كتاب الموجز في المذاهب والأديان – الجزء الأول لـ الأب صبري المقدسي
عنوان الكتاب: الموجز في المذاهب والأديان – الجزء الأول
المؤلف: الأب صبري المقدسي
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: مكتب الأستاذ ” سركيس اغاجان “
الطبعة: الأولى 2007 م
عدد الصفحات: 381
حول الكتاب:
“ان التطوّرات العلمية التي شهدها العالم في القرن الماضي وما صاحبها من الثورات التكنولوجية والألكترونية والمعلوماتية والتي هزّت الكون، أدّت الى حدوث ثورة أهم وأشمل ألا وهي الثورة الفكرية والتي كان للدين منها النصيب الأوفر . وهذا ما جعل البشر في كل مكان من العالم، يُفكر بعمق وجديّة لإتخاذ موقف جديد من الدين والإيمان.والتاريخ لم يشهد عصر ا مثل الذي نعيش فيه، إذ بسط العقل الحديث سلطانه على كثير من شؤون الحياة، وفرض الشك نفسه حتى في المسل مّات التي كنا نحسبها في الأمس القريب من المقدسّات التي لا يُمكن البت فيها ومناقشتها. وأصبح الانسان يثبت بصورة لا شك فيها أنه الكائن المتديّن بالفطرة، يتعصّب لمعتقده ويُدافع عنه مها كان الثمن . وأن الدين حاجة لا يمكن اجتثاثها منه إذ كيف يمكن إبعاده عن خالقه وسرّ وجوده. وهذا ما يُفسّر إستمرار الأيمان حيّا في النفوس وانه لم ينقرض على الرغم من إنتصار العلم والتكنولوجيّات المتطوّرة التي جعلت من العالم وكأنه قرية صغيرة تسمى ” القرية الكونية “. ونستطيع أن نتابع كل ما يجري فيها من الأخبار المفرحة والمحزنة … المشجّعة والمقلقة … الدينية واللآدينية… الخ.وكانت الأديان قديما محميّة من الداخل بجدران سميك ة ومتماسكة ولقرون عديدة، وأما الآن وفي هذا العصر الذي يُعدّ ع صرا للتغيير السريع والتجديد والإنفتاح على الآخر، بدأت هذه الجدران تتحطم و بدأ الناس يتساءلون عن كل الأشياء ويُناقشونها بروح علميّة ومنطقيّة، فهل ياترى تستطيع الأديان أن تقاوم هذا الإنفتاح الديني والثقافي والحضاري المنتشر في العالم كله والذي لا يُمكننا أن نوقفه مهما كان الثمن، أم انها سوف تنحّل وتضمّحل كما يتصوّر البعض من اللادينيّين الذين يُبوّقون بدنوّ عصر الإلحاد واللادينية في العالم. ولكننا يجب أن لا ننسى أن الذهب لا يختفي ويتلاشى بمجرّد تعريضه للنار، لا بل يزداد رونقًا وصفاءً ولمعانًا. وكذلك الأديان، فأن وجهها الناصع البياض يظهر أكثر وضوحًا، ويزداد جمالا وجاذبية من خلال هذه النقاشات والحوارات العلميّة والمنطقية واللآهوتية. وعلى المتديّنين المحافظين والمتقوقعين في زواياهم المظلمة، أن يخرجوا الى النور ويواجهوا العالم بروح جديدة وأن لا يخافوا على أديانهم، لانهم ليسوا مصدرها.والله الذي أسسها لخير الانسانية هو القادر على أن يحافظ عليها حتى نهاية العالم وأبواب الجحيم والإلحاد والعولمة والحداثة لن تقوى عليها. وما يحدث في العالم اليوم، يدل دلالة واضحة على أن الولاء الخالص والصادق للديانة الى درجة نسيان الذات والخدمة الصميمية المُجرّدة عن المصلحة والشهرة الذاتية، هي القاعدة المثلى لهذه الأديان، وليس التديّن الشكلي الذي أدى الى إبعاد الكثيرين عن الأيمان الحق، ولاسيّما المثقفين والعلماء والفلاسفة الذين لم يرفضوا روح الدين ومفهومه الباطن، بقدر ما رفضوا شكله وظاهره. وان المحبة وبذل الذات من أجل الآخرين، التي تدعو اليها الأديان قاطبة، قد تبدو كلها حماقة وجنونًا في نظر الذين يصعب عليهم الإبتعاد عن الملذات العالميّة والماديّات المُغريّة جدا في هذا العصر. ولأن الإنسان هو أحوج من كل زمان الى التعليم الديني. فكلماعظم شأنه عظمت حاجته الى الدين والايمان. إذ من الممكن أن يتلاشى كل شيء نحبه ونحترمه من نعم الحياة، عدا الدين الذي يستحيل أن يُمحى ويتلاشى، لكونه مطلب انسانيّ يُشبع حاجة الروح والعقل وليس مطلب ماديّ يُشبع حاجة الجسد وشهواته المختلفة.ونشأت هذه الأديان والمعتقدات الروحيّة منذ أن شعر الانسان بوجوده، ومنذ أن كان يعيش في تجمعّات إجتماعية في الكهوف والمغارات. حينما بدأ يسال عن معنى وجوده وعن الكون والزمن، وعن علاقته بكل ما يُحيط به من التراب والماء والنار والأرض والشمس والقمر والنجوم وكل أنواع الحيوانات. وعبَّر عن كل هذه الأسئلة بأساليب روحية وطقسيّة جميلة وصلت الينا بشكل أساطير وحكايات رائعة استعملتها الأديان المعروفة اليوم في كتبها وعقائدها. ولأن الإنسان في طبيعته مخلوق حُرّ في الإختيار ويستطيع التحرّر من غرائزه. وطموح لا يرضى بالحال التي هو فيه، هذا مما دفعه الى المزيد من التقدم والإبتكار والإبداع. كما وأنه لا يكتفي بحياته على الأرض، بل يرغب في حياة أسمى، خالدة وأبدية. وهو الكائن الوحيد الذي يخجل ويقلق لمصيره ومستقبله. وهو الوحيد الذي يُفكر ويعمل وينتج ويَبني ويُعبّر عن نفسه وطموحاته وعن الأشياء والأحداث اليومية التي تدور حواليه. وأما الانسان البدائي فلم يكن يشعر بالخجل يوما ولا بالقلق من المجهول، لأنه لم يكن يُفرّق بين الماضي والحاضر والمستقبل.كما وأن البشرية حاولت صنع قيّمها الخاصة بها في بعض الدول، بعيدا عن الأديان والمذاهب، كما حدث في الاتحاد السوفيتي السابق ولمدة ٧٠ سنة من تدمير للدين والقيّم والأخلاق، والنتيجة كانت (كما هو معلوم) تدمير للفرد والعائلة والمجتمع بأكمله، الى أن أنهار كل شىء ورجع الدين الى حالته الطبيعية لتعود القيّم والأخلاق قريبة من منبعها الأصلي .“