه الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته وأمته من بعده إلى تأمل كتاب الله، فأشرقت قلوب صحابته، واقتدوا به صلى الله عليه وسلم في عدم إعطاء حياة الشهوات أكثر من حجمها وعدم التذلل لها، وتميز من بينهم جمع من خالص أصحابه، كانوا –كما وصفوا- رهبانا بالليل فرسانا بالنهار، استغرقوا في العبادة والصلاة وقراءة القرآن والكفاح اليومي على نهج النبوة والاقتداء الكامل برسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم ورث هؤلاء الصحابة في مسلكهم في العبادة كبار التابعين وتابعيهم، واستمر هذا الاتجاه الذي سمي بالزهد في المجتمع الإسلامي، نتيجة تطور أوضاعه. إذ كلما استبدت المغريات المادية بالناس، وكثرة الآثام، وظهرت المفاسد، وانتشرت المظالم، علت الدعوة إلى محاربة النفس الأمارة بالسوء. وكان الوعاظ وأهل الزهد والإرشاد ينبهون الناس إلى الثغرات الروحية في الحياة وكيفية معالجتها، وكانوا ينطلقون من منطلقات قرآنية. وبقي الاتجاه الروحي على صفائه الإسلامي، حتى بعد تطوره إلى فكر، واتخاذه مصطلح “التصوف” بوضوح ابتداء من القرن الثالث الهجري، حيث انقلب التصوف إلى علم قائم بذاته، سمي بعلوم الخواطر أو الأحوال أو المكاشفات، يقول ابن خلدون : ” هذا العلم من علوم الشريعة الحادثة في الملة. وأصله أن طريقة هؤلاء القوم لم تزل عند سلف الأمة وكبارها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم طريقة الحق والهداية، وأصلها العكوف على العبادة والانقطاع إلى الله تعالى والإعراض عن زخرف الدنيا وزينتها، والزهد فيما يقبل عليه الجمهور من لذة ومال وجاه، والانفراد في الخلوة للعبادة. وكان ذلك عاما في الصحابة والسلف. فلما فشا الإقبال على الدنيا في القرن الثاني وما بعده وجنح الناس إلى مخالطة الدنيا، اختص المقبلون على العبادة باسم الصوفية والمتصوفة ” وعندما بدأ الصوفية يتعمقون في حقائق الدين ولا يكتفون بظاهرها فحسب ظهر الفكر الصوفي كأحد مظاهر الفكر الإسلامي، هذا التطور الذي عده ابن خلدون بسبب تطور حركة المجتمع الإسلامي وامتداده، ونشوء ظواهر جديدة كالترف والبذخ، والإقبال على الدنيا. فكان التطور الروحي الذي انتهى إلى علم التصوف كما تطور الاتجاه العقلي النظري إلى علم الكلام والفلسفة، وتطور الاتجاه العملي إلى الفقه وأصول الفقه والمدارس الفقهية المعروفة. كان الفكر الصوفي قائما على الكتاب والسنة، ملتزما بضوابط الشرع، عند أمثال معروف الكرخي (ت 255هـ) والحارث المحاسبي (ت 243هـ) وسير السقطي (ت 253هـ) والجنيد البغدادي (ت 298 هـ) وغيرهم. ذلك أنه كان يقوم على التأمل العميق في التوحيد والعبودية التامة لله تعالى عن طريق تصفية القلب، واستقامة السلوك، ومجانبة الدواعي النفسانية، والتعلق بالعلوم المستنبطة من الكتاب والسنة. ولقد تبلور فكر صوفي إسلامي عميق في هذه المدرسة الصوفية، حول حقيقة العبادة والتوحيد واتباع السلوك الصحيح إلى الحق تبارك وتعالى، ووصف مراتب النفس وتصفيتها، وأمراض القلوب وشفاءها، وحقيقة هذه الحياة وموقع الإنسان فيها، والخلاص من الرذائل، ونبذ العبودية للدنيا. أنّ ساحة الفكر الإسلامي الصوفي استمرت بظهور القشيري وعبد القادر الجيلاني ” المقصود بهذه الدراسة”، والشيخ زروق وغيرهم. الذين حاربوا تيار الإشرافية، ووحدة الوجود، والإباحية، ودعَوْا إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وبالرغم من أن الفكر الصوفي في العصر الحديث حاول أنْ يصطبغ بصبغة تجديدية على أيدي كثير من الصوفية العلماء؛ أمثال العلامة محمد إقبال والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ فريد الدين شهيدي الهندي وغيرهم، إلا أنّ ما طرحه ”إقبال” مثلاً من تجديد الفكر الديني في الإسلام، وبالأساس التصوف، ما زال يواجه أسئلة بين أهل العلم، على المستوى المعياري، والمستوى المعرفي (الابستمولوجي)، والمستوى الوجودي (الأنطولوجي). إن التصوف خطا فكريا، ولد مبكرا في المجتمع الإسلامي، ومر بمراحل وتطورات هامة، وأثناء تطوره تشكلت فيه مدارس عدة منها مدرسة الشيخ عبد القادر الجيلاني؛ التي يمكن اعتبارها ” مدرسة تربية الروح، وتزكية النفس، وتطهير القلب التي استطاعت أن تكسب قلوب الملايين في كل زمان ومكان.