كتاب الانيادة لفرجيل لـ د.إبراهيم سكر
المؤلف: د.إبراهيم سكر
المترجم / المحقق: غير موجود
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
الطبعة: 1994
عدد الصفحات: 59
حول الكتاب:
“يحتل (( فيرجيل )) في الأدب اللاتيني نفس المكانة التي يحتلها (( هومر )) في الأدب اليوناني، كما تحتل ملحمته (( الانيادة )) نفس المكانة التي تحتلها (( الالياذة والأوديسا ))، وفيرجيل هو أعظم شعراء عصر (( أوغسطس )) ، وخير شاعر يمثل هذا العصر ويعبر عن أحلامه وأمانيه، كما أنه أكثر الشعراء اللاتينيين تأثيرا على الأجيال التالية.اننا لا نعرف عن حياة (( فيرجيل )) الا القليل. ومن هذا القليل، الذي اتفق عليه معظم المؤرخين والرواة أنه يدعى بوبليوس فيرجيليوس مارو Publius Vergilius Maro ولد في الخامس عشر من شهر أكتوبر عام 70 ق.م. أثناء قنصلية (( جنايوس بومبيوس ماجنوس Gnaneeus Pompeius Magnus، وماركوس ليكينيوس كراسوس Marcus Licinius Crassus وذلك في قرية أنديس – Andes ، التي تبعد ما يقرب من ثلاثة أميال رومانية عن ” مانتول Mantua ” احدى مقاطعات ” جالياكيساليينا – Gallia Cissalpina ” ، أي بلاد الغال الواقعة جنوب الألب المتاخمة لشمال إيطاليا. وقد أصبح يوم ميلاد فيرجيل فيما بعد عيدا يحتفل به الشعراء والأدباء كل عام.لم يكن ” فيرجيل ” اذن، بحكم مسقط رأسه، مواطنا رومانيا، فلم تتمتع المقاطعة التي تنتمي اليها قرية (( أنديس )) بالحقوق الرومانية الا بعد أن بلغ ” فيرجيل ” عامه الحادي والعشرين، ومن ثم فقد قال البعض أنه من أصل غالي أو من أصل أترسكي.أما عن عائلته فقد حاول بعض النقاد المحدثين أن يثبت أنها كانت تحتل مركزا محليا هاما، اذ يبدو أن أمه (( بولا ماجيا Polla Magia )) كانت تنتمي إلى أسرة منتشرة في إيطاليا، وتتمتع بمركز مالي لا بأس به. وقد ذهب البعض أن الاسم (( ماجيا Magia )) المشتق من كلمة (( MAgus)) بمعنى ساحر، كان من العوامل التي ساعدت على خلق الاعتقاد، الذي ساد في القرون الوسطى ، بأن ” فيرجيل ” كانت له قدرة عجيبة على سحر. وأما أبوه فقد كان ينتمي إلى طبقة الفلاحين. ويبدوا أنه كان يعمل في بادئ الأمر أجيرا عند والد زوجته المدعو ” ماجيوس Magius ”. وقد استطاع بجده ونشاطه واخلاصه في العمل أن يكسب ثقته وعطف مخدومه الذي زوجه ابنته، وساعده على تكوين حياته الخاصة، اذ اننا نسمع بعد ذلك أنه قد أصبح لوالد فيرجيل أرضه الخاصة، ولا ندري على وجه التحديد كيف ألت اليه ملكية هذه الأرض، هل هي ثمرة مجهوده وكفاحه. أم أنها آلت اليه كمهر لزوجته، أم أنه ورثها بعد وفاة والد هذه الزوجة. على كل فقد شب فرجيل فوجد أن أباه يمتلك أرضا، وقد كانت هذه الأرض سببا في تدعيم علاقة فيرجيل بكثير من رجالات العصر.لقد نشأ (( فيرجيل)) وتربى في بيئة زراعية بين المراعي والأحراش وقد ظهر أثر هذا بوضوح في مواضع كثيرة من أعماله ، وعلى الأخص الرعويات والزراعيات . وقد وافقت العشرون سنة الأولى من حياة ” فيرجيل ” تلك الفترة الخطيرة من تاريخ روما، أعني فترة الحروب الأهلية الأولى التي اندلع لهيبها بين حزبي (( ماريوس )) و (( سولا )) ، وكذلك النضال الرهيب بين (( قيصر )) و (( بومبي )) . وعندما كان (( فيرجيل )) صبيا في الحادية عشرة من عمره جاء (( قيصر )) ليحكم الولاية التي تضم (( جاليا كيسا لبينا )) ، حيث تعود (( قيصر )) أن يمضي فترة الشتاء ، وقد انضمت هذه الولاية إلى قيصر ، أثناء نضاله مع ” بومبي ” : ومن المؤكد أن ” فيرجيل ” قد وقع تحت تأثير سحر تلك الأسرة العظيمة، أسرة يوليوس قيصر، التي أشاد فيرجيل بأمجادها في أخلد ملحمة كتبت بااللاتينية، أعني ” الانيادة ”.ويبدو أن والد ” فيرجيل ” لم يدخر وسعا في سبيل تعليم ولده، كأحسن ما يتعلم أبناء طبقة النبلاء . فبعد أن أتم (( فيرجيل، مرحلة التعليم الأولى في قريته وكأن قد بلغ الثانية عشرة من عمره ، أخذه أبوه الى ” كريمونة Cremona” ليتلقى ما يعادل مرحلة التعليم الثانوي عند مدرس الأدب ” grammatricus ” حيث تمكن من دراسة الأدب والشعر اللاتيني دراسة مستفيضة ابتداء من ” انيوس ” الى ” كاتولوس” ؛ وقد مكث في ” كريمونا” حتى بلغ السادسة عشرة من عمره، وارتدى زي الرجال ” Loga Virilis” ثم رحل إلى ” ميلان ” ، عاصمة الولاية في ذلك الوقت، طلبا في المزيد من العلم، حيث تعلم اليونانية على يد من يدعى ” بارثينيوس البيثيني Parthenius of Bithynia “.وقد ساعده ذلك على قراءة روائع الأدب الاغريقي في لغتها الأصلية، وبخاصة ” هومر ” ، و” وهيسيود ” و ” ثيوكريتوس ” و ” أبوللونيوس الرودي ”، الذين كان لهم أكبر الأثر على شعره. ويبدو أن ” فيرجيل ” لم يجد في (( ميلان )) ما يشبع نهمه في تلقي العلم، لذلك فانه لا يمكث بها الا فترة قصيرة لا تزيد عن السنتين ، ارتحل بعدهما إلى روما ، التي كانت تعج في ذلك الوقت بالأساتذة من كل علم وفن ، لينهل من علمهم وأدبهم.كان على أي فتى طموح أن يختار بين احدى المهنتين الأساسيتين في ذلك الوقت العسكرية أو المدنية وقد اختار ” فيرجيل ” ، لرقته وضعف صحته ، المهنة الثانية ومن ثم فقد كرس جهده في بادئ الأمر للتدريب على الخطابة، ليصل إلى قمة المجد والشهرة. وعلى الرغم من أن ” فيرجيل ” قد تلقى تعليمه وتدريبه على يد واحد من أفضل أساتذة العصر ، أعني ” ايبديوس ” حيث كان يرافق ” فيرجيل ” في الدراسة ” قيصر أوغسطس ” نفسه ، إلا أنه لم يحرز أي تقدم ملحوظ في هذا الميدان، فلم يترافع أمام القضاء إلا مرة واحدة لم تتكرر. ويبدو أن حياءه الطبيعي وخجله ورقته كانت عقبة كأداء تسد عليه هذا السبيل . وعلى كل فاننا نجد آثار هذا التدريب على الخطابة في خطبه التي جاءت في ” الانيادة ”، كما نجد أيضا ، وعلى الأخص في الكتاب الرابع من الأنيادة ، آثار واضحة لتلك المحسنات البلاغية، التي تركت أثرا عميقا على الأدب في القرن التالي. ومن ثم فقد ترك ” فيرجيل” هذا الميدان عن طيب خاطر ، واتجه لدراسة الفلسفة ؛ وكان أستاذه الأول في هذا الاتجاه الفيلسوف الأبيقوري المعروف (( سيرو – Siro )).ويبدو أن ” فيرجيل ” قد درس أيضا الطب والعلوم الرياضية بما في ذلك الفلك، فان سعة اطلاعه تبدو جلية واضحة خلال أعماله. حتى لقد استحق بجدارة لقب ” العليم – Doctus ” ذلك اللقب الذي أطلقه عليه كل شعراء عصره. وفي الجزء الثاني من ” الزراعيات ” فقرة ( 475-492) يتجلى فيها اعجاب ” فيرجيل ” الشديد بدراسة العلم والفسلفة ، فهو يقول في ختام هذه الفقرة : ( 490 -492 ).” سعيد من استطاع أن يعرف علة طبيعة الأشياء، وطرح تحت قدميه كل المخاوف والقدر المحتوم وضجيج أخيرون الشره “.وبعد ان أتم ” فيرجيل ” تعليمه، عاد إلى مزرعة أبيه، وقد مكنته طبيعته، التي يغلب عليها الخجل قرض الشعر. ومن المحتمل أن تكون بعض القصائد والحياء، أن يعتزل الناس ويعكف على الاطلاع ومحاولة القصيرة، التي ينسبها البعض إلى ” فيرجيل ” مثل Moretum ,Diralc,Culex ثمار تلك الفترة المبكرة من حياة الشاعر الأدبية.“